الشريط الاخباري

الربيعي والشيخ بن عاشور وتصحيح التاريخ

نشر بتاريخ: 21-12-2018 | أفكار
News Main Image

بكر أبوبكر

راجعني العديد من الاخوات والاخوة في الحلقات التي كان يقدمها الباحث والمفكر فاضل الربيعي مع الاعلامي الكبير والمتميز باسم الجمل في فضائية الغد، وما يذكره عن ابراهيم عليه السلام وعن موسى عليه السلام، وقصة بني اسرائيل حيث يرفع الكثيرون حواجبهم عاليا تعجبا من المطابقة بين جغرافيا التوراة وبين جغرافيا اليمن القديم، وليس جغرافيا فلسطين والاردن ومصر.

ما بين مشكك وما بين قابل للرواية، وخاصة أن العديد من الأفكار التي يطرحها الدكتور فاضل الربيعي يظن البعض أنها تتناقض مع القرآن الكريم، فيبدأون بالاتهام المعتاد بما لا يليق التفوه به دون التمحيص والتدقيق، بل والنقد فليس كل ما يقوله البحاثة يؤخذ بكليته، وليس كل التاريخ المعروف يؤخذ بكليته أيضا.

لذا فكلما ازدادات المعارف وأدوات التنقيب ومناهج البحوث مع تطور العصور والفكر كلما وجب علينا إعادة بناء الحدث ومطابقته بشكل أفضل وفق تطور الفهم الانساني "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" ﴿٢١ الحشر﴾.

ولي أن أستشهد هنا بالعمل البحثي العميق للشيخ الفاضل بن عاشور وهو شيخ وابن شيخ هو الطاهر بن عاشور مفسر القرآن الكريم الشهير[1]، والشيخ الابن بحث في تطور طرائق التفسير للقرآن الكريم ومناهج التفسير في كتابه النفيس: التفسير ورجاله[2].

حيث يشير د.عبدالحليم محمود في مقدمة الكتاب للفاضل ص5 قائلا: (ذخرت المكتبة العربية بعديد ألوان-لاحظ ألوان-التفسير وفنونه، ومازالت الاتجاهات والعلوم والعلماء المتخصصون في كل فن يتوجهون في شرف الى هذا الكنز النفيس اللامتناهي-القرآن الكريم، يتعرفون على بعض ما فيه....) مضيفا دون انتقاص من أي من المفسرين أنهم (على اختلاف وجهات النظر بررة اوفياء) كي لا يقع الظن به أو بالشيخ الفاضل بن عاشور الشيخ المعمم والفقيه كوالده.

والى ذلك يتعرض ابن عاشور في كتابه الى نشأة علم التفسير وتفاسير الطبري والزمخشري وابن عطية والاختلافات بينهما وصولا الى الآلوسي ومحمد عبده والمنار.

وللإفادة يذكر ابن عاشور نقلا عن الإمام محمد عبده ص175 في مقدمة كتاب المنار أن (أكثر ما روي في التفسير بالماثور حجاب على القرآن وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية).

من المهم الاشارة هنا الى حقائق ثلاثة الأولى: هي أننا نؤمن يقينا بأن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) ، فهو كتاب حفظه الله كما ذكر:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

اما الحقيقة الثانية فهي أن الأستاذ فاضل الربيعي عالم تاريخ وباحث عميق، له منهجه البحثي الهام، كما هناك مناهج أخرى للبحاثة أحمد الدبش وفرج الله صالح ديب وفراس السواح وكمال الصليبي..الخ، والربيعي ليس عالما دينيا لذا فهو يتعامل مع مسارات التاريخ، وقد أجاد اكتشاف الجغرافيا الحقيقية لتاريخ التوراة ، بدءا من كتابه النفيس: فلسطين المتخيلة أرض التوراة في اليمن القديم[3] وصولا لكتابه الأخير اسرائيل المتخيلة-مصر الأخرى، ثم أعاد ربط الجغرافيا الجديدة في اليمن على تاريخ اليمن القديم قبل الميلاد فوجد المطابقة الجغرافية ثم وجد الاقتران التاريخي بين روايات التوراة (بالطبع إن حذفنا نحن كثير من المبالغات والخرافات والأساطير والأكاذيب...الخ كما يشير علماء الآثار الاسرائيليين أنفسهم اليوم) وبين تاريخ ممالك اليمن.

