الشريط الاخباري

الحوادث كبيرة والرجال صغار

نشر بتاريخ: 17-02-2018 | أفكار
News Main Image
الكاتب : احمد وجيه

نصمت كثيرا ونتحدث قليلا ولكن الاحداث وتسارعها تفرض علينا الا نقف على الحياد، إما ان نكون او لانكون ففي الحروب لامجال للحياد وحين يكون المستهدف وطنا يصبح الحياد خيانة والصمت تواطئا، وعليه وبالاستناد للمبادئ التي لاتنتمي للايديولوجيات التي قد لاتتماشى مع الأسرى القابعين خلف زنازين الأسر الفكري الذي يستبيح الادمغة، هذه المبادئ التي لابديل عنها لتعزيز الانتماء للوطن وللقومية ولنفض غبار الجهل المتراكم خلف العادات والتقاليد وخلف أساطير الدين ودهاليزه التي لاتمت للدين بصله او بالأحرى تقلل من قدسيته وعظمته، هذه الاساطير المتراكمة التي نمت على مر سنوات المؤامرات والهزائم التي مزقت العالم العربي، هذه الأساطير التي لا اعتقد انها دخيلة اللحظة وإنما كانت نتاج الادمغة الفكرية والعلمية التي تبنا بها الحضارات، ونتاج ادمغتنا على مر العقود المنصرمة كان ضحل لدرجة ان أصبح بائع الكلام المعسول عالماً، وبائع الكرامة مفكراً أما الصفوه ونخبة المجتمع تجدهم في أحضان الملوك واهل السلطة، هذه المشاهد دائماً ماتوحي لبداية الانهيار الفكري والثقافي للمجتمع، فيبدأ الانحراف التدريجي إلى ان يغلب طابع الانانية والجشع مما يؤدي إلى حالة من الفوضى اللاخلاقية التي تعصف بكل مقومات الحضارة لينتج عنها جمله من الكلمات التي لاتصف المشهد العربي الذي نعيشه اليوم في ظل الفوضى الفكرية والدينية التي تجرد الاخلاق وتردي الشعوب في وضع لايحسد عليه، هذا الوضع الذي لم اجد في مفرداتي وصف ينطبق عليه سوى ان اخضعه لبعض نظريات علم النفس الجماعي واعبر عنه، إن مجتمعنا العربي يعاني من حالة نفسية سيئة ينتج عنها جملة من الانفعالات السلوكية غير السليمة مصدرها الكسل الفكري الذي لاينتج عنه إلا المشاهد التي لاتنتمي للإنسانية تلك المشاهد التي تتزاحم فيها الدماء ويعم فيها الدمار والقتل والجوع والخوف، هذه المشاهد التي كما لو أن"برتولومي دي لاس كاساس" يسردها لنا في شهادته على أبشع أنواع الإبادة الجماعية التي شهدها التاريخ، هذه المشاهد اشبه ماتكون الى المشاهد الدرامية التي نشاهدها في افلام هوليوود وكتب التاريخ التي تتحدث عن فظاعة عصور الاستبداد اللا اخلاقي الذي تكررت مشاهده في العديد من الامبراطوريات والعصور، فعلى مر التاريخ عانت الانسانية من الاحداث الدامية التي كان الاجرام والقتل عنوانها الحقيقي ولكل حدث حكاية وألف رواية إلا الاحداث التي تعيشها المنطقة العربية فقد غابت عنها الحكاية فاستعانت بالمشاهد الدامية لحرب الابادة الجماعية للهنود الحمر هذه الحرب الإجرامية التي نفذت بلا رحمة، و التي كان طابعها اقرب لطابع الدمار الذي خلفه الاجتياح المغولي للمنطقة وقد اتسم بالجهل الحاد، فطابع الثورات العربية اختلف في التسمية ولم يختلف في المضمون والحقيقة تعبر عن واقع الجهل الحاد الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية.

