الشريط الاخباري

اللقاحات تسبب التوحد.. موروث ثقافي أم حقيقة طبية؟

نشر بتاريخ: 28-12-2018 | الصحة
News Main Image

يبدو أن هناك الكثير يتشبثون بالموروث الثقافي ويصرون على اعتماده مبررا لجميع أفكارهم الخارجة عن نطاق المألوف، على غرار القول إن اللقاحات البيولوجية تسبب الإصابة بطيف التوحد لدى الأطفال.

وفي مقال نُشر في مجلة "سايكولوجي توداي" الأميركية، تطرق الدكتور في مجال نمو الطفل والاضطرابات، ستيفن كاماراتا، إلى المغالطات المنتشرة حول طيف التوحد وكيفية تطوره لدى الأطفال، وسعى إلى دحضها بأدلة علمية ومنطقية دامغة من شأنها القطع مع هذه المعتقدات الخاطئة للأبد.

وبصفته طبيبا يكرس وقته لخدمة الناس المصابين بالتوحد وعائلاتهم، أعرب كاماراتا عن الذعر الذي شعر به فور نشر الدكتور مارك غرين (عضو في مجلس الكونغرس الأميركي)، رواية مفادها أن "اللقاح يسبب التوحد"، التي قادت إلى تعزيز الشعور بالخوف والذعر فيما يتعلق بتطعيم الأطفال الرضع ضد الأمراض الخطرة. وتُظهر التعليقات المشينة سبب صعوبة إزالة هذه الأكاذيب والتخلص منها.

وأورد الكاتب أن هناك حقيقة حاسمة لا تقبل الجدل حول المعتقد الذي يفيد بأن "اللقاح يسبب التوحد"، وهي أن "هذه الأساطير قائمة بالأساس على بحث ذي غايات احتيالية".

وأظهر بحث نُشر في مجلة "ذي لانسيت" العلمية المرموقة عام 1998، وأشرف عليه الباحث أندرو ويكفيلد، أن ثمانية من أصل 12 طفلا الذين شملهم البحث أظهروا اضطرابات سلوكية بالتزامن مع تلقيهم تطعيمات ضد أمراض مثل الحصبة والحميراء، بحسب روايات آبائهم.

وفي 2010، تراجع محررو المجلة عما ورد في المقال السابق ونشروا مقالا جديدا ورد فيه أن العديد من المعلومات التي نشرها ويكفيلد والباحثون الآخرون عام 1998 غير صحيحة. ويمكن القول باختصار إن البحث الذي حمل عنوان "اللقاح يسبب التوحد" مزور وبسيط وعادي.

وبيّن الكاتب أن اعتماد بحث "اللقاح يسبب التوحد" إلى 12 طفلا فقط يعتبر مثيرا للسخرية. في حين، يحتاج دحض مثل هذه الأكاذيب إلى إجراء دراسات تشمل ملايين الأطفال.

في الوقت الحالي، توجد العديد من المراجعات العلمية الشاملة -التي تجمع بين بيانات المؤسسات الصحية العامة والدراسات العلمية في الولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى- تبين أن اللقاحات لا تسبب التوحد.

ورغم الأدلة الدامغة التي تدحض هذا المعتقد السائد، فإن الكثير من الناس، وبعض الأطباء، يواصلون الإيمان بهذا المعتقد.

وأوضح الدكتور كاماراتا أن هناك تحديا مهما للأطباء والعلماء ومسؤولي الصحة العامة يتمثل في معرفة السبب الفعلي للتوحد. ومن هذا المنطلق، تثير الشائعات التي تفيد بأن اللقاحات تسبب التوحد، مشاعر عدم الراحة والطمأنينة في نفوس الآباء.

وأكد الكاتب أن عدم معرفة الأسباب التي تقود إلى الإصابة بالتوحد تخلق فراغا كبيرا، مما يقود الناس إلى ملئه بواسطة "اليقين" الذي توفره المعلومات المنبثقة عن أبحاث من قبيل بحث الدكتور غرين، الذي صرح بأن اللقاح يسبب التوحد. ويذهب غرين للاعتقاد بأن نظرية المؤامرة التي تحيكها شركات الأدوية الكبرى، فضلا عن الحكومة الفدرالية ومراكز مكافحة الأمراض واتقائها ووسائل الإعلام، تسعى لتكوين عصابة من شأنها حجب هذه الحقيقة.

ونوه الكاتب بأنه من المفيد النظر إلى التوحد بشكل مماثل لمتلازمة داون قبل السعي إلى اكتشاف مسبباته. ومن الجدير بالذكر أن الدكتور داون أبلغ عن الإصابة بهذه المتلازمة للمرة الأولى خلال سنة 1866. واضطر الأطباء طوال 100 سنة الاستماع إلى أسئلة الآباء حول مسببات متلازمة داون، لكنهم ظلوا يجيبون بأنهم يجهلون ذلك بكل بساطة، قبل أن يتوصلوا إلى اكتشاف أن سببه هو نسخة إضافية من الكروموسوم 21 في عام 1959.

وذكر الكاتب أن العالم يواجه الأمر ذاته مع التوحد، الذي اكتُشف خلال سنة 1943 من قبل الطبيب النفسي ليو كانر. لكنه يأمل ألا يستغرق العلماء وقتا طويلا لتحديد مسببات طيف التوحد.

وأضاف الكاتب أنه من الجيد دراسة الأسباب التي اقتُرحت للبحث في متلازمة داون قبل اكتشاف السبب الحقيقي خلال سنة 1959. وعلى سبيل المثال، رأى بعض الأشخاص أن "انقباض الرحم" كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه المتلازمة، في حين ذهب البعض للقول إن هناك مسببات فيروسية وبيئية لهذا المرض.

ومن السهل تخيل نشر هؤلاء الخبراء "الذين كانوا يمتلكون نوايا حسنة" لمعلومات كاذبة ودفع الناس إلى تصديقها رغم أنه لا أساس لها من الصحة، وذلك بشكل مماثل لنظرية "اللقاح يسبب التوحد" المنتشرة اليوم.

وخلص الدكتور كاماراتا إلى أن اللقاحات لا تسبب التوحد، وأنها تمنع الإصابة بأمراض فتاكة في بعض الأحيان. ولغاية اكتشاف مسببات طيف التوحد، أصبح من الواضح أن معتقد "اللقاح يسبب التوحد" سيظل الكذبة التي لا تموت أبدا.

المصدر: وكالات

شارك هذا الخبر!