الشريط الاخباري

د. عيسى: بناء المجتمع يعتمد على قبول الآخر والأخذ برأيه على أساس ثقافة التسامح والانفتاح

نشر بتاريخ: 31-05-2018 | متفرقات
News Main Image

رام الله/PNN- أشار الامين العام للهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات الدكتور حنا عيسى الى أن المؤسسات قديمة قدم المجتمع البشري، ولكن تحول الدولة نفسها إلى مؤسسة من المؤسسات، أي انفصال سلطتها عن شخص الحاكم، واكتساب هذه السلطة لطابع قانوني لا شخصي، هو إنجاز كبير لهذه العصور الحديثة. ولهذا تتبوأ مؤسسة الدولة في عصرنا الحاضر مكانة سامية.

ونوه الى أن أكثر ما يميز الدولة الحديثة عن الدولة القديمة هو أنها دولة قانون، بينما ليس للدولة القديمة من مرجع سوى شخص حاكمها. ومن هذا المنطلق – تحديدا - تبدو الدول العربية دولا تعاني بقدر يكبر أو يصغر من الفوات التاريخي، فهي مازالت اقرب إلى دولة القوة منها إلى الدولة الشرعية، وأقرب إلى دولة القبيلة والحزب الواحد، منها إلى دولة المؤسسات. وهي اقرب إلى دولة الأشخاص، منها إلى دولة الدستور. وأخيرا وليس آخرا حتى على الصعيد الإداري والقضائي نجد أن الدول العربية اقرب إلى دولة الولاء الشخصي، منها إلى دولة الموضوعية القانونية. وبدلا من أن يكون الدستور في الدول العربية سابقا على شخص الحاكم، فإنه لا يزال في غالبية الأحوال يتبعه كظله، ويرتهن بإرادته، وغالبا ما يزول بزواله، أو وفاته.

وأضاف: "الدولة التي لا تلتزم على أعلى مستوياتها بالمبدأ المؤسساتي لا يمكن أن تفرض تطبيقه حتى على المستويات الدنيا، وهذا هو السبب الرئيس للفساد الإداري، و القضائي في الدول العربية. وإن الدولة الحديثة تقوم على مبدأ تساوي المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات أمام القانون، وفيما بينهم مجتمعين مع الحكام، على اعتبار أن المفروض بالحكام في دولة المؤسسات أنهم أناس عاديون، يخضعون للقانون خضوع سائر المواطنين له. أما في دولنا العربية فتفتقد العلاقات الطابع الموضوعي المؤسسي، وتقوم على عصبيات تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون في الدول الحديثة، ويصبح المتحكم فيها - بدلا من المساواة - العلاقات الشخصية والعائلية والقبلية والسلالية والتحزبية".

واشار د. عيسى الى ان إشكالية وجود الدولة في المجتمع العربي معقدة للغاية، ولها جوانب متعددة، فحتى الآن لا توجد دولة واحدة يتفق عليها الجميع، فالبعض يراها دولة الأمة الإسلامية، والبعض يراها دولة الأمة العربية، والآخر يراها دولة الكيانات القطرية...، وتعود هذه الإشكالية إلى اختلاف عميق بين تقاليد العالم العربي وتقاليد العالم الغربي، وهو اختلاف ينبع  من حقيقتين:

