الشريط الاخباري

تقرير PNN : ميزات القرى وعادتها سمة للتفاخر تتناقلها الاجيال المتعاقبة

نشر بتاريخ: 15-05-2020 | PNN مختارات , فلسطينيون في المهجر
News Main Image

بيت لحم /PNN/ نجيب فراج – يتباهى الكثير من اللاجئين وعلى مختلف الاجيال بالسمات التي كان يتحلى بها سكان القرى والمدن التي هجروا منها عام النكبة الكبرى، وهي مستقاة من روايات واحداث وقعت في هذه القرى قبل عام 1948 وتناقلتها الاجيال جيلا وراء جيل، واتخذت هذه الروايات ايضا ليس من قبيل المباهاة والافتخار بسجايا هذه القرى، وكانت احيانا تتخذ طابع الفكاهة والمعايرات لابناء القرى الاخرى.

التحدي لا يخلو الحزم والمداعبة

ففي احدى الروايات كان يجلس نحو عشرة رجال في احد المجالس بمدينة بيت لحم قبل عدة سنوات وجميعهم من جيل النكبة ولربما معظمهم قد لاقى وجه ربه، ففي هذه الرواية جلس مصطفى عدوي “ابو اسامة” الذي يبلغ اليوم نحو 87 عاما وهو من قرية زكريا المهجرة يتفاخر بكيف ان قريته كانت تحوي على مدرسة مركزية يعتمدها ابناء بقية القرى المجاورة وقال “ان ابناء زكريا قد علموا ابناء القرى الاخرى القراءة والكتابة ” وهنا اعترض المرحوم محمد علقم “ابو عيسى” الذي كان بالمجلس ويبلغ حينها نحو 73 عاما وهو من قرية بيت نتيف نافيا ذلك مؤكدا ان اهالي بيت نتيف قد تعلموا ونهلوا من العلم بالاعتماد على انفسهم، وطبعا كانت الاحاديث كلها تقع في دائرة المزاح.

الترجمة الى العبرية

وبعد مرور بضعة اشهر على هذه الحادثة التي وقعت قبل 15 عاما لجأ علقم الى مصطفى عدوي كي يساعده في ترجمة احد المعاملات من العبرية الى العربية على اعتبار ان عدوي يتقن اللغة العبرية جيدا فنظر الى ما هو مكتوب وكانت الوثيقة من صفحتين وطلب منه امهاله عدة ايام لاجل ذلك، ولكن عدوي كان يحفر لقناة اخرى فقام بدعوة كل الذي حضروا وقت “المناكفة” وحدد موعدا لاجل ذلك ليأتي علقم الى الاجتماع ويتفاجا بذات الوجوه من الرجال دون ان يربط بواقع الترجمة، فقام”ابو اسامة” عدوي وبعد ان رحب والقى بعض النكات وجامله الحضور جميعهم بما فيهم “ابو عيسى” ابلغ ابو اسامة الحضور وبعد ان ذكرهم بالمناقشة السابقة ان ابو عيسى قد طلب منه ترجمة احدى الوثائق ليؤكد ان ابناء زكريا حتى اليوم يتميزون بالعلم ، وقد وقعت الحادثة كلها من قبيل المزاح ومدى ارتباط ابناء النكبة بعضهم ببعض فانفكت الجلسة بمزيد من الترابط والمحبة.

التنافس بين القرى

ومن الروايات الاخرى التي يتم تداولها من قبيل المزاح حيث اعتاد محمود ابو سرور من سكان قرية بيت نتيف وهو صاحب محل للصرافة في بيت لحم ويبلغ من العمر 90 سنة انه يواجه أي شخص من سكان زكريا بتذكيرهم ان اهالي قرية عجور المجاورة لزكريا كانوا دائما يستقوون على اهالي زكريا وان المشاجرات التي كانت تحدث في القرية دائما كانت تنتهي لصالح اهالي عجور.

ولم تتزحزح قناعة الحاج ابو سرور بان العودة الى قريته بيت نتيف حتمية رغم مرور 72 عاما على نكبة الشعب العربي الفلسطيني، ورغم وصوله هذا العمر المديد من الزمن مؤكدا انه اذا لم يعد هو فسيعود ابنائه او احفاده، ولكن حق العودة لن يضيع ولن يذهب سدى ولن يتقادم.

ويصف الحاج ابو جاد الله قريته بانها جميلة جدا ووادعة وتقع بين قريتي زكريا وعلار وجميعها من القرى المدمرة والتي هجر سكانها وتقع جميعها في قضاء الخليل ولكنها قريبة على القدس والرملة.

