الشريط الاخباري

الضربة الامريكية لسوريا اهدافها ودلالاتها

نشر بتاريخ: 11-04-2017 | أفكار
News Main Image

بقلم// سمير عباهرة.

لا شك ان الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة في سوريا لقاعدة الشعيرات ستعمل على خلط الاوراق في اكثر المناطق تعقيدا في الشرق الاوسط بحكم طبيعة الصراع الدائر وتداخلاته وتشعيباته وحجم القوى المؤثرة فيه وفي مقدمتها روسيا التي باتت تتحكم بالورقة السورية وتتحكم في موازين الحرب والسلام اضافة الى ايران التي توصف بأنها احد اهم اللاعبين الاقليميين في سياسة الشرق الاوسط وأجندتها الخاصة في سوريا وتداعياتها الدولية.

وقد بقيت الولايات المتحدة تراقب عن بعد ما يجري في سوريا خلال فترة الرئيس الأمريكي اوباما الذي لم يكن يملك استراتيجية واضحة للتعامل مع ازمات الشرق الاوسط وخاصة بعد موجات ما عرف بالربيع العربي التي شكلت مفاجأة لواشنطن بعد الاطاحة ببعض حلفاءها من على سدة الحكم ووصول تيارات الاسلام السياسي الى سدة الحكم في بعض الاقطار العربية مما زاد من حالة القلق لدى الإدارة الأمريكية الأمر الذي دعا اوباما لإعادة حساباته لكن اوباما كغيره من الرؤساء الامريكيين يعتبر ان هناك مصالح استراتجية للولايات المتحدة وهي مستعدة دائما للتدخل لحمايتها لكنه أيضا كان يعتقد بان التدخل المباشر واستخدام القوة لا يمكن ان تنتج عنهما مكاسب في السياسة الخارجية لذلك آمن بنظرية "الصمت الاستراتيجي" التي تعتمد على استبدال التدخل الامريكي المباشر الى دعم وتحريض اطراف اسلامية وعربية ضد بعضها البعض وضد شعوبها بما يحقق المصالح القومية للولايات المتحدة والمصالح القطرية لتلك الجماعات.

ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأ بإتباع إستراتيجية جديدة في السياسة الخارجية لاستعادة هيبة الولايات المتحدة المفقودة بوصفها الدولة الأولى عالميا التي تتحكم في مقاليد السياسة الدولية وصاحبة القرار في الحرب والسلم والمحرك الرئيسي لأهم القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بعدما حاولت بعض الدول الأوروبية ملء الفراغ الدبلوماسي الذي تركه غياب الولايات المتحدة وفي مقدمة تلك الدول فرنسا التي وضعت قدمها في المنطقة من بوابة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحاولت عقد مؤتمر للسلام لحل الصراع وكذلك روسيا التي عادت بقوة وأخذت تتحكم بالورقة السورية من خلال دعمها للرئيس السوري بشار الأسد بل ان هذا الدعم تطور إلى دعم لوجستي عندما تم نقل قطاعات من القوات الروسية الى سوريا وهذا ما أزعج الولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم تحفظ الولايات المتحدة على التدخل المباشر في الأزمة السورية إلا أنها انتظرت الوقت المناسب لتعود بقوتها العسكرية وتوجه ضربة لسوريا تحت ذريعة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في حسم جزء من المعركة ضد المعارضة السورية رغم الوعود التي قطعها ترامب على نفسه أثناء حملته الانتخابية بعدم التدخل في الشأن السوري لكن يشير بعض المحللين الى ان الضربة كانت تهدف لاسترضاء إسرائيل وربما تكون إسرائيل قد تركت بصماتها في استثارة ترامب بتوجيه ضربته والتي لن تتوانى هي الأخرى للقيام بهذه المهمة لو لم تكن لها تداعيات خطيرة جدا على المنطقة، وهكذا اتضحت أهداف الولايات المتحدة جراء توجيه ضربتها إذ انها أرادت إرسال رسالة قوية أن امن إسرائيل هو خط احمر ولن يسمح لدول الجوار بامتلاك أسلحة إستراتيجية تشكل تهديدا لــ تل ابيب.

