الشريط الاخباري

البابا في عاصمة التسامح 2019

نشر بتاريخ: 11-02-2019 | أفكار
News Main Image

مقال للدكتور أسعد عبد الرحمن

في كانون أول/ ديسمبر 2000، زار البابا (يوحنا بولس الثاني) مدينة بيت لحم مع الاحتفالات الدينية المسيحية الكبيرة التي شهدتها المدينة بمناسبة الدخول في القرن الواحد والعشرين على ميلاد المسيح. في تلك الزيارة، قام البابا بزيارة مخيم الدهيشة في بيت لحم. ولأنني كنت وزير شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفسطينية، أصر الرئيس الشهيد (ياسر عرفات) أن ألقي الكلمة بصفتي الوزير المسؤول، رغم معارضة البعض وحجتهم بأن مقابل كلمة البابا يجب أن تكون الكلمة لأبي عمار شخصيا.

لطالما، كانت زيارات باباوات الفاتيكان لبلاد الشام، لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة. لكن اليوم، ولأول مرة، تطأ قدما بابا الفاتيكان أرض شبه الجزيرة العربية وتحديدا أرض دولة الإمارات العربية المتحدة. وجهود البابا (فرانسيس) في نشر السلام والتسامح والمحبة في العالم، يشهد لها الجميع. فالبابا (فرانسيس) ومنذ استلامه المنصب، بدأ يعيد كثيرا من الأمور إلى نصابها بعد خسائر الفاتيكان جراء تصريحات البابا السابق (بندكتوس السادس عشر) حين هاجم الإسلام وربطه بالإرهاب، ما أدى إلى فتور في الحوار الإسلامي ـ المسيحي، دفع الأزهر الشريف إلى تعليق علاقاته مع الفاتيكان لأكثر من عشر سنوات. لكن منذ تولي البابا (فرانسيس) المنصب، أضحت قضايا الجنوب (سياسات التفقير، المديونية، البطالة، آثار الهجرة، مشاكل البيئة) قضايا متداولة في عظاته في قدّاس الأحد وفي إرشاداته ورسائله، واتخذ حواره طابعاً اجتماعياً وليس لاهوتيا محضا، بل لأنه طرح قضايا الناس، هوجم "الحبر الأعظم" فهو: "بابا ثوري" و"شعبوي" و"عالمثالثي"، ووصف بـ "البابا الإفريقي" و"الآسيوي" و"الجنوبي".

يحظى البابا (فرانسيس) باحترام كبير في العالم الإسلامي كونه يتحدث دائماً بطريقة إيجابية عن المسلمين، بالإضافة إلى حرصه على تأكيد أهمية التمييز بين الإسلام كدين والإرهاب كنوع من الانحراف، ومطالبته بعدم التعميم، وهو الذي أعلن مسبقا: "العلاقات مع أتباع الإسلام، في هذا العصر، تكتسي أهمية كبرى لحضورهم في سلسلة من البلدان ذات تقليد مسيحي، ومن حقّهم إقامة شعائرهم بحرية والعيش في كنف تلك المجتمعات بأمان. وهؤلاء المسلمين على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرّحمن الرّحيم. ومرجعيات الإسلام المطهَّرة تتضمّن جوانب من تعاليم المسيحية؛ فالمسيح ومريم موقّران جليلان". كما أضاف "علينا كمسيحيين أن نسعى جاهدين لاحتضان المهاجرين المسلمين الذين يحلّون بين ظهرانينا، بعطف واحترام، كما نأمل أن نلقى القبول ذاته والاحترام عينه من قِبل البلدان الإسلامية... وأمام بلايا الأصولية العنيفة التي تشغل بال الجميع، فإن التعاطف مع المسلمين الصادقين ينبغي أن يكون حائلاً دون التعميم، بناء على أن الإسلام الحق والتفسير الصائب للقرآن يتعارضان مع العنف".

تكتسب زيارة البابا إلى الإمارات أهمية استثنائية. فهي دعوة صريحة لتعظيم فرص الحوار والتعايش بين مختلف الأديان والأعراق على أسس الاحترام المتبادل، ونبذ التعصب والتطرف. ففي العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" (عاصمة التسامح في 2019) كما أعلنها ولي عهد أبوظبي، الذي هو أيضا صاحب مبادرة دعوة البابا للمشاركة في مؤتمر لحوار الأديان، التقى العالمان الإسلامي والمسيحي، بمرجعيتيهما الكبيرتين: فضيلة إمام شيخ الأزهر الدكتور (أحمد الطيب)، وقداسة البابا (فرانسيس)، مؤكدين للعالم أن المستقبل مشترك، ومعا نستطيع مواجهة الكراهية والإرهاب. وقد سجل البابا: "أنا سعيد بهذه المناسبة، وقد قدر لي الرب أن أكتب، على أرضكم العزيزة، صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الأديان. الإيمان بالله يوحد ولا يفرق، إنه يقربنا من بعضنا رغم الاختلافات، إنه يبعدنا عن العداء والكراهية".

تكمن أهمية زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية للإمارات في أنها تضفي شرعية الوجود الذي يعيشه المسلمون مع المكونات الدينية الأخرى في أوروبا في ظل الأنظمة الشعبوية الجديدة التي ترفض المهاجرين وتعيش في ظل "إسلاموفوبيا" متزايدة. وإن كانت الزيارة لها أبعادها الدينية والروحية والثقافية، فإنها تطرح من جديد، مسألة العلاقات بين الديانات، وخصوصا العلاقات بين المسيحية والإسلام، وتؤكد أن اللقاء والحوار وقبول الآخر ممكن رغم الإختلاف.

تجاوب البابا وزيارته حصلتا مع البيئة الملائمة المتجسدة في دولة الامارات العربية المتحدة. فلا سلام في العالم دون سلام بين الأديان، وتأتي وسط سياق من الانفتاح الإماراتي. وفي السياق، أشاد البابا بالإمارات، وقال إنها "أرض تحاول أن تكون نموذجا للتعايش والأخوة الإنسانية، ومكانا للقاء الحضارات والثقافات المتنوعة".

إن الدور الذي تقوم به الإمارات على أرضها في نشر رسالة التسامح والعيش المشترك بين الجميع مع اختلاف عقائدهم لا ينكره أحد. فالبابا، الذي يصنع تاريخا حين يزور المنطقة لأول مرة بحسب الـ "سي إن إن"، يرى – ومعه كثيرون - أن "الإمارات" نموذج يحتذى به في العالم: 1) سماحها بالهجرة والاستفادة من المهاجرين الذين يساهمون في تضافر وتسارع جهود البناء والإعمار، 2) هؤلاء المهاجرون هم من دين آخر (المسيحية وغيرها) وبما أن هناك تقريبا مليون كاثوليكي بالإمارات من أقطار متعددة، مع وجود – عمليا - أقلية مسلمة لكنها لا تخشى من استقدام مليون كاثوليكي ناهيك عن ديانات أخرى على قاعدة التعايش والعمل المشترك، 3) هذا هو الإسلام الحقيقي بصورته الحقيقية يتعايش مع كافة الأديان وليس الصورة المشوهة البشعة التي تروج لها "داعش" وأخواتها، وهذا ما أكده بابا الفاتيكان مرارا وتكرارا.

شارك هذا الخبر!