الشريط الاخباري

"على قرن الكركدن" للإيطالية فرانشيسكا بيلينو.. حياة أخرى على هامش الثورة التونسية

نشر بتاريخ: 23-06-2020 | ثقافة وفنون
News Main Image

بيت لحم/PNN- تنقل الروائية الإيطالية فرانشيسكا بيلينو تجربة الإنسان مع الثورة، اجتماعيا وسياسيا، في روايتها "على قرن الكركدن"، الصادرة ترجمتها عن منشورات المتوسط 2020، وبترجمة من سوسن بوعائشة.

وتتناول الرواية في أحداثها ملامح الثورة التونسية عام 2010، حيث تدخل "ماري" الإيطالية الجنسية تونس في ظل انتفاضة الشعب التونسي ضد نظام الحكم وقتئذ. وتكون شاهدة على قيام الشبان من الذكور والإناث بالانتفاضة ضد نظام حكم استمر لسنوات طويلة، قام بقمع الحريات، وساهم في وأد أحلام الشباب، وصدر للعالم الوجه النقي للدولة، مغطيا على واقع مرير يحياة التونسيين.

وفي صلب السرد، تركب ماري في سيارة "هادي" القديمة منطلقة من مطار تونس، بقلقها، وحسرتها على وفاة صديقتها التونسية "مريم"، تريد أن تختصر الطرق الممتلئة بالمتظاهرين، لتلحق بعزاء صديقتها المقربة، التي عاشت معها لسنوات طويلة في إيطاليا، قبل المغادرة لتونس، وفي الطريق لبيت مريم تستعيد ماري، على طريقة "فلاش باك"، ذكرياتها مع صديقتها بكل أحاسيس الألم والفقد.

فيديو كليب

وتتخذ الروائية الإيطالية طريقة صانعي الأفلام والفيديو كليبات الغنائية، خلال رحلتها السردية، فمن مكان يشبه استوديو تسجيل الصوت الموسيقي تنطلق بعملية السرد، وتسجل كلماتها كمشهد مطول مختصر للسيناريو داخل السيارة، الاستوديو الصغير المتنقل.

ومن ثم تنطلق في مشاهد مقطعة لترجع مع خيال الراوي ”ماري“ لذكريات ليست بالقديمة مع مريم الراحلة.

أسئلة السرد

وتعمد الروائية الإيطالية إلى منح القارئ فرصة للتفكير في مستقبل السرد، بقيامها بزج عنصر التشويق في طريقتها السردية، حيث أبقت أسئلة محورية عالقة على مدار سير عجلة الأحداث، مثل: ما السبب في موت ماري التي لم يسبق لها أن عانت من الأمراض؟ تخمينات عديدة تظهر في الأفق: هل قتلت من أهلها؟ هل شاركت في الثورة و قتلت خلال الفوضى؟ وهاجس آخر فعّلته فرانشيسكا مع خيطها السردي، ألا وهو، من يكون السائق هادي؟، والذي تستمر مخاوف ماري منه على مدار سير عجلة السيارة، وحتى في توقفها.

هذا ما أكسب العمل الروائي لفرانشيسكا بريقه، وكانت طريقة السرد بسيطة، إلى أسلوب أقرب بكونه صحفيا منه أدبيا، ربما لتمرس الكاتبة على العمل في هذا المجال.

جذر

وفي محور سردها، تنقل الكاتبة الإيطالية تجربتين لفتاتين من بيئتين مختلفتين، لتصنع مقارنة تفصيلية، موضحة الفارق في الأثر على طريقة حياة كلتيهما. فمريم التي نشأت في البيئة الاجتماعية التونسية، مهما ابتعدت في سفرها، فإنها تتعامل وكأنها مرتبطة بجذرها، تستمد منه الماء، حتى وإن كانت منقطعة بالمسافة عنه، هنالك رابط غير مرئي يصل بينهما، وهو ما دفعها لأن تقول حين قررت العودة إلى تونس مغادرة إيطاليا: "علينا أن نتعامل مع الماضي والعودة إلى أصولنا، أشعر بأن هذا الوقت المناسب بالنسبة إلي".

وتصف مريم كيف تتم معاملة المرأة في تونس، وماري تتعجب من هذا الفارق الغريب، في العادات والطباع وطريقة الملبس والتفكير، لكن مريم وعلى الرغم من تحررها فكريا، ومغادرتها تونس لملاقاة حبيبها الإيطالي، كانت تحن إلى أصولها.

إخفاء

وروت ماري على لسان مريم طريقة تناول المرأة في بلادها بالقول: "من الأفضل إخفاء الكنوز التي نملكها، كانت تقول عندما تسمعني أتحدث عن مشاريعي، أو عندما تراني أخرج مرتدية تنورة قصيرة وقميصا يكشف الصدر. بالنسبة إليها الجسد والأحلام هي أشياء ثمينة ينبغي الاحتفاظ بها مخفية عن العالم".

هذا الغطاء الفكري في كافة مناحي الحياة، الذي اعتادت عليه، جعلها دائما منكسرة، بلا محاولات واضحة لتغيير حياتها للأفضل، معتقدة أن الأشياء هي من تباغت الإنسان لا العكس. في حين أن تجربة ماري كانت مغايرة تماما، وذلك لاعتمادها على منسوب الحرية التي نشأت عليها، وتحررها دون أي ذعر أو مخاوف، ذلك جعل من تركيبتها على النقيض من مريم، جريئة ومقدامة في انتهاز الفرص في الحياة، والمحاولة المستمرة للتغيير.

منصات التواصل

وفي محور ثانٍ، كان الحوار مع السائق هادي بهدف كشف تفاصيل ما قبل الثورة التونسية، من منع وقهر لإرادة الشباب. تقول فرانشيسكا على لسان السائق قبل الثورة: "في تونس نعيش حرية وهمية، ورفاهية مزعومة، قليلون أولئك الذين يحظون بحرية اختيار".

وتبين الكاتبة الإيطالية، من خلال حوار ماري وهادي، كيف ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في فرصة التغيير في تونس، وما الذي عاد على شباب الثورة بفعل وجود هذه المنصات. فتكتب: "وكان الموقع الاجتماعي فيس بوك أساسيا في كشف أكاذيب الحكومة للعالم أجمع.. يوجد بين التونسيين قراصنة مهرة تمكنوا من حجب المواقع الحكومية قبل بضعة أيام“. وتكمل: "لقد نجحت شبكة الإنترنت في رمي الكرة في الشبكة، لقد أخرجت العديد من الأشخاص من عزلتهم، وربطتهم ببعضهم البعض، وجعلتهم يتلاقون ويتحدون ويناضلون لتحقيق هدف مشترك".

شارك هذا الخبر!