الشريط الاخباري

"كورونا" فلسطين... الإنقسام يخصب الفايروس

نشر بتاريخ: 21-04-2020 | أفكار
News Main Image
 

مصطفى إبراهيم - كاتب فلسطيني

صحيح أن الوباء أوقع دولاً كبيرة في أزمات اقتصادية وما يعيشه الفلسطينيون الآن هو نتاج السياسات الخاطئة والخضوع لأصحاب المصالح.

يبدو أن الفلسطينيين أجّلوا كل شيء لمواجهة فايروس "كورونا"، الماضي في طريقه وقد ينتهي كغيره من الأوبئة، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لا يتوقف وهو ماض في طريقه إلى تشكيل حكومة والاستعداد لضم الضفة وفرض سيادته عليها. صفقة القرن قطعت شوطاً طويلاً، فيما تبقى الخطورة الكبرى في الانقسام الفلسطيني، فحتى “كورونا” لم يستطع تحرير الفلسطينيين من أنفسهم وانقسامهم وسيطرة كل فريق على منطقته، في غياب واضح للشراكة والشفافية.

أعلنت الأمم المتحدة، عن المساهمات المالية لخطة الاستجابة المشتركة بين الوكالات لمواجهة فايروس “كورونا” في الأراضي الفلسطينية، وفي الإجمال، جُمع مبلغ قدره 29.3 مليون دولار لتنفيذ خطة الاستجابة المشتركة بين الوكالات. وتغطي هذه المساهمات ما نسبته 86 في المئة من المبلغ المطلوب (وهو 34 مليون دولار).

وتتمحور الاحتياجات التي وضعتها خطة الاستجابة الأولية، حول الصحة والحماية والتعليم والمأوى والأمن الغذائي. والأهداف الرئيسية هي وقف زيادة انتقال “كورونا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتخفيف من أثره، والتوعية بالنظافة الصحية وتدابير الوقاية من الفايروس وتوظيف منصات التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي بأهمية التعلم من المنزل، وتعزيز قدرات الأسر الضعيفة وصمودها وتقليص الاكتظاظ في المساكن والتخفيف من وطأته، إضافةً إلى ضمان استمرار إمكان الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في المراكز الصحية والمؤسسات الرئيسية والتجمعات السكانية، ودعم الأسر التي يتأثر أمنها الغذائي مباشرةً بتفشي الفايروس بالمساعدات العينية والنقدية.

وووفقاً للبيان الذي صدر عن منظمة “أوتشا”، توسِّع الخطة نطاق الخطة الأولية التي أطلقتها مجموعة الصحة في 14 آذار/ مارس، كما تتواءم مع خطة الاستجابة الوطنية التي تعتمدها الحكومة الفلسطينية التي طلبت في خطة الاستجابة، التي أعدّتها ونشرتها في 26 آذار الماضي مبلغاً قدره 137 مليون دولار، لمساندة عملها في توجيه استجابة قطاع الصحة العامة لمواجهة “كورونا” في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية إضافة إلى دعم الموازنة وإنعاش الاقتصاد. ويغطي برنامج الاستجابة الصحية (120 مليون دولار) الفجوات الحرجة على المدى القصير، التي يمكن أن تقوّض قدرة الحكومة على احتواء الفايروس وإدارته.

ومع مرور نحو شهر ونصف الشهر على إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس حالة الطوارئ لمواجهة “كورونا”، ووضع خطة استجابة باتخاذ تدابير وسياسات وتعليمات صحية وأمنية، غابت السياسات الاقتصادية ومواجهة الآثار الاقتصادية في ظل “كورونا” وما بعد “كورونا”. وبدأت تتعالى أصوات القطاع الخاص، من رأسماليين وباحثين اقتصاديين بضرورة وضع خطة إنعاش اقتصادي لإعادة ضبط الحسابات بما ينسجم مع حالة الضرورة والمرحلة الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، بعدما تُركوا وحدهم في مواجهة “كورونا” والاحتلال وسياساته القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان ومصادرة الأراضي والاعتقالات اليومية.

