الشريط الاخباري

اتفاقيات التطبيع الخليجية تعكس حالة نظما سياسية تخشى على عروشها بقلم اكرم عطاالله العيسة

نشر بتاريخ: 29-09-2020 | أفكار
News Main Image

لم يكن دونالد ترامب يحلم عندما رفع شعاره المشاغب " لا حماية دون ان تدفع المال" انما كان يعرف بدقه ما يريد وهو قول يشبه فلسفة قادة المافيات وزعران الحارات في بعض شوارع العالم التي لا تحظى بالامن والامان ، وهو ما نسميه في عالمنا العربية "الخاوة" بمعنى عليك ان تدفع مقابل حمايتنا لك ومقابل ان نمنع عنك اي اذى محتمل.

في مؤتمر صحفي بتاريخ 24 نيسان 2018 جمع بين الرئيس الامريكي ترامب والرئيس الفرنسي مكارون قال ترامب " هنالك دول لن تبقى لأسبوع واحد دون حمايتنا. عليهم دفع ثمن مقابل ذلك" وكان ذلك اشاره واضحه الى الدول الخليجية. لم يكن ذلك يعبر عن هفوة او عبارات عادية لملىء خطاب سياسي انما هو تجلي للشعار السابق من قبل ترامب "لا حماية دون ان تدفع المال" لذلك نجد انه يكرره وبصلف اكثر وضوحا في خطاب له في تجمع انتخابي 23/10/2018 -ساوثافن – ولاية مسيسبي الامريكية حين قال " قلت صراحة للملك سليمان انه لن يظل في الحكم لاسبوعين من دون دعم الجيش الامريكي"

لم تكن هناك اية ردود تذكر من قادة دول الخليج على تصريحات دونالد ترامب واما الموقف السعودي فكان باهتا ضعيفا ويؤشر الى قبول وبلع الاهانة الامريكية حيث قال ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان في مقابله مع وكالة بلومبرغ الامريكية (اوكتوبر 2018) "أحب العمل مع ترامب، تعرفون، يجب ان تتقبلوا ان اي صديق سيقول امورا جيدة واخرى سيئة" هذا هو الرد السعودي على الاهانه العلنية وغير المسبوقة من قبل ترامب.

من الواضح جدا حالة الاستعلاء التي تتصرف بها الولايات المتحده وهي تدرك حقيقة ان مثل هذه المنظومة من الدول لا تمتلك السيادة على قراراتها وهي تشعر في دواخل نفوسها بانها ضعيفة وهشة امام اية تهديدات سواء داخلية او خارجية، فعلى الصعيد الداخلي فهي انظمة شمولية وقبليه وصلت الى سلطتها نتاج توافقات عشائرية وقبلية، والا كيف لنا ان نرى على سبيل المثال مملكة البحرين تسيطر فيها الاقلية السنية " او بشكل ادق جزء من الاقلية السنية) تسيطر على البلاد علما ان الاغلية الساحقة من مجموع سكان البحرين الاصليين هم من الشعيه بشقيها العربي والايراني.

اما الامارات العربية المتحدة فان اطلاله بسيطه على خارطتها السكانية يؤشر الى ان البلد وعلى الرغم من ان قيادتها الرسمية اماراتية موزعه على مجموع الامارات السبع التي تتشكل منها وهي قبلية وعشائرية اصاغت دستورا يزيد من سيطرتها على الحكم الا ان الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تلقي باثرها على القرارات السياسية وتحد من سيادية قيادة الامارات السياسية، فالعدد الكلي لسكان الامارات هو ما يقارب 9 ملايين نسمة اما عدد السكان الاصليين فيتراوح ما بين المليون والمليون ونصف (حيث ان الدراسات والاحصائيات مختلفة ومتباينه حول الرقم الدقيق بسبب ما يعرف بعمليات التجنيس) وبالتالي فان نسبة السكان الاصليين الى مجموع السكان العام هي 17%. ان هذا الرقم السكاني يؤشر الى حجم الاثر الذي تتركه الغالبية من السكان في الامارات والتي هي من جنسيات مختلفة لا هم لها الا العمل وان البلد اي الامارات ليست الا مصدرا للدخل لا اكثر ولا اقل.