القرية الاصلية في الذاكرة شبر اشبرا

الحاج ابو جاد الله يقطن اليوم في بيت لحم ويصف وضعه الاقتصادي بانه ممتاز فهو يملك مصرفين لتبديل العملة في وسط المدينة اضافة الى مساحات واسعة من الاراضي في اماكن هامة ومع ذلك فهو يقول لو سمجت له اسرائيل ان يعود الى مسقط راسه بيت نتيف فانه سيفعل ذلك حتى لو سيرا على الاقدام حافيا وتاركا كل املاكه ، فالعودة الى قرية الاباء والاجداد لا تقدر بثمن ، فالقرية التي ولد ونشأ وترعرع فيها حيث كان عمره انذاك 17 عاما لا زالت في ذاكرته بيتا بيتا وشبرا شبرا وحارة حارة ويقول لقد كان عدد سكانها قبيل النكبة حوالي ثلاثة الاف نسمة وقد تشتتوا في اصقاع العالم، مستذكرا انه كان من بين المحاربين في وجه العصابات الصهيونية حيث اشترى والده له بندقية بقيمة 300 جنيه وانضم مع المحاربين و لجا الى منطقة بيت الجمال وهي منطقة واسعة وفيها دير للراهبات وهناك دارت معارك عنيفة حيث امتلك الشبان ارادة قتال لا يمكن وصفها ولكنها باقل الوسائل القتالية، مؤكدا ان الشبان بعفويتهم قد استبسلوا اكثر من الجيوش العربية بل ان مدفعيات تابعة لاحد الجيوش كانت تطلق النار باتجاههم بقصد او بغير قصد ولكن النتيجة كانت ان النيران العربية باتجاههم وقد استشهد خلال ذلك عدد من المقاتلين ويذكر من بينهم الشهيد محمود عابدين من الجهاد المقدس وهو من مدينة الخليل، مشيرا الى ان عائلته غادرت مشيا على الاقدام القرية بمعية الالاف من المواطنين من مختلف القرى الذين ساروا باتجاه صوريف ثم بيت امر وصولا الى موقع قرب بيت لحم فاقاموا الخيام وبات يعرف بعد ذلك مخيم عايدة للاجئين الى الشمال من بيت لحم.

العودة حتمية

ويقول الحاج ابو جاد الله وهو يستذكر تلك اللحظات الاليمة وترك عائلته لقريتهم بان والده كان من بين الملاكين الكبار هناك حيث كان يملك 15 الف دونم مشيرا الى انه زارها العديد من المرات ولكنه انقطع عنها منذ 1991 وهي اخر مرة قد زارها اذ يشعر الفلسطينيون ان اتفاق اوسلو الذي وقع في العام 1993 قد عمل على تحديد حركتهم وحرمهم من التنقل داخل المناطق المحتلة منذ العام 1948 حيث كان مسموحا التواصل هناك لمن يريد وبقيود لا تكاد تذكر اذا ما قيست بقيود اليوم .

ويؤكد الحاج ابو سرور ان العودة حتمية وان أي ظلم في العالم الى زوال “لقد حكمت تركيا بلادنا نحو 450 سنة وزالت ولابد اسرائيل الى زوال واننا سنعود في نهاية المطاف الى بلادنا واذا ليس على زماننا فعلى زمان ابنائنا او زمان احفادنا ولكن العودة حتميه”مشيرا الى ان عدد ابنائه خمسة ابناء واربع بنات اما احفاده فهم كثر لم يستطع عدهم ولكن الاكيد انه يعلمهم على ضرورة التمسك بهذا الحق.

ميزات قرية المالحة

اما اللاجيء احمد عبد الله عودة المالحي من سكان قرية المالحة شرق القدس والذي توفي قبل نحو ثلاث سنوات عن عمر يناهز 94 عاما وكان يقطن في مدينة بيت لحم وهو من اكبر المعمرين في المالحة يظل يستذكر ايام الطفولة والصبا امام ابنائه واحفاده ويتفاخر بان المالحة قاومت للدفاع عن القرية بشكل مستميت في وجه العصابات الصهيونية كما ظل يستذكر ويتفاخر ان المالحة كانت تحوي اول مدرسة ثانوية مختلطة وهي المدرسة الوحيدة بهذا الوصف، ويقول ان القرية التي دمرت اليوم بالكامل وتحولت الى احدى ضحايا القدس الغربية وفيها الكثير من المرافق الترويحية كحديقة الحيوانات الاهم في اسرائيل والمرافق التجارية ايضا بانها كانت تشتهر بزراعة الزيتون بشكل مكثف وان زيتونتها كان يشكل مصدر دخل قومي للبلاد وهو من النوعية الجيدة بكل المقاييس وانها كان تحوي على اكثر من عشرة الاف شجرة زيتون كلها جرى تدميرها من قبل العصابات الصهيونية، كما كان يفتخر ابو صلاح بكثرة المتعلمين من ابناء القرية التي يعتبر مستواها الثقافي من اعلى المستويات.