وهنا أريد ان اغض النظر عن انقسام الشارع العربي في نظرتة لمجريات الأحداث الدائرة ولكن أريد ان ابدي رأيي الشخصي في بعض القضايا التي تعيشها الدول العربية وأهم تلك القضايا هي الثورات العربية التي اجتاحت الدول العربية والتي كان لابد لها إلا ان تحدث التغيير الجوهري لمجريات السياسة العربية وتطلعاتها الى المتطلبات الضرورية التي تضمن الامن الحقيقي للشعوب العربية ونظرتها للمستقبل، أريد ان أناقش أهم القضايا التي غيرت مسار هذه الثورات وهي نظرية الأمن القومي العربية الغائبة تماماً عن الوعي العربي، اعتقد ان نظرية الامن القومي العربي وبعدها الاستراتيجي كان لهما الدور الاكبر في تحديد السياسات ومجريات الاحداث الجارية، فعندما نتحدث عن الامن القومي العربي فنحن نتحدث عن مجموعة من الأسباب والوسائل والحقائق الراسخة جغرافيا وتاريخيا في ثقافة الشعوب وهي التي تحدد مستوى الشعب بين الشعوب والأمة بين الأمم وتحمس الشباب على حمل السلاح لدفاع عن امنهم القومي، هذا الأمن القومي ألذي لايرتبط بالأشخاص وانما يرتبط ارطباط كلياً بتطلعات الأمة الواحدة او الكيان الواحد، ويتغير نظراً للقوة والامكانات التي تملكها الأمة بحيث تعتمد على إمكانات الشعوب في قدرتها على حماية مصالحها القومية وأمن مستقبلها، وغياب هذه النظرية وعدم اعطائها الحجم الحقيقي من قبل القيادة السياسية في العالم العربي أدى الى الفجوة الفكرية والتخبط الفكري لدى الشعوب العربية بحيث لم تستطع الشعوب التمييز بين القضايا والسياسات التي تخدم المصلحة الوطنية، وأصبحت قضايا الأمن القومي تتغير تبعا لما يخدم المصلحة الحزبية والشخصية لزعماء وملوك الدول ويتم طرحها والدفاع عنها بالوسائل الممنهجة والاعلامية المدروسة بعناية وبالاساليب التي تستهوي الشعوب التي تعاني من الكسل الفكري سالف الذكر.

تدحرجت قضايا الأمن القومي العربي تدريجياً منذ استقلال الدول العربية تبعا لرغبات الهيمنة الصهيونية على المنطقة وتم تدريجياً تصفية السياسات والانظمة التي تحمل الفكر القومي الذي يمانع السياسة الصهيونية في المنطقة وذلك لاستبعاد القضايا الاستراتيجية الرامية الى النهوض بالقومية والفكر الذي يضمن مستقبل وسيادة الاوطان وتم استبداله تدريجياً بالانظمة والسياسات التي تعتبر ان الامن القومي العربي يقع في جبال قندهار وفي أعالي البحار وتقبل ان تكون الشيوعية هي الخطر الأول وحق الشعب الايراني في انتهاج السياسة القومية التي تهدف إلى الاستقلال الحقيقي والنهوض بالشعب الايراني هي القضية المحورية التي تهدد الأمن القومي العربي وتناسينا العدو الحقيقي الذي يهدد الأمن القومي العربي وهو الكيان الصهيوني الذي وجد للحفاظ على توازن الفجوة الفكرية والثقافية بين الشعوب المتقدمة وشعوب المنطقة وتناسينا أيضاً أن الكيان الصهيوني هو الذي يحتل أرضنا ويهدد وحدة الأمة العربية ومقدساتها تناسينا ان هذا الكيان فرض علينا كشرطي يعاقب الحكومات والشعوب التي تتطلع الي الاستقلال الحقيقي وهاهو ينجح في المهمة طوال العقود الماضية متلاعبا بالفكر العربي من خلال وسائل الإعلام التي عملت طوال عقود