بالمقابل فان الاستثمارات والشركات العالمية المتعددة الجنسيات و العابره للقارات التى تعمل في الامارات وجلها الاكبر امريكيه وانجليزية واوروبية وكذلك اصحاب الرساميل اليهودية المنشره عالميا والتي لها سطوة في امريكا واوروبا لهم باع طويل وهي التي تتحكم بزمام السيطره السياسية الفعليه ، وهي التي حولت الامارات الى مركز تجاري عالمي ، وتفرض اجنداتها على القيادة السياسية على الامارات، اما القول بحكمة القيادات الخليجية وقدرتها على تحويل الامارات الى مركز جذب عالمي للتجاره والرساميل، فهو لا يمثل الا حكمة بعض اصحاب المال التي ليس لها مصلحة الا زيادة استثمارها وثروتها بغض النظر عن الابعاد الوطنية والقومية او العربية او حتى الدينية.

يقول وزير الاستخبارات الاسرائيلي ايلي كوهين في مقابله له على محطة البي بي سي وعندما تم سؤاله لماذا لا توافق دولة اسرائيل على ان تقوم الولايات المتحدة الامريكيه بتزويد الامارات بطائرات اف 35 طالما اصبحت الامارات العربية المتحدة دولة صديقة كما يقول ويردد القادة الاسرائيلين – وكان رده "يجب ان نحافظ دائما على قدراتنا التي تحمي تفوقنا فيما يتعلق بالامن والقوة العسكرية ولن نوافق على اي اتفاق قد يغير من دور وقدرات اسرائيل على كونها دوله متفوقة عسكريا" ويقول ايضا وبلغة تفوح بشعور التفوق والعنصريه والاستعلاء ان دول الخليج العربي تمتلك الموارد وان دولة الاحتلال تمتلك التطور التكنولوجي في شتى المجالات الحيوية.

ان هذه الصلافة والعنجهية الاسرائيلية لم تأتي من فراغ، انما نبعت من ادراك القادة الاسرائيلين بان دول الخليج العربي بمعظمها لا تمتلك القدره لقول لا مانعه وقوية عندما يكون الطلب من السيد الامريكي الذي تتماثل مواقفه مع القيادة الاسرائيليه.

على الجانب الاخر، فان الادارة الامريكية في عهد ترامب وعندما اتخذت قرارها بالغاء اتقاقية 5+1 مع ايران فان هذه الاداره قد اعطت اهتماما اكبر للجانب الاقليمي فيما يتعلق بمحاصرة ايران واعطاء فرصه اكبر للتوسع والسطره الاسرائيليه ، وفي هذا السياق زادت من حالة ترهيب الدول الخليجية والسعودية مقنعة هذه الدول بانه لا مناص امامها من مواجهة ايران وكذلك حولت ايران الى بعبع سيقوم بالانقضاض عليها في اية لحظة ، وبالتالي فان الخيار الوحيد امامها هو اتفاقيات تطبيعية كامله مع دولة الاحتلال، علما ان الكثير من الحقائق على الارض تؤشر بانه بالامكان ان تتجنب دول الخليج اية مواجهة مع ايران فيما لو بدأت علاقات اكثر انفتاحية ونأت بنفسها عن الارتباط بدولة الاحتلال الذي هدفها الاساسي السيطره على مقدرات العالم العربي وتهميش القضية الفلسطينية وضرورة الوصول الى حل عادل للفلسطينيين يزيح عن كاهلم هذا الاحتلال ويسمح لهم باقامة دولتهم المستقله، لكن واقع العلاقات ما بين الولايات المتحدة والدول الخليجية لا يقوم على التكافؤ والندية بل تشير الكثير من حقائق التاريخ ان امريكا وشركاتها في الخليج العربي هي سيدة الموقف والقرار، وهي المتحكمه بالكثير من القرارات السياسية ذات البعد الاستراتيجي .

شارك هذا الخبر!