الشريط الاخباري

يا وطني المذبوح .. أسراك جبال

نشر بتاريخ: 27-05-2017 | أفكار
News Main Image

بقلم/ سمير دويكات يا وطني المذبوح ألم يحن للدماء ان تستريح، ذبوحك على مسارح العراة والفاسدين والهاربون من لوائح عدالة السماء، قطعوا جسدك وألهبوا فينا مشاعر البغض والنذر والاهات والجرح العميق، وأنسونا الوطنية وعشق الغارمين في تراب الأرض وثمر البساتين، وكرهونا في ثمر التين والزيتون، وأصبحنا هناك تائهين لا نعرف لون السماء ولا ريح الارض ولا موعد الشتاء ولم نعد نشعر بحرارة الارض. فاسرانا اليوم قد دخولوا طريق اللاعودة في ديار بعيدة عن حب المناصب والركض وراء الدولارات وفنادق النجوم وسيارات فارهة لمن له فيها نصيب، وقريبة لوطني ينتشي من السماء هواء عليل، واخرين همهم سرقة مال الوطنية وانتعال احذية روما وكأنهم يلبسون القبع فوق رؤسهم من كونهم لم يصدقوا انفسهم، بعد العثرات والهجانة التي مروا فيها في سنوات العمر، واليوم أتيحت لهم الفرصة من لص سارق مارق، فنهشوا اجسادنا وعروا اخلاقنا ومبادئنا وصرنا كما النعاج نركض خلف الفي شيقل لا تساوي خمسمائة دولار، لا تشبع طفلا بحليب السيريلاك، ولا تفطم ولدا عن لبن النعاج، ولا تطعم حمارنا (أجلكم الله) الذي نربيه لموسم الزيت القادم لعله يكون عونا لنا في النقل والاحمال. ظنوا أن الامريكان واليهود سيعيدوا لهم فلسطين او يخرجوا لهم اسير حر، او يعيدوا مجد قيم يافا وحيفا والناصرة والعتيقة في القدس، وسوقنا الذي نحب في نابلس جبل الليب والنار، ففاوضوهم عقود ولم ينالوا سوى هزيمة تلو هزيمة، وتخاطبهم فيقولون لنا انه مشروعنا الوطني ويخرج علينا يتباهي بقتل ومنع ثوار الارض ومواسير المقلاع عن صد المستوطنين الحاقدين. نعم، اسرانا خاضوا وما زالوا يواصلون معاركهم ضد الصهاينة بالوريد في الماء والامعاء بدون طعام والألم دون تخدير والعمليات بلا مشافي والشراء بدون سكر، والملح بعدم وجوده، وليس هناك شهود الا قضبان حديدية، وجدران وآهات البعض المصمم على الخلاص من الالم لدخول ألم أكبر، ولم تسعفهم غير دموع المجندات اللاتي يحملن صورهم بالقرب من ضريح ابو عمار، او في خمية الاعتصام في بيتا او نابلس او بالقرب من كنيسة العذراء، ستنا مريم أم خير خلق لنا بعث لناس ولم يستجيبوه، انها قصة مذبوح عاش خلف الظلال وصنع المسك بالوانه الاسود والابيض وما بينهما من احمرار. وهناك كان لنا نصيب من بعض الخبز المحترق قبل اعوام، وهذا لم يعد يتوفر في داخل زنزانة المتر او تحت السرير او خلف باب حديدي يغلق كل مساء عند الساعة السادسة، فألمي كان وما يزال اكبر من جبالك يا نابلس، وجرحي شريان اعاد جريان نهر يمتد بين الجبال من سفوح جبال العرمة وحتي واد التفاح غرب المدينة الحمراء التي سقط على ارضها معتز ورفاقه برصاص غدر استقر في اوردة دقيقة، وانزف الجرح مرات ومرات، ونزل البكاء سيلا يتحدى الحياة ويصنع منها كل الوان الطيف. فروما كان بها الخون كثر، وباعوا جزء من اراضيها لاعداء كانوا يقيمون