من الزمن تحت اشراف علماء النفس والمختصين في تنفيذ السياسات ونسج عقول الرأي العام العربي. رغم تكرار المشهد مراراً إلا اننا لم نأخذ العبرة وفي كل مرة نلدغ من ذات الجحر، لم ندرك حقيقةً ان سياسة الاخضاع التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية والموجهة لنهب ثروات الدول النامية كان احد اهم اساليبها ابتزاز الزعماء بالشعوب والثورات، وهنا لابد لي إلا أن اشرح جزءا من النظرية الاقتصادية والنظام العالمي الجديد الذي فرض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يعتمد على إغراق الدول النامية في مستنقع العجز المالي الدائم الذي يجبر الحكومات على اتخاذ التدابير والإجراءات للحد من العجز المتفاقم في الميزانية العامة فتلجئ الحكومة لترشيد الإنفاق العام وإلى فرض الضرائب تدريجياً مما يؤدي إلى غلاء الأسعار تدريجيا ومع مرور السنوات تتسع الفجوة بين الشعوب والحكام، هذه السياسة التي نفذت من خلال البنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل على إجبار الحكومات على الإقتراض من البنك الدولي بنسبة فائدة يعجز الناتج القومي الاجمالي عن سدادها، مما يتيح للولايات المتحدة الأمريكية العمل في تلك الظروف على ابتزاز الدول وفرض سياستها التي وصلت لحد التدخل في المناهج الدراسية لبعض الدول، وبهاذه الآلية وبالقوة العسكرية والانقلابات والثورات في الدول التي لم تمتثل لهذه السياسة استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية احكام قبضتها على العالم في ظل غياب توازن القوة، هذه السياسة التي تخدم المصالح الصهيونية التي تفضل التقسيم على الاخضاع، عمل جورج بوش الإبن على تنفيذ سياسة والده التي بدأها في تسعينات القرن المنصرم والتي تتلخص في مشروع النظام العالمي الجديد او ماعرف آنذاك(مشروع بوش بيكر) والذي يتلخص في اعادة رسم الخرائط العربية من جديد لتحقيق الأمن الصهيوني ولضمان تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية لضمان فرض واقع الدولة العبرية في قلب القومية العربية. ومن هنا نستنتج ان جميع القضايا التي افتعلت في قلب الوطن العربي وعلى الاطراف تهدف لاخضاع الدول العربية سياسياً حيث اننا نجد ان دول الخليج تحارب الامتداد الشيعي وتعتبره الخطر الاستراتيجي على ألامة مستنفذة كل الإمكانيات في ذلك مما اجبرها على طلب يد العون من العدو الحقيقي الذي يهدد الامن القومي وبات واضحا وجليا أن هناك تحالفات في السر والعلن بين دول المحور السني و دولة الاحتلال الإسرائيلي نظرا للاهداف السياسية التي تلتقي تبعا لنظرية القومية الجديدة للمحور السني الذي يستخدم وسائل الاعلام العربية والعالمية ومن خلال رجال الدين المأجورين والنخبة والصفوة التي تحدثنا عنها حتى استطاع إقناع الرأي العام العربي على أن الصراع العربي العربي مصدره إيران والامتداد الشيعي الذي يهدد الأمن القومي العربي والرغبة الجامحة لدى المحور السني لتحرير الشعب السوري من النظام العلوي واستبداده. ولكن الملفت لنظر هنا اننا اذا ما عدنا إلى تاريخ السياسة العربية سنجد المؤامرات تعيد نفسها من جديد ففي العام 1956 أكد النظام السوري بقيادة شكري القوتلي انه يسير على خطى القومية العربية بعد قيام ضباط الجيش السوري ومجموعة من العمال بنسف خطوط انابيب النفط التي تزود اوروبا بالنفط العراقي والخليجي مما أجبر القوى العظمى على وقف العدوان الثلاثي على مصر واجبرها أيضاً على الاستسلام للأمر الواقع وقبول خطوة تأميم قناة السويس من قبل الحكومة المصرية، هذا ما استدعى الرئيس الامريكي ايزن هاور العمل على تشكيل حلف بغداد الذي يضم مجموعة من الدول العربية والاسلامية آنذاك (العراق تركيا ايران باكستان لبنان) للعمل على تعبئة الرأي العام الاسلامي والعربي للاطاحة بالانظمة التي وصفت بالشيوعية والتي تعمل على نشر الشيوعية في قلب العالم العربي ما يستدعي الاطاحة بهما وتخليص الشعبين السوري والمصري من الأخطار التي تحيق بهما، وكان الرئيس التركي عدنان مندريس قد اوعز إلى قيادة هيئة الاركان لحشد الجيش التركي على الحدود السورية تمهيداً لاحتلال سوريا بدعم من الدول العربية والقوى الاستعمارية التي فقدت السيطرة على كل من سوريا ومصر آنذاك، استطاع النظام السوري العمل سياسياً وابعاد الخطر الذي يهدده بدعم من السياسة السوفيتية التي بدورها ابلغت الجانب التركي ان الصورايخ السوفيتية ستضرب الاراضي التركية اذا ما تدخلت تركيا عسكرياً ضض سوريا ما اجبر الجيش التركي على التراجع ولكن ذلك لم يثني امريكا والدول العربية والاقليمية التي تتقاطع مصالحها النفطية في سوريا والتي لم تعد تجني الارباح نتيجة لايقاف العمل بخطين الانابيب السعودي والعراقي(خط انابيب تابلاين و خط انابيب كركوك- بانياس) الذان يمران عبر الاراضي السورية مما استدعى العمل علا ايجاد قوى المعارضة السورية التي عملت على التخطيط للانقلاب الفاشل الذي انتها بالحكم بالاعدام على اثني عشر عسكرياً وسياسيا سوريا تلقوا الدعم من الحكومة العراقية والامريكية.

