الشريط الاخباري

مراسل PNN : باسل الاعرج في ذكراه الرابعة .." المثقف " مات واقفا .. والذكرى باقية

نشر بتاريخ: 05-03-2021 | سياسة , PNN مختارات , قناديل من بلدي
News Main Image

بيت لحم /PNN/ نجيب فراج – كان فجر السادس من اذار من العام 2017 يوما غير عادي في فلسطين حين قامت قوة عسكرية اسرائيلية باقتحام مدينة البيرة وسط الضفة الغربية ومحاصرة احد المنازل المتواضعة في المدينة والذي كان يتحصن به الشاب الفلسطيني المطارد باسل الاعرج وقامت بقصفه بصواريخ ال انيرجيا الشهيرة ما ادى الى استشهاده بعد اشتباك مع القوة المحاصرة استمرت لبعض الوقت وبعد ذلك اعلن عن استشهاده.

تعتبر حالة باسل الاعرج الذي اطلق عليه لقب المثقف المشتبك من ابرز حالات المطاردين الذين برزوا قبل عملية الاستشهاد حيث احتجز اولا في سجن بيتونيا لدى الامن الفلسطيني لنحو عشرة اشهر هو اربعة من رفاقه الذين اضربوا عن الطعام لمدة 14 يوما ومن ثم اخلي سبيلهم فاعتقل الاربعة فورا من قبل قوات الاحتلال وامضوا في السجون الاسرائيلية مدة سنة ،وبعضهم عاد الى السجون مرة اخرى ولكن باسل رفض تسليم نفسه للإسرائيليين فتحول الى مطارد اختفى عن الانظار وظلت قوات الاحتلال تداهم منزل عائلته في قرية الولجة الى الشمال الغربي من بيت لحم مرارا منذ شهر تشرين اول من عام 2016 الى ان اعلان عن استشهاده وتعرض والده واشقائه الى الاضطهاد الاسرائيلي والضغط المتواصل من اجل تسليم ذاته ولكