الشريط الاخباري

أمي لا تموتي... اتفقنا ن نبقى مع بعض

نشر بتاريخ: 28-01-2020 | أفكار
News Main Image

بقلم/ عيسى قراقع

نائب المجلس التشريعي الفلسطيني وزير الأسرى سابقا

لا زال الأسرى يتحدون المستحيل يراوغون أعمارهم الغائبة الذائبة خلف القضبان, يراوغون العتمة و الحديد ورطوبة الزمن, لا زالوا يشرفون على حياتهم اشراف البحار و يرون الميناء القريب, يفكرون فقط وفقط بالحياة وهذا ما اقلق السجانون و دفعهم الى تحويل السجون الى مقابر للأحياء

أنه الاسير ناصر أبو سرور المحكوم بالمؤبد و معتقل منذ 1993 تجاوز الربع قرن من عمره هناك خلف القضبان ولم يفرج عنه في الدفعة الرابعة مع 30 اسيرا آخرا لم تفتح لهم بوابة سجن عوفر العسكري وكانت مكيدة اسرائيلية مخادعة قررت ان تخضع قضية الأسرى للأبتزاز و المساومة

أنه الاسير ناصر أبو سرور الذي يعتبر من الأسرى القدامى مع 48 اسير آخر معتقلين منذ ما يزيد عن 20 عاما, برغم نحافة حجمه خاض اضراب الحرية و الكرامة عام 2017 لمدة 42 يوما مع 1000 اسير اخر وعلى رأسهم مروان البرغوثي و كريم يونس, وقد اقترب من الموت كثيرا خلال ملحمة الأضراب, لم يعد واضح الملامح, هياكل عظمية تقاتل بعظامها الجائعة وروحها العنيدة, لم يكن لديهم أي حليف سوى الارادة واغواء الضوء الرقص فوق نجمة شاردة

قال لأمه خلال زيارتها له في سجن هادريم "امي لا تموتي اتفقنا ان نبقى مع بعض, انت الوحيدة الباقية لي, لا احد يسأل ولا أحد يجئ او يضئ, انت الماضي و الحاضر و المستقبل, لا مواعيد لي في حياتي سوى مواعيدي معك خلال الزيارة ولمدة 45 دقيقة, لا انشغالات عندي, لا تأخير ولا تأجيل, الايام متشابهة وما يكسرها هو يوم الزيارة اطل من خلالك على عالم بدأ بالتحول الى ظلال في الذاكرة, فلا تموتي يا أمي"

الأم التي بكت قالت له: "الموت بيد الله يا بني وهو قدر كل الناس وهذه مشيئة الله, رد عليها: اتفقنا ان نبقى مع بعض انت الوحيدة ستأخذني الى الغد, أحيا معك يا أمي واستعيد طفولتي, تسقيني ماء حقول كانت لنا منذ مئات السنين, ابريق القهوة, الخبز الطازج بعد ان يختمر العجين, أصابعك العشرة تعد لي كأس الشاي , تغطيني في برد المخيم, وانا لا أتذكر بعد 30 عاما بالسجن سواك يا أمي

الأسير ناصر ابو سرور الذي اطلق لحيته بعد أضراب الكرامة يسأل امه: كيف ترين وجهي الان؟ لم تجب الأم لأن نظرها اصبح ضعيفا ولا تراه من خلف الزجاج سوى ظلال, نزلت دموعها و هربت من السؤال, نهضت و قالت: سأصافح بقية الشباب, فشعر ناصر ان شيئا يهزه من الداخل, امه العجوز كبرت ومرضت و فقدت نظرها, لا تظهر الحزن امامه, دائما تشعل موقد أمل مؤقت,فيوم الزيارة هو الزمن كله

أم ناصر أبو سرور تعيش بقية عمرها تقلب صور ابنها تترقب الافراج عنه, دائما تسأل لماذا تركني ناصر لأبقى وحيدة؟ وعندما أجرت عملية في عينيها شعرت بالخوف و تذكرت زميلتها ام الاسير محمود ابو سرور التي توفيت قبل ان تحظى بعناق ولدها, احست انها تسابق الوقت في السباحة في مياه الابدية

أمي لا تموتي اتفقنا ان نبقى مع بعض ,سأكتب مديحا لحريتي القادمة, لا تصدقي ان السجن لا يزول, فاطمأني, الاحتلال يهرم و نحن لا نهرم, نحن ننتصر على الموت حتى في رحلتنا الطويلة في ظلمة السجون.

شارك هذا الخبر!