الشريط الاخباري

الحزن والخسارة

نشر بتاريخ: 23-07-2018 | أفكار
News Main Image

بقلم/ منظمة أطباء بلا حدود

جميعنا نواجه الحزن والخسارة في إحدى مراحل الحياة، فهي عملية طبيعية يمر بها كل شخص، وبطريقة أو بأخرى، نكون مستعدين لتجاوز العواقب والمضي قدما، إلا أن تأثير تكبّد الخسارة يختلف من شخص لآخر.

تحدث مشاعر الحزن والخسارة على مراحل، وتختلف هذه المراحل بكيفية تعامل الناس مع خسارتهم. الأخصائية النفسية "اليزابيث كوبلر روس" وضعت خمسة مراحل حزن يمر بها جميع الأشخاص، وهي كالتالي:

الإنكار: قد يشعر الانسان بالصدمة أو "الخدران"، فهي طريقة تلقائية للعقل لحماية نفسه، لتجنب التعرض لألم فقدان شخص ما.

الغضب: نظرًا لأن الحدث أصبح أمر واقع، يواجه الانسان ألم الخسارة. فيشعر الشخص بالإحباط والعجز، عندها من الممكن أن تتحول هذه المشاعر إلى غضب.

المساومة: في هذه المرحلة، يفكر الشخص فيما يمكن فعله لمنع تكبد الخسارة. الأفكار الشائعة هي "إذا فقط..." و "ماذا لو..."، وتعتبر هذه الأفكار كمحاولة لنزع فتيل قنبلة انفجرت بالفعل.

الاكتئاب: يشعر الشخص بالحزن عندما يستوعب الخسارة وتأثيرها على حياته. ومن علامات الاكتئاب، البكاء، الأرق، الخمول، وفقدان الشهية.

القبول: هي المرحلة الأخيرة من الحزن، عندها يتقبل الإنسان حقيقة خسارته لشيء ما، ويدرك أنه من غير الممكن تغيير الأمر الواقع، إلا أنه يستمر بالشعور بالحزن. ولكنه في النهاية يمضي قدمًا في حياته.

يجب إدراك حقيقة أن الحزن لا ينبغي تجنبه بسبب ألمه، ولا توجد اختصارات للحزن. لذلك على الشخص تقبل المعاناة ليتمكن من تخطيها في وقت لاحق. فعلى سبيل المثال، يكون الحزن كما وأننا تؤذي أنفسنا، نشعر بمرارة الألم، ومع مرور الوقت نتخطى هذا الأمر، ولكنه يترك ندبة لا تمحى بسهولة، إلا أن ألمها يتقلص مع الزمن.

بعض الناس ليس لديهم القدرة على تقبل الخسارة والفقدان، ويطلق أخصائيو الصحة النفسية على هذا النوع بـ"الحزن المعقد"، وبعد مرور أشهر على الخسارة يشعر الشخص بعدم القدرة على التحرك، والقيام بأنشطته المعتادة كالسابق.

سميرة هي أم لثلاث فتيات وأربعة فتيان. الأخصائية النفسية التقت مع سميرة بعد مرور ثمانية شهور على فقدان ابنها البكر عبد في أعقاب اشتباكات وقعت في القرية. ومنذ ذلك الحين والحياة متجمدة بالنسبة لها، وفقدت الشعور بالحياة الطبيعية بالكامل، وشعرت بأنها لا تستحق العيش. جميع أفراد العائلة شعروا بالحزن الشديد بعد فقدان عبد، وفي وقت لاحق تخطوا هذا الحزن وعادوا الى حياتهم الروتينية وممارسة نشاطاتهم الطبيعية ولكن الأمر كان مختلفا بالنسبة لوالدته فكانت تقضي معظم الوقت لوحدها دون التحدث مع أحد، ولم تعد تعتني بنفسها ولا بأطفالها.

بدأت العائلة تشعر بقلق شديد إزاءها، خوفا من إلحاقها الضرر بنفسها، لكنهم لم يعرفوا كيف يمكن مساعدتها، فقد شعرت باليأس والإحباط. على الرغم من إدراكها بأن عائلتها وخاصة أطفالها الصغار بأمس الحاجة لها، إلا أنها الألم كان شديدا ولم تتمكن سميرة من تحريك ساكنًا. وبعدها حثّ أفراد العائلة ربة المنزل على التواصل مع منظمة أطباء بلا حدود لتلقي المساعدة المهنية.