اما اهالي قرية “علار” وهي احدى القرى المدمرة الى الغرب من مدينة القدس فيتباهون بان ابنائهم عبر الاجيال المختلفة يمتلكون موهبة تلاوة القران الكريم والاذان باصوات مميزة، بحسب ما يقول المدرس يوسف عدوي في مدرسة ذكور الدهيشة الاساسية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين حيث يلاحظ مواهب اطفاله في المدرسة ويتابعهم، ويؤكد ان العديد من اهالي علار قد امتلكوا هذه الموهبة عبر السنوات والعقود المتتابعة، فيما تميزت قرية “بيت عطاب ” بانها مركزا للقوى السياسية ما قبل النكبة وارتبط الكثير من ابنائها بالحركات السياسية والجهادية التي كانت منتشرة هناك.

وتميزت حسب عدوي قرية “ديرابان” بالعنادة وبالقوة نظرا لمساحة اراضيها الكبيرة وتحكمهم بالسوق المحلي لكثرة انتاجها من الخضار والفواكه.

وعن قرية زكريا يقول الكاتب الفلسطيني الباحث صلاح عبد ربه في كتاب الفه عن القرية والذي توفي قبل نحو خمس سنوات من أن زكريا كانت من أوائل القرى الفلسطينية التي ظهر فيها التعليم، وانتقل التعليم من الكتاتيب إلى المدرسة الابتدائية في العشرينات من القرن الماضي، وفي أواخر العشرينات كانت ابتدائية كاملة و مختلطة.

ومن الأمور التي يفخر بها أهالي زكريا المشتتين الآن أن القرى المجاورة كانت تحضر إلى زكريا لكتابة الرسائل أو فكها أو تحرير عقود الزواج أو حجج البيع و الشراء، أو التعاويذ الدينية، وما زال الناس يتندرون حتى الآن على استخدام أهالي زكريا المبالغ به للغة الفصحى، و لاستخدامهم لحرف الكاف بالفصحى، وليس بالعامية الفلسطينية المعروفة.

و ينقل عبد ربة عن أحد الرواة، أن أهل زكريا كانوا مغرمين باقتناء الكتب مثل تفاسير القرآن، وكتب الطبري وابن مالك، والبخاري، على سبيل المثال، وكانوا يتابعون في الثلاثينيات والأربعينيات مجلتي (الرسالة) و (الثقافة) المصريتين، وهو أمر ربما كان مفاجئا لأهالي قرية فلسطينية صغيرة لا ترى على الخارطة . حال المرأة يبدو أن حال المرأة في زكريا لم يكن يختلف عن باقي القرى الفلسطينية، و ينقل عبد ربة عن راويات من القرية، إن الرجال لم يكونوا يسمحون للنساء بالخروج للمشاركة في العمل الوطني، لأنه إذا حصل (شيء) في المواجهات فإن الشباب يستطيعون الهروب، أما النساء فلا يستطعن.

وعبرت الراويات، هن الآن عجائز وق توفي بعضهن او معظمهن أنه كان لديهن الرغبة في النضال، خصوصا، و أنهن كن يسمعن عن (اليهوديات وكيف كن يشاركن في القتال مع الجيش اليهودي).

ومع ذلك فإن (البنت) في زكريا كانت تتعلم مع (الولد) في نفس المدرسة، وكانت تقوم المرأة بأعمال الأرض جنبا إلى جنب مع الرجل.، لكن المرأة كانت (خادمة للرجل، و لكن الوضع تغير بعد اللجوء) كما تقول الراوية -هنية أحمد يونس-.

ويمكن تفسير التغير للأعباء الاقتصادية الكبيرة والمعاناة التي عانها الأهالي في المخيمات، حيث كان في انتظار المرأة أعباء كبيرة من الذهاب لجلب الحطب من الجبال و البرية المجاورة للمخيمات إلى جلب المياه من الآبار البعيدة إلى العمل بالحياكة أو التطريز للصرف على البيت.

شارك هذا الخبر!