الشريط الاخباري

أمير الشهداء أبوجهاد .. خادم فلسطين الأعظم

نشر بتاريخ: 17-04-2020 | أفكار
News Main Image

بقلم اللواء قدري أبوبكر/ رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين

مرّت اثنان وثلاثون عاماً على استشهاد القائد خليل الوزير "أبو جهاد" – أمير الشهداء، وما زلنا نعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة.. صدمة فقدان قائد صلب عنيد ..شديد على الأعداء..هزّ عرش كيانهم الغاصب..مناضل مؤمن بحتمية النصر.. لا يعرف المستحيل، وكُنّا لا نعرف المستحيل في وجوده.

كان اتصالنا الأول أثناء تواجدنا بالسجون الإسرائيلية مع القيادة الفلسطينية من خلال الأخ أبو جهاد بداية السبعينات، حيث تسلمنا رسالة بخط يده،كان لها الأثر الإيجابي جداً وتبعها الكثير من الرسائل التي ساهمت إلى حد كبير في تطور الجوانب النضالية والتنظيمية.

وكانت الأخت مريم الرجوب هي الرسول بيننا وبين مكتب الأخ أبو جهاد.، وكان حينها الأخ زهير مناصرة مدير مكتب الشهيد أبوجهاد في عمان.و بعد سبعة عشر عاماً على اعتقالي في أواخر عام 1986، تم إبعادي إلى بغداد،والتحقت هناك بالأخ أبو جهاد، وشغلت نائباً لمدير مكتب الأخ أبوجهاد، وبعدها أصبحت مديراً للمكتب حتى استشهاد الأخ أبو جهاد في نيسان من العام 1988.

أثناء عملي معه كان همه الأوضاع داخل الأرض المحتلة...المؤسسات... الجامعات... الشركات... المزارعين.. العمال... المدارس... أراد أن يعرف تفاصيل التفاصيل لحياة شعبنا، وعمل في كافة الميادين وتمّكن من اختراقها ببراعة. هذا إضافة إلى عمله الأساسي بالبناء التنظيمي، والخلايا العسكرية. وكان دائماً يقدم الدعم لكل فلسطيني يريد العمل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبغض النظر عن انتمائه التنظيمي أو اتجاهه، ولا يشترط على أحد أي شيء، فهمّه الشاغل مقارعة المحتل دون قيودٍ أو شروط.

كان الأخ أبو جهاد خلوقاً وإنسانياً لأبعد الحدود، وكان قمة في التواضع وحياته بسيطة جداً، يرفض ركوب أو اقتناء السيارات الفاخرة. حتى أنني أذكر قصة أحد الأخوة ممن كان يعمل معنا في مكتب بغداد، والذي قام بشراء سيارة من نوع "بي أم دبليو" قديمة الطراز. وعندما علم الأخ أبو جهاد بذلك، نادى عليّ، وكانت ملامح وجهه يظهر عليها الغضب ، وطلب مني أن أبلغ الأخ الذي اقتنى السيارة، بالتخلص منها على الفور، سواء ببيعها أو إرجاعها أو ما شابه ذلك. فحاولت أن أعدل الأخ أبو جهاد عن رأيه كون السيارة قديمة الطراز ومنخفضة السعر، وتتناسب مع إمكانيات الأخ الذي اشتراها، فأجابني بابتسامة: " بضل اسمها "بي أم دبليو"، وشعبنا في الأرض المحتلة ما راح يفهموا غير هيك"..

هذا هو أبو جهاد.. كان عسكرياً زاهداً ومتقشفاً في الحياة الدنيا ، ويلبس بدلات السفاري ( قميص وبنطلون بلون واحد ) أو اللباس الشعبي أو البزة العسكرية الفلسطينية.. ولا يرغب بالحراسات أو المرافقة، وكنا دائماً نطلب منه أن تكون سيارة أخرى مرافقة له أو زيادة المرافقين فكان يرفض ذلك ويقول دائماً : "الحامي هو الله"، ولعل عصابات الاحتلال الإجرامية استغلّت هذه الثغرة، لتنفيذ اغتيالها المشؤوم.

راهن الأخ أبو جهاد كثيراً على الشبيبة والأجيال اللاحقة ، وكان مهووساً حتى النخاع في الانتفاضة الأولى التي هندسها، وفي أطفال الحجارة، حتى أذكر عندما ولد ابني البكر "فادي" في مدينة نابلس في شهر شباط 1988 ، هنأني الأخ أبو جهاد، واتصّل على زوجتي "أم فادي" وقال لها: " هو طفلٌ مبارك الذي يولد في خضم هذه الانتفاضة، وأكيد جاء وفي يده حجر".

أستذكر في أحد الأيام ما قبل استشهاده بأسابيع معدودة، أن طلب منّي أن أعلّمه اللغة العبرية، عملاً بالمثل القائل: " اعرف لغة عدوّك لتنتصر عليه"، فاستغربت طلبه، وسألته: كيف يمكن تحقيق ذلك؟، خصوصاً في ظل انشغاله الدائم، ومسؤولياته الجمّة، فطلب منّي أن أسجّل له محاضرة بصوتي على أشرطة مسجّلة، إلى جانب توفير الكتب اللازمة،وأنه سيقوم بالمذاكرة أثناء أوقات الفراغ المتاحة، كوجوده في الطائرة مثلاً أوقات السفر. وبالفعل أعطيته أول درس مسجّلاً على شريط قبيل سفره إلى تونس، ولم أكُن أعلم أن هكذا سيكون لقاءنا الأخير، حيث سافر إلى تونس ليلقى نصيبه بالشهادة فيها.

لا أنسى أكثر مقولة كان يردّدها لنا دوماً: "لا تنسوا .. احنا خدم للشعب الفلسطيني".. فعهداً لك يا أخي ومعلمّي أن نبقى خدماً لشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، وأن نحافظ على وصاياك التي هي بمثابة البوصلة نحو التحرير والانتصار..

لك المجد يا خادم فلسطين الأعظم .. والخلود والسلام لروحك العظيمة يا أمير شهدائها .

شارك هذا الخبر!