اعتقد ان تاريخ الصراع العربي العربي الذي يتلخص في مجموعة من الدول العربية مثل السودان واليمن والصومال والعراق ويتجدد اليوم في اليمن وسوريا وليبيا وسيناء المصرية يهدف الى اخضاع الدول العربية من جهة وإلى تمرير المصالح الاستعمارية باشكالها الحديثة من جه اخرى، تأتي هذه الاهداف التي تتقاسمها الصهيونية والامبراطورية للحفاظ على امبراطوريتها على حساب الدول العربية التي تفتقر للقيادة الحقيقية التي تمكنها من تحمل المسؤولية الاخلاقية والوطنية التي ترقى بمجتمعها وتحدث التغيير الحقيقي في جوهر السياسة العربية التي تملك القدرة والقوة على صياغة وصناعة الأمن القومي العربي الحقيقي الذي يبنا على اساس تطلع الشعب العربي وامكاناتة وحقة في تحرير ارضة التي تقع تحت الاحتلال الصهيوني هذا الاحتلال الذي يتغول في مجتمعاتنا العربية ثقافياً وفكريا واقتصادياً وها نحن اليوم على عتبة أن يصبح واقع نتعايش معه لإلتقاء المصالح السياسية والقومية التي تدحرجت تجاه الهاوية تدريجياً، تخلينا عن القضية المركزية وحقنا في فلسطين وذهبنا نحارب في قندهار والشيشان والبوسنة وهانحن اليوم ندعي ان إيران هي الخطر القادم وتناسينا الخطر الذي يعيش معنا ويجرد مجتمعاتنا، جلبنا الاحتلال للعراق وليبيا واستجديناه في سوريا، تصدع السودان الف صدع امام اعيننا ونحن نهتف للطائفية الدينية وهاهي سيناء تبتز بها مصر ليخرج علينا احدهم ويقول اننا سنحترم الاتفاقات المبرمة مع الجانب المصري في مايتعلق بجزيرتي تيران وصنافير ما يعني اعتراف علني وتطبيع ضمني للعلاقات السعودية الاسرائيلية، اعتقد انني سأكتفي بأن أنهي مقالي بأننا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة بدأت ملامحها تتكشف وتبرز ومحورها الاساسي لبنان وسوريا ورغم تعدد اللاعبين إلا انني أرى خصمين اساسيين روسيا وأمريكا ضمن سياسة واحدة لكل منهما ان ننهك الخصم المواجهة حتمية والكل يعي ذلك فأين نحن من هذا الصراع العالمي وهل لدينا الإستراتيجية ألتي تضمن الأمن القومي العربي ام أن "الحوادث كبيرة والرجال صغار".

شارك هذا الخبر!