ضربة الولايات المتحدة لسوريا تهدف لإظهار الولايات المتحدة بأنها صاحبة العقد والحل في الشرق الأوسط وفتحت الباب مجددا لعودة الحرب الباردة مع روسيا من البوابة السورية التي على ما يبدو ستكون ساحة الصراع الجديدة بين القطبين الدوليين بعد أن أحدثت هذه الضربة توترا جديدا في العلاقات بين البلدين وانتقلت المواجهة بينهما إلى مجلس الأمن.

الضربة تهدف إلى تحجيم الدور الروسي في سوريا وسحب البساط من تحت أقدام روسيا والتي بدأ دورها في التنامي في منطقة الشرق الأوسط فقد عادت روسيا لتلعب دورا فاعلا وتتخذ مواقف في العديد من القضايا الدولية والإقليمية وأصبحت تتحكم في أهم الأحداث سخونة في سوريا وفلسطين ورفع حالات الاستقطاب لبعض الدول الإقليمية التي كانت تسير في الفلك الأمريكي والتقارب الذي حصل بين بعض البلدان العربية وروسيا على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة حيث بدأ العرب بالتوجه نحو المعسكر الروسي بسبب غياب السياسة الأمريكية في المنطقة بل ان اللافت للانتباه هو التطور غير المسبوق في علاقات روسيا بدول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية بعد عقود طويلة عن توقف العلاقات بينهما.

وقد نجحت روسيا في خطف ورقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أيضا وهذا ما أزعج الولايات المتحدة حيث انتقل مركز الثقل في عملية السلام من واشنطن إلى موسكو وهذه مسألة لم ولن تتقبلها الولايات المتحدة والتي لن تسمح لأي جهة كانت أن تستحوذ على الجهود السياسية المتعلقة بعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ولذلك سارعت واشنطن لقطع الطريق أمام السياسة الروسية في المنطقة بما ينذر بنهاية عهد وبداية عهد جديد في العلاقة بين القوتين العظميتين.

وإذا كانت الخطوة الأمريكية موجهة بالمقام الأول ضد روسيا فان إيران أخذت جانبا من هذا الموضوع إذ أن ترامب ومنذ وصوله الى البيت الأبيض انتقد الاتفاق الموقع معها وأطلق تصريحات نارية ضد إيران وبرنامجها النووي وقدراتها العسكرية لما تشكله من خطر على الدولة العبرية ومن هنا جاء استهداف الدور الإيراني في سوريا ودعمها لحكم بشار الأسد وقد لمحت المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية بان الضربة كانت عبارة عن رسالة إلى كل من إيران وكوريا الشمالية لامتلاكهم أسلحة إستراتيجية.

إسرائيل كانت الدولة الأكثر ترحيبا للخطوة الأمريكية وتعتقد أنها كانت رسالة حازمة للرئيس السوري بل اعتبرت أنها الاختبار الأول الكبير في الشرق الأوسط في استعادة الولايات المتحدة لدورها المهم كدولة عظمى ولسان حال إسرائيل بان الخطوة الأمريكية جاءت دفاعا عن إسرائيل وأمنها القومي وهذا سيعزز موقف إسرائيل في استمرار خرقها وحرقها للشرعية الدولية.

ربما يكون هناك أسبابا أخرى قد تكون ثانوية وتتعلق بتركيا التي نزعت في الاستقلال عن المحور الأمريكي وبنا محورا جديدا تتزعمه في المنطقة وأوروبا التي استغلت الفراغ الأمريكي في المنطقة وحاولت وضع قدمها في هذه المنطقة التي تعج بالصراعات والنزاعات العرقية والطائفية.

الهدف الأساسي للولايات المتحدة قد تحقق بعودتها القوية إلى المنطقة وأنها اللاعب الأساسي الذي يسيطر على كل المجريات والأحداث وأنها جاهزة في أي وقت للتدخل. وبدخول الولايات المتحدة لاعبا رئيسا في الأزمة السورية يبدو أن الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد وان الأمور زادت تعقيدا لكن من وجهة نظر بعض المحللين أن ذلك ربما يعجل بنهاية الأزمة السورية إذا ما تم التوافق بين الولايات المتحدة وروسيا.

شارك هذا الخبر!