خلف النهر واستقوو عليها كثيرا ولكن بقي الجنرال وقاد الشباب نحو الخلاص، وعكا تولى القيادة فيها خائن اعطى ولاءه للفرنجة، واصبح لهم فقط ساقي خمر، وقد علم به قائد كان يسكن دمشق واسمه صلاح الدين، فنزل له متخفيا، وألقاه في البحر، وساقه رجاله الى شمال فلسطين وشرقها وهناك لقي مصيره المحتوم خلف الجبال بتهمة الخيانة. وهنا يعيد التاريخ أوراقه ويسلمنا كل خبايا الارض، ويلتفت المجد من جديد، معلنا ان الاجيال لا تموت وان الحياة مستمرة، وان فوق كل علم عليم، وان الشمس تحرق وفي نفس الوقت تمنحنا النور والضوء، وأن الانسان ضعيف بضعف حاله ومتكبر عليها وضال بطريقه، وعازما السير نحو الهاوية دون علم أو حتى تجربة يأخذها عن غيره الذي استرشد الحياة بعناصر مواد متفاعلة، فالاسلاك فوق باب الاسباط ما تزال موجودة في القدس من عهد صلاح الدين وبعض الحجارة ما تزال تبرق من رؤية عمر بن الخطاب، وقبة الصخر ما تزال تبث مشاهد وفيديوهات الاسراء والمعراج، لكن قليلون من الناس من يشاهد ذلك. الجوع خلف الاسوار تشهد عليه كل السقوف في سجون الاحتلال، والسجان وحده الذي ليس له نصيب سوى الخزي والعار وأن دموعه الانسانية هي عار على بني اسرائيل كما جاء في محكم التنزيل، وان الحياة فقط هي التي ما تزال فيها المدارات والنجوم والكواكب وهي فقط التي تمنحنا جو مريح ومستريح، وهي التي لها طعم مختلف لا الوان فيه مزيفة، فرمضان قادم ليشعر الناس بألم الجوع ومذاق الماء كيف بعد عطش. وهل ينام من تدق أمعاءه خلف البطون ويقرع رأس كما الطبول، واذناه فيها السماع من خلف السطور وجسده لا يقوى النهوض الا بعد جوع على جوع كان فيه صبر له الايام تداويه وتمنحه قوة فوق قوة، وتزيده أملا نحو الحياة. وهل للرصاص ان يمر فوق الجسد الا ويخترق الاجزاء والاعضاء ويصنع فيها ابواب نحو الالم والجحيم، فاسراء الارض في اورشليم ما تزال محتفظة بتاريخ قوم اعراب دخلوا الاسلام منذ حين وما يزال لهم بقايا تراث عميق عمق الارض، وما تزال تل المدينة الصفراء تلقب باورشليم، والقدس هي حاضرة وفيها جيل النقمة والناس وجيل العودة والحرية والتحرير. فاليهود جاؤوا كما الصعاليق هنا ونبشوا القبور، وهدموا كل مظاهر الانسانية واعاثوا فسادا كما تحدث التاريخ عنهم اول مرة، وليتنا لنا فيها مقام ولو صغير يشرف على اقصاها ويكون لنا فيه صلاة قبل مرور الزمان، فنحن ولدنا من خلف الابواب وفتحنا بها نوافذ تطل على البحر. واليوم جاءتنا الاخبار تزف انتصار جبال خلقت كما الله ارادها لتكون رسائل واحرف وحبر هذا التاريخ نحو والى الانسانية جمعاء، وهم تلك الجبال التي ستصنع تاريخا مجيدا يسطر باحرف من ذهب، فاسرى فلسطين كما شهدائها وجرحاها، كانوا وما يزالوا لهم الفضل دائما في صناعة التاريخ. فالوطن المذبوح، لن ينتصر عليه ظالم او عصابة غلبت حب الدنيا ومناصبها عليه او استقوت بعدوها على ابناءها، فنحن اليوم نفتح صفاح جديدة، بيضاء نرسم عليها حبنا الدفين في وطن اسمه فلسطين.

شارك هذا الخبر!