الشريط الاخباري

صلاة ميلاد على جثة شهيد غائبة

نشر بتاريخ: 02-12-2019 | أفكار
News Main Image

بقلم/ عيسى قراقع

يوم 30/11/2019 اضأنا شجرة الميلاد في ساحة المهد في مدينة بيت لحم، فقد شارف عام 2019 على الانتهاء حيث ارتقى خمسة شهداء اسرى في ساحات السجون مرضاً وتعذيبا وقهراً، كان آخرهم الاسير الشهيد سامي أبو دياك الذي استشهد يوم26/11/2019، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، ما هذه النهاية؟ ما شكل العام المقبل الذي يتدحرج على جثثنا وحسراتنا؟

هذه السنة امتلأت بالآلاف من حالات الاعتقال وخاصة الاطفال، وهذه السنة كثرت الجنازات الحاضرة والغائبة وبيوت العزاء، هذه السنة كان يدير عقارب الزمن فيها القتلة الصهاينة وجنود الاحتلال والمستوطنون والسجانون واطباء ادارة السجون، وهذه السنة كانت الاكثر تعبيرا من الوجه البشع لكيان الاحتلال، العنصرية والتطرف والبربرية والطغيان وارهاب الدولة الرسمي.

أضأنا شجرة الميلاد في الساحة المحتشدة بالعباد والمؤمنين، الشهيد سامي ابو دياك يطل علينا من بوابة الكنيسة، يحمل نعشاً وجذع نخلة، في يده شمعة وحلم، يهز أركان الصلاة ويتبع خطاه، تحرر سامي من الموت، ولأول مرة يعود الشبح من الموت يصير جسداً وفكرة وينطق بالحياة.

أضأنا شجرة الميلاد في ساحة مهد المسيح عليه السلام، وهذا ليس احتفالا روتينيا روحانيا ودينياً وتقليدياً، هذه مقاومة شعب بمسلميه ومسيحييه، بتاريخه، بماضيه وحاضره، بهوائه وشمسه، بحجارته وأغانيه وأساطيره ضد من يكرهون الانبياء والنهار، هذه مقاومة شعب ضد من من يشقون السلام والعدل على كل رصيف وشارع وسجن وجدار، هذه مقاومة شعب ضد الاقتلاع والتشريد والهدم والقتل والحصار، هذه مقاومة شعب يقول للمحتلين: سنبقى في حلوقكم كقطعة زجاج وفي عيونكم زوبعة من نار.

في ساحة الميلاد رأينا جنازة في الغيوم القريبة، تدور بين الأفلاك وفوق رؤوس الأمم، الجنازة تحاول الهبوط الى الساحة، تصدها الأبراج العسكرية والطائرات الحربية والأسلاك الشائكة، الغيمة تحمل جثة سامي ابو دياك، الجثة منقوعة بالأمنيات الميلادية وثورة المطر، الجثة تصلي على نفسها بعد أن غاب المشيعون واحتجزت في ثلاجة باردة، الجثة تحتفل معنا بأضاءة الشجرة هذا المساء، تبتسم للاطفال، تبتسم للمدينة التاريخية، الجثة ملغومة بالذكريات والرسائل والتأملات والرجاء.

أيها الحجيج القادمون الى فلسطين في عيد الميلاد، أيها النازلون في الفنادق او السائرون في شوارع البلدة الكنعانية القديمة، أيها الضيوف الذين تأكلون من خبزنا السرياني ومن مفتولنا البلدي وتبتسمون في وجوهنا، ان حقل الرعاة قد صار معسكراً حشروا فيه الراعي والخراف، العشب جرفته المستوطنة، النبي مصلوب في الساحة، المسيح قام كي تقوموا وتنتصروا لدمه وبشارته، المسيح قام كي تساعدوه في حماية الأطفال من القتل والملاحقة.

أيها الحجيج القادمون الى بيت لحم في عيد الميلاد، انظروا فوقكم، السماء تقطر دماً، السماء تتدلى في عنقها جثة سامي ابو دياك، انظروا تحتكم، الأرض جسد مقتول، الكنيسة تستغيث، ألا تسمعون قرع الاجراس؟ استشهد سامي عشية احياء يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، لم ينقذه العالم رغم استغاثاته العديدة، لم تنقذه الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة، صعدت الروح وحيدة طليقة تبحث عن مستقر لها في السماء السابعة.

أيها الحجيج القادمون الى بيت لحم في عيد الميلاد، رأس السنة هو رأس جثة، رأس السنة هو اعلان فلسطيني عن النكبة المستمرة، حاولوا معنا انتشال تسع جثث لعائلة السواركة في قطاع غزة، أزيلوا معنا الأنقاض وبقايا الصواريخ المرسلة من أمريكا، احملوا معنا عظام ولحم الاطفال المذبوحين، وعندما تؤدون صلاة منتصف الليل في كنيستنا لا تستغربوا هذا التشابه المريع بين هذه النكبة وتلك المحرقة.

شارك هذا الخبر!