اما النقطة الثالثة أو الحقيقة الثالثة فهي أننا نحتاج لعميق تأمل دوما، وتفكر كما أمرنا الله تعالى، لذلك فلم يكن القرآن الكريم كتاب جغرافيا واطلس أو كتاب فيزياء وكيمياء وان اشتمل على إشارات لكل شيء بلا شك فهو بالأصل كتاب (تقع به الحجة وتقوم به البينة وتعم به البشارة والنذارة، لا جرم أنه في أحكامه وبيانه وعربية لسانه، واضح التراكيب، بالغ المعاني، ناطق بالحق، قيم التعبير، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب)[4]

كان لي جميل اللقاءات مع الاخ والمفكر العزيز فاضل الربيعي الذي لا نمل النهل من علمه، إلا أن سياق المرويات التراثية التاريخية الاسلامية-وكذلك المسيحية- وما شابها وخالطها من تأويلات وتفسيرات مجحفة لآيات القرآن الكريم، وخاصة ما يتعلق ب(اسرائيل) و(اليهود) والأنبياء...الخ (ما رفضها سيد قطب وكثيرون باعتبارها اسرائيليات) دعاني لكتابة بحث أصدرته ككتاب تحت عنوان:أساطير اليهود وأرض فلسطين في القرآن الكريم،[5] مفندا فيه التأويلات أو التفسيرات التوراتية المنحرفة التي افترضت وراثة الأرض والأرض المقدسة الخ من الافتراضات ملكا أبديا لمنقرضين من البشر، يحاول الجدد اليوم ادعاء انتسابهم العرقي لهم ولا يفلحون، كما يحاولون الانتساب الديني ليطوعوه لسرقة أرضنا أرض فلسطين.

ومن هنا فإننا ننصح بمتابعة حلقات الأستاذ فاضل الربيعي آخذين بالاعتبار النقاط/الحقائق الثلاث أعلاه.

وللإشارة نقول أن ذكر الربيعي أن الملك الذي أدعى الألوهية (أنا ربكم الأعلى-حسب القرآن الكريم) (فرعون) هو أحد ملوك مملكة قتبان اليمنية، حيث المطابقة وقعت، وهو الفرعون الذي قصده القرآن الكريم في (مصرن) اليمنية وذلك في سياق قصة بني اسرائيل القبيلة العربية اليمنية المنقرضة هو ذكر من الممكن أن نضيفه للتفسير الجغرافي أو التاريخي للشخوص الوارد ذكرها في النص الحكيم.[6]

وكما هو الأمر من اشارته للقبيلة العربية المندثرة بقوله تعالى (ادخلوا مصرا)، (ادخلوا مصرن) بمقصد أنها مصرن في معين الجوف في اليمن، وكما الحال حين التمييز بين طور سينين في القرآن الكريم، وبين سيناء المختلفة الواردة بصيغ مختلفة متناقضة بنصوص التوراة.

هل كانت رواية "الخروج" من أراضي رعوية الى أراض زراعية خروجا مرتبطا ب"أرض الميعاد" الأبدية؟ أم أنه خروج/حج لقبيلة من منطقة رعوية الى منطقة زراعية حرمها الله على هذه القبيلة 40 عاما لكفرها وجحودها.

وهل كانت أرض كنعان (الجماعة الدينية) تحت عيون الحميريين اليهود تأخذ معنى الحسد والضغينة في اليمن القديم؟ وهل الكنعانيين والفلستيين قبائل قديمة تسمت باسم إلاهها ام ماذا؟ وما قصة جبل أريحا يريحو-جبل وليس سهلا- وقصة دخولها عبر أسطورة عبور نهر الأردن التوراتية...الخ، كل ذلك وأكثر من الممكن أن نقرأه في كتبه، أو نسمعه من فاضل الربيعي بعقل مفتوح وتفكر وتامل دون تعصب أو انسداد أفق، والله معنا، وفلسطين لنا.

شارك هذا الخبر!