وجل ما يقدم من المجتمع الدولي والدول المانحة للسلطة الفلسطينية التي لا تمتلك الموارد، هي مساعدات إغاثية طبية محدودة، بما فيها خطة الاستجابة لوكالات الأمم المتحدة التي استثنت منظمات المجتمع المدني الشريك لها في تنفيذ المشاريع التي ستمول، وهي محدودة وتصب في دعم القطاع الصحي والزراعي والإغاثي، حتى أن دولاً مانحة أوقفت جزءاً من تمويلها لمؤسسات المجتمع المدني.

في 2 نيسان/ أبريل، أنشأت الحكومة الفلسطينية في رام الله صندوق “وقفة عز” لمواجهة آثار “كورونا”، وتم الإعلان عن رئيسه وعضوية آخرين، وهم من القطاع الخاص وجميعهم من الضفة الغربية، ولم يضم أي شخصية من قطاع غزة، وظهر أن غزة خارج حسابات السلطة الفلسطينية!

مطلوب من الحكومة توفير الحلول للمنشآت والشركات الصغيرة والمتوسطة لاستمرار عملية الإنتاج، والخروج من أزمة “كورونا” بأقل الأضرار، للحفاظ على السلم الأهلي

وسعى القائمون على الصندوق إلى جمع مبلغ 30 مليون دولار حتى نهاية الفترة المحددة للتبرع في 15 أيار/ مايو. ويركز الصندوق في تبرعاته على دعم العائلات المحتاجة والمتضررة من أزمة “كورونا”، وتم توقيع اتفاقية تفاهم مع وزارة التنمية الاجتماعية التي ستتولى توزيع التبرعات، إضافة إلى دعم القطاع الصحي من طريق وزارة الصحة الفلسطينية.

وركّزت الحكومة على ملف الصحة وهو مهم، لكن حتى الآن لم تتم معالجة الملف الاقتصادي وتبعاته، وبدأ القلق يظهر في الساحة الفلسطينية بين المواطنين والقطاع الخاص وخبراء الاقتصاد، في ظل زيادة نسبة البطالة، المرشّحة للارتفاع أكثر خلال شهر رمضان القريب، وأزمة أصحاب العمل والعاملين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فربما لن يستطيع الكثير من المشغلين، دفع حتى نصف راتب للمستخدمين.

وفي إشارة واضحة إلى غياب الشراكة والشفافية بين الحكومة سواء في الضفة أو غزة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في إدارة أزمة “كورونا” وتوزيع الأدوار ليس في الجانب الصحي فقط، إنما في مختلف الجوانب التي تهم المواطنين بخاصة الاقتصادية، وجه أحد رجال الأعمال من رام الله مناشدة لرئيس الحكومة، د. محمد أشتية، متحدّثاً عن الضرر الذي وقع على العامل ورب العمل، محمّلاً الحكومات المسؤولية. وقال “ليس هكذا تُقاد الدول، وكان بالإمكان أن تخرج على شعبك لتصارحه بالحقائق والواقع، وحينها سيتفهم الناس، لكن أن تخرج عليهم لتقول لهم “ما حد بموت من الجوع”، وأن تقول لهم سنقدم تسهيلات من خلال قروض ميسرة بفوائد بسيطة فأقول لك، لا ليس هكذا تُقاد الدول ولا الشعوب”.

وأضاف، “الضرر الذي وقع على العامل وعلى رب العمل مسؤولية الحكومات، وعليها أن تتحمل مسؤولياتها كما اقترضت الحكومة سابقاً لدفع رواتب الموظفين، فلتقترض اليوم لدفع ربع أجور العمال، ونصف أضرار المنشآت الصغيرة والأعمال المتوسطة والتجارة الصغيرة والحرفيين والمطاعم والمصانع، نعلم أن الجائحة صحيّة ولكن نعلم أيضاً أن تأثيرها اقتصادي. أظهرت الدراسات العالمية أن متوسط قدرة القطاعات الاقتصادية على الاستمرار والصمود من دون تدفق نقدي يومي هو 27 يوماً، فكيف إذا كانت هذه القطاعات الاقتصادية في فلسطين؟ كم يوماً ستصمد وكم يوماً ستستمر؟ هذه القطاعات هي التي تنعش الاقتصاد الوطني وهي التي تحرك عجلة الإنتاج”.

“الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” أصدرت ورقة موقف حول “اتفاق أطراف الإنتاج الثلاثة خلال حالة الطوارئ”، والذي تم توقيعه بتاريخ 16 آذار الماضي بين وزارة العمل، والمجلس التنسيقي للقطاع الخاص، والنقابات العمالية، لمواجهة انتشار “كورونا”، في سبيل الحد من الآثار الاقتصادية المحتملة، لإعلان حالة الطوارئ وتعطل شبه كامل للحياة العامة، وتسري أحكام هذا الاتفاق، وفق البند السابع منه، طيلة شهري آذار ونيسان 2020.

ورقة الموقف المذكورة تبين أن هناك بنوداً في الاتفاق من شأنها إثارة إشكاليات، منها مخالفة البند الثاني منه قرار وزارة العمل الصادر بتاريخ 10 آذار بوجوب التزام ارباب العمل بتطبيق أحكام المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني النافذ، التي تُلزم أصحاب العمل بدفع أجور المستخدمين لديها كاملةً طوال فترة التعطل ولمدة لا تتجاوز الشهرين، إضافة إلى خلوه من الحديث عن كيفية التعامل مع فئات العمال الأكثر هشاشة، وبخاصة فئة المياومين/ ات، وخلوه من تحديد سقف زمني لقيام صاحب العمل بدفع المبلغ المتبقي في ذمته للعامل.

كما أن الاتفاق يخلو من تحديد آلية لكيفية دفع صاحب العمل المبلغ المتبقي في ذمته للعامل. علاوة على عدم تناوله توصيف آلية عمل اللجنة المشتركة لمعالجة الآثار الناتجة عن حالة الطوارئ، ومدى إلزامية قراراتها من طرف الشركاء الاجتماعيين وكيفية تقديم الشكاوى لها. ولم يتطرّق الاتفاق إلى تحديد سقف زمني لإنشاء صندوق الطوارئ، والجهة و/أو الجهات التي سترفد هذا الصندوق بالأموال اللازمة لتعويض أصحاب العمل والعمال في المنشآت التي انهار مركزها المالي بسكل كامل، ونسبة هذا التعويض من رأسمال المنشأة المتضررة. كما أن هذا الاتفاق وضع المنشآت الاقتصادية كلها في سلة واحدة، وذلك على رغم التفاوت الواضح بينها من حيث مستوى العمالة وحجمها وقوتها الرأسمالية.

المشكلة واضحة وحقيقية في ظل غياب واضح للشفافية والشراكة وتفتت الجهود بين أطراف الإنتاج الثلاثة في المجال الاقتصادي، على رغم الشعارات التي تطلق عن الوحدة في مواجهة الآثار المترتبة على انتشار الوباء.

وتتحمل الحكومة المسؤولية في غياب قرار حكومي واضح لوضع خطة إنعاش اقتصادي في ظل فايروس “كورونا” وما بعده، إذ قامت بتدخلات في ترتيب وضع المالية العامة والمقاصة والدين الحكومي من أجل الانتظام في دفع الرواتب للموظفين الحكوميين باعتباره الأولوية. لكنها تناست آلاف العمال ومنهم الذين يعملون في إسرائيل وعادوا الى الضفة الغربية وعدد منهم يحمل الفايروس.

في ظل استمرار “كورونا” واستمرار الحكومة في إجراءات مواجهته والحجر والإغلاق الحالية، تغيب الشراكة التي تتطلب وجود إطار مرجعي مشترك لدراسة الآثار المترتبة على حالة الطوارئ وسبل مواجهتها بقيادة الحكومة ومشاركة أطراف الإنتاج ومراكز البحث.

صحيح أن الوباء أوقع دولاً كبيرة في أزمات اقتصادية وما يعيشه الفلسطينيون الآن هو نتاج السياسات الخاطئة والخضوع لأصحاب المصالح، بخاصة في ما يتعلق بنظام الضمان الاجتماعي الذي كان سيحل عدداً من المشكلات، كإنقاذ العمال من البطالة والفقر خلال الجائحة.

ومطلوب من الحكومة توفير الحلول للمنشآت والشركات الصغيرة والمتوسطة لاستمرار عملية الإنتاج، والخروج من أزمة “كورونا” بأقل الأضرار، للحفاظ على السلم الأهلي، ودعم اقتصاد فلسطيني قادر على دعم صمود المواطنين ومواجهة الاستحقاقات الوطنية القاسية خلال أزمة “كورونا” وفي الأشهر المقبلة.

 

شارك هذا الخبر!