الشريط الاخباري

إضراب الأسرى الفلسطينيين مقاومة

نشر بتاريخ: 07-05-2017 | أفكار
News Main Image

بقلم/ عبد الستار قاسم

يستغرب بعضهم من إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، ويقولون إنه جوع عبثي لا يؤدي إلى نتيجة يستفيد منها الأسرى. ويتم تتويج هذا الرأي بما خبره هؤلاء عن الصهاينة فيقولون إن إسرائيل التي اغتصبت الأرض وطردت السكان الفلسطينيين لا تملك في جعبتها ما يدفعها للاستجابة لمطالب الأسرى. وإذا كان للأسرى أن ينجزوا شيئاً في مواجهة السجان فإن عليهم الاستعانة بالخارج، أي بشعبهم وفصائلهم الفلسطينية التي يمكن أن تأسر إسرائيليين وتصر على تبادل الأسرى. هذه جدلية لا تخلو من الصحة بخاصة فيما يتعلق بالأخلاق الصهيونية المنحطة والعفنة والتي لم نشهد منها أبعادًا إنسانية. يتلذذ الصهاينة على آلام الجوع التي يعاني منها الأسرى، لكنهم أيضاً يألمون إنما بطريقة أخرى مختلفة عن آلامنا.

لي خبرة بالسجون الصهيونية وبالإضرابات داخل السجون. صحيح أنني لم أشهد إضرابا طويل الأمد، لكنني كنت أرى التوتر الذي يصيب السجانين بخاصة إدارة السجن عندما كنا نقرر إضراباً عن الطعام. كان يشعر السجان أنه فاشل في مهمته ويتحمل مسؤولية عدم استقرار السجون، وبالطبع كان هو يعكس رأي وتوتر مصلحة السجون. هناك خشية لدى الصهاينة بأن يؤدي الإضراب إلى مشاحنات وتوترات عالية تؤدي إلى صدام بين الأسرى والسجانين، ومن ثم تقع خسائر تحشر إسرائيل في الزاوية من النواحي الإعلامية والأخلاقسة والسياسية. ولهذا كان يستثمر الصهاينة الكثير من الوسائل والأساليب التي من شأنها أن تكسر الإضراب وتعيد الهدوء إلى السجن. وهم يستعملون كل ما بوسعهم الآن بما في ذلك التهديد بالقتل من أجل تمزيق صف المعتقلين وتهاوي معنوياتهم وإنهاء ما هم فيه.

الإضراب عن الطعام في السجون، أو في وجه من يتحمل مسؤولية المعتقلين نوع من أنواع المقاومة. تتعدد أنواع المقاومة وتتنوع مراتبها. هناك المقاومة العسكرية المسلحة وهي أمضى أنواع المقاومة وأشدها حدة، وأنفعها، وهناك المقاومة الشعبية التي لا تعتمد إطلاق النار، وهي مقاومة معقدة وتشعباتها كثيرة، ويحتاج ضبطها إلى قيادة ثورية حقيقية تعرف كيف تدير شؤون الناس وتصنع المشاكل والهموم باستمرار لقوة الاحتلال أو الاستعمار. وهناك المقاومة السلبية التي من شأنها تعميق الاحتقان ورفع درجة التوتر والتهديد بالمس بالعدو من النواحي الأمنية. والمقاومة تختلف عن الاحتجاج من حيث أن الاحتجاج يعبر عن الاستياء من الأوضاع السائدة والرغبة في تحسينها، وهذا ما تعبر عنه الانتفاضات والتي لا تنجح في الغالب في تحقيق إنجازات. المقاومة أكثر رقياً في مواجهة العدو من الاحتجاج وهي ذات مراتب. تشكل مقاطعة العدو اقتصادياً وفي مختلف مجالات الحياة أولى مراتب المقاومة. ليس من الانتماء الوطني أن يستهلك الشعب الذي يقع تحت الاحتلال منتجات عدوه لما في ذلك من دعم لاقتصاده وتمكين لجيشه، وإضعاف للمنتج الوطني. أما المرتبة الثانية فتتمثل بالعصيان المدني الجزئي وهي نوع من أنواع المقاومة الشعبية، أما المرتبة الثالثة فتكون بالعصيان المدني الكلي وتبلغ أوجها عندما يقرر الشعب التخلص من بطاقات الهوية التي يصدرها الاحتلال. حصل هذا في مواجهة الصهاينة في انتفاضة الجولان عام 1981. جمع أهل الجولان بطاقات الهوية وأحرقوها في مجدل شمس. لكن للأسف لم يصل الفلسطينيون إلى هذه المرتبة بعد على الرغم من أن رئيس السلطة يتغنى باستمرار بالمقاومة الشعبية. وتبقى المقاومة المسلحة التعبير الأسمى عن إرادة التحرر والإصرار على انتزاع الحرية.

الإضراب مقاومة سلبية، ولا يلجأ إليها المقهورون والمظلومون إلا في حالات نادرة وتحت ظروف معينة. الفرصة ليست دائما متاحة لمثل هذا النوع من المقاومة. الأسرى يملكون هذه الفرص لأنهم محتجزون وعلى احتكاك مباشر ومستمر مع العدو، وهم يستثمرون هذا الوضع لرفع درجة معاناتهم لتوليد تفاعل جماهيري واسع معهم سواء في ساحات شعبهم أو ساحات من يتعاطف معهم من الشعوب الأخرى، وجلب اهتمام وسائل الإعلام، وتحريك جمعيات حقوق الإنسان، وتذكير المؤسسات الدولية بالمواثيق الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى. وهذا هو مبرر التصنيف بأن الإضراب مقاومة سلبية. يفرض المعتقلون على أنفسهم المعاناة وآلام الجوع عسى أن ترتد آلامهم على سجانيهم فيخففون عنهم الضغط والإجراءات القمعية. إنه ضرب من ضروب إشهار القمع والتنكيل والذي يمكن أن يحشد قوى ضد العدو، ويراكم الضغط عليه. وقد سبق أن نجحت إضرابات في تحقيق مطالب المعتقلين في أنحاء مختلفة من العالم وبالأخص في الساحة الفلسطينية. ما كان من الممكن أن تتحسن ظروف المعتقلين العرب في السجون الصهيونية لولا الإضرابات الطويلة التي خاضها المعتقلون، وقدموا خلالها الكثير من التضحيات.

لكن يبقى من المهم أن يتفاعل الخارج بالدرجة المطلوبة والمتناسبة مع مطالب الأسرى. المفروض أن يركز الخارج على فكرة المقاومة من الدرجة الأرقى والتي قد تؤدي إلى وقوع أسرى صهاينة. عندها سيكون المطلب تحرير الأسرى وليس مجرد تحسين ظروف الاعتقال. والأمر الثاني أن على الخارج أن يصعّد الحركة الجماهيرية إلى درجة حشر إسرائيل في زاوية أمنية تدفعها إلى التعجيل في مفاوضة الأسرى حول طلباتهم. أما إن بقي الخارج ضمن دائرة المساومات السياسية والمواقف المتخاذلة والتنسيق الأمني مع الصهاينة فإن ضرراً كبيراً سيلحق بالأسرى.

شارك هذا الخبر!