الشريط الاخباري

حمدي فراج يكتب: معاذ عمارنة بثلاثة عيون

نشر بتاريخ: 18-11-2019 | أفكار
News Main Image

حمدي فراج  تفتقت الذهنية الشعبية الفلسطينية في حملة تضامنها مع المصور الصحفي ابن مخيم الدهيشة من قرية راس ابو عمار معاذ عمارنة الذي أطفأ جيش الاحتلال نور عينه اليسرى، تفتقت عن وضع "عصبة" بيضاء على العين اليسرى لدى مئات الصحفيين والاف المواطنين، ولم يقتصر ظهور هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي ، بل طالت مواقع اعلامية من ضمنها تلفزيون فلسطين في نشرة التاسعة الرئيسية حيث ظهرا المذيع والمذيعة وقد غطيا عينيهما بتلك العصبة، في مشهد يدر ما تبقى من دمع عيوننا ، حزنا على عين معاذ وهبة اللبدي وسامر العربيد في مسلخ المسكوبية ومن ثم الى مستشفى هداسا والطالب الجامعي عمر البدوي من مخيم العروب ، ووالدة أشرف نعالوة التي حكم عليها بالسجن الفعلي 18 شهرا بعد ان حكموا ابنها بالقبر في ثلاجة الموتى ، والاسير بسام السايح قبل شهرين ، وام ناصر ابو حميد التي هدموا بيتها للمرة الخامسة في مخيم الامعري ، ناهيك عن عشرات الاسرى الاداريين يضربون عن الطعام ايام واسابيع وأشهر.

هذا الحزن المتفجر من مآقينا ، وصل ذروته على عائلة سوابكة التي دفنتها طائرات "اسرائيل" مع بيتهم الصفيحي تحت الارض ، واذا كانت ذريعة "اسرائيل" ان ابيهم ارهابي في حركة الجهاد بدير البلح ، فماذا عن عائلة دوابشة في قرية دوما الوادعة وماذا عن الطفل محمد ابو خضير من "العاصمة الابدية الموحدة" الذي احرق حيا كالطيار الاردني على يد داعش.

كانت عينك يا معاذ بمثابة نور الله ، فلا تسمح لهم بإطفائه ، ما زالت لديك عينك الثانية ، وعينك الثالثة هي التي تستطيع بها رؤية ما لا تستطيع الاثنتان رؤيته . في الثقافة الهندية عندما تتزوج المرأة ، يضعون في المنتصف من جبهتها نقطة حمراء ، يعتبرونها بمثابة العين الثالثة. كان طه حسين يرى بعينه الثالثة ما لم يستطع رؤيته ملايين المصريين والعرب ، وعندما عين وزيرا للمعارف ، كان "المبصرون" من جماعة حسن البنا ، يتندرون عليه ويلقبونه بالوزير الاعمى ، لكنه اصبح عميد الادب العربي بدون منازع وبدون خليفة من بعده .

لا تعالجها ، ولا تجمّلها بعين زجاجية ، بل ضع عصبة عليها ، لكي تفاخر بها الدنيا وتتفاخر الدنيا بك ، كان موشي ديان قد فقد عينه ، ولكن العالم عرفه بعصابته السوداء ، واذا كانت ابنتك "ميس الريم" قد وضعت عصبة على عينها تماثلا معك و افتخارا بك ، فإن "ياعيل" ابنة ديان خجلت منه ، وكادت تفقد عينها عندما تظاهرت ضد الاستيطان في مفرق غوش عصيون ، فرشقها مستوطن متطرف بكوب من الشاي الساخن.

استمر في بحثك عن الحقيقة بعينك الثانية ، وأبق على انتمائك للمخيم بقرار من عينك الثالثة ، كمحطة انتظار في الطريق الى "راس ابو عمار" ، في هذه المحطة ، كنت واحدا ممن لم يقصروا حياتهم على الانتظار ، بل عند هذا المذبح ، قدمت عينك الأولى.

شارك هذا الخبر!