أولا" : إن الفكر السياسي الغربي يختلف عن الفكر السياسي العربي من حيث أن الأول لم يجاوز كونه عملية ضبط للسلطة في تعسفها إزاء المواطن، ونلاحظ أن كل الفكر السياسي الغربي تمحور حول قضية منع الدولة من الاعتداء على المواطن ، وكيفية جعل الدولة ممارسة لسلطاتها دون الجور على المواطن. فتاريخيا ومن أيام العصر الروماني نرى أن الرومان أدركوا أن التعدد يمنع الانفراد بالسلطة ، وبالتالي يمنع التعسف، ولهذا أعطوا صلاحيات واسعة - نوعا ما - لما يسمّى بمجلس النبلاء آنذاك، أيضا اليونانيون القدماء أدخلوا مفهوم القانون إلى مجتمعهم، وحققوا "المجتمع المدني" من خلال تطويره عمليا، وكانوا سباقين في تحقيق "المجتمع المدني" عن طريق إنشاء "القانون المدني"، بعدها جاء مونتسيكو ليقول بثلاث سلطات، سلطة تنفيذية، وسلطة تشريعية، وسلطة قضائية، انطلاقا من مبدأ أن السلطة توقف السلطة، وهناك قول له:"كل من له سلطة يميل إلى إساءة استعمال السلطة". فهو يعتبر أنّ إساءة استعمال السلطة سمة عامة في طبيعة الإنسان البشرية، ومن هذا المنظار لا يمكن أن نتصور دولة أو نظام حكم لا يتسلط فيه أحد على أحد آخر، لذا تنبع الحاجة إلى إيجاد نظام دولة يقف إلى أقصى حد من تسلط الحاكمين على المجتمع ، بحيث تكون وظيفة الدولة هي إنشاء ضوابط على سلطة الحاكم. أيضا لا ننسى الثورة الفرنسية والثورات الماركسية، ورغم كل ما ارتكب بعهدهم من استبداد باسم قيم التحرر، إنما كان هناك حس ديمقراطي يتمثل بأن الإنسان بكيانه الشخصي له قيمة بحد ذاته، ويجب أن يستقل عن تسلط الحاكم...كل هذا أسس لما نشاهده الآن من مبدأ "سيادة الدستور"، أما العالم العربي فلم يعرف هذا المبدأ لأسباب يطول شرحها، و أما السلطة في الفكر العربي فكانت، ولازالت، تعني "الهيبة "أو "السيادة ". ومن هنا نرى أن صاحب السلطة هو صاحب السيادة، فننادي الحاكم بسيادة الرئيس، كل هذا يعني أن الإنسان في المجتمع العربي لا وجود له كفرد، ولا حماية له كشخص بشكل مستقل عن الدولة "العربية"، لذا بسهل علينا تفسير عدم وجود معارضات منظمة بشكل جماعي في تاريخنا العربي لأن المعارضة - كتنظيم - لم تقبلها ، ولم تعرفها - أصلا"-النظم السياسية العربية.

واستطرد د. عيسى في البند الثاني من الاختلاف العميق بين تقاليد العالم العربي وتقاليد العالم الغربي"إن تاريخ الدولة في الوطن العربي يختلف عن تاريخ الدولة في العالم الغربي، فتاريخ الدولة في الأول هو تاريخ الطبقة الحاكمة ، أما تاريخ الدولة في الثاني فهو تاريخ المجتمع المحكوم ، وإن الدولة في العالم الغربي هي شخص معنوي، و بهذا المفهوم المجرد نضع أيدينا على أسّ الفكر الغربي، أما تراث الدولة في وطننا العربي فهو تراث "السلاطين"، والقواعد التي تأسست عليها الدولة العربية كانت - في معظمها - هي "الأحكام السلطانية" التي تحكم بمقتضى الحاكم، وتؤسس حكمه، وتضمن رفاهيته دون اعتبار كبير لحقوق الرعية، أو مصالحها، ودون أن تسمح بوجود أي مؤسسات أخرى تصون هذه الحقوق وتدافع عنها ولذلك فالدولة عندنا تتبع لشخص الحاكم، لأن دولتنا ليست حقيقة مجردة".

وأشار د. عيسى الى ان نقطة البدء في بناء المجتمع تعتمد على قبول الآخر والأخذ برأيه ومراعاة خصوصيته في الاعتبار وذلك على أساس ثقافة التسامح والانفتاح وبث الثقة بين الأفراد والجماعات والمكونات لمعالجة المشكلات، وأن تسبقه اشاعة القناعة لدى أفراد المجتمع على انهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات شركاء في الوطن ولهذا فإن عميلة بناء المجتمع ينبغي أن تمر بمسارين:

الأول: اعادة بناء الدولة وضبط سلطتها وتطهيرها من الموروثات الاستبدادية.

الثاني: اجراء عملية تثقيفية شاملة تقوم على التنشئة السياسية والاجتماعية لتعبئة المجتمع وتأهيله بما ينسجم مع متطلبات الوضع الجديد وتأهيله عبر الأدوات والقنوات التربوية والتعليمية والإعلامية .

شارك هذا الخبر!