خلال العلاج النفسي، كانت سميرة قادرة على التعبير عن مشاعرها وإيجاد طرق للتواصل مع الآخرين وتخطي هذه المأساة، على الرغم مع الحزن الذي ألمّ بها. استطاعت سميرة وضع حدّ لحزنها، من خلال ممارسة الأنشطة التي تحب وبدعم مستمر من قبل الأخصائية النفسية تمكنت من التأقلم مع الوضع الحالي، وتغلبت في النهاية على الحزن العميق الذي كانت تشعر بها كل الوقت، وأصبحت قادرة على مواجهة الخسارة والحزن.

إعادة التواصل مع من حولها كان مهمة أساسية، تمكنت شيئًا فشيئًا من القيام به، وأدركت بأنه يجب تقدير جهود من يسعى لمساعدتها، والشعور بحب الآخرين لها.

هذا الحدث أتاح لسميرة الفرصة بالعثور على السعادة من جديد، على الرغم من صعوبة محو حزن فقدان ابنها. ولكن هذا الأمر لم يمنعها من البحث عن راحة عائلتها وسعادتهم.

عند مرور شخص ما بألم عاطفي عميق، نتيجة فقدان شخص عزيز عليه، يكون من السهل عليه القيام بعملية تخدير لمشاعره أو انكارها، ثم الانسحاب من الحياة الاجتماعية مع الآخرين، وعدم الرغبة بالتحدث عما جرى، وإيجاد الراحة السريعة من خلال تناول الطعام أو حتى بالإفراط في العمل.

ومع ذلك، فهذه هي حالات هروب مؤقتة لن تجعل عملية الشفاء أسرع، ولن تساعد الناس على الشعور بتحسن على المدى الطويل. في الواقع، يمكن أن تؤدي هذه الأمور إلى الاكتئاب أو القلق، أو حتى انهيار عاطفي وبدلا من ذلك، هناك أمور أخرى تسهّل التوصل إلى تأقلم مع الخسارة والبدء في التئام الألم، مثل الأمور التالية:

•امنح نفسك الوقت. تقبّل مشاعرك، واعلم أن الحزن هو عملية ستختفي في الوقت المناسب. •تحدث مع الآخرين. اقض بعض الوقت مع الأصدقاء والعائلة, لا تعزل نفسك. ولكن ضع في اعتبارك أيضًا أنك قد تحتاج إلى وقت لنفسك للتعامل مع مشاعرك والسماح بعملية الحزن لتلتئم. •اعتني بنفسك. مارس التمارين الرياضية بانتظام، وتناول الطعام بشكل جيد، واحصل على قسط كافٍ من النوم للبقاء في صحة ونشاط. حاول ببطء ولكن بثبات العودة إلى روتين حياتك اليومية. •العودة إلى ممارسة الهوايات. عُد لممارسة الأنشطة التي تجلب لك السعادة واستكشف أخرى جديدة. •الانضمام إلى مجموعة دعم (إذا كانت متوفرة). التحدث مع الآخرين الذين هم أيضا مرو بحالة حزن، يمكن أن يساعدك على الشعور بمزيد من التواصل. • إذا كنت مؤمنًا، فقد تجد أيضًا معنى في دينك وراحتك في الصلاة.

الحداد يمثل نهاية مرحلة معينة، ولكنه يعزز أيضا نمو الشخصية فهذا هو وقت التجديد، من أجل الاستبطان، واستجماع القوى للخروج إلى مرحلة جديدة. كما هو الحال عندما ترمي البذور إلى عمق الأرض ساعيا نحو النور. يعتبر هذا الأمر عملية شخصية للغاية، وعليك أن تجد طريقتك الخاصة التي تسمح لك بالاستمرار في حياتك.

عن منظمة أطباء بلا حدود منظمة اطباء بلا حدود هي منظمة دولية طبية انسانية مستقلة، تقدم المساعدة الطارئة للأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة والأوبئة والكوارث الطبيعية، والأشخاص المحرومين من الرعاية الصحية. تعمل المنظمة حالياً في أكثر من 70 دولة حول العالم، حيث تستجيب لحالات الطوارئ الطبية وتقدم المساعدة للأشخاص المتضررين، وفقا لاحتياجاتهم. بغض النظر عن العرق او الدين او الجنس او الانتماء السياسي.

تُدير المنظمة مشاريع للصحة النفسية في الخليل منذ عام 2001، وفي نابلس وقلقيلية منذ عام 2004. وتقدم الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب العنف الناجم عن الصراع السياسي. أما في قطاع غزة، فتعمل المنظمة منذ العام 1989، وتُشدد على توفير الرعاية الطبية والاحتياجات الخاصة، مثل، الجراحة التجميلية الترميمية، وإعادة تأهيل المرضى الذين أصيبوا بحروق أو صدمات.

شارك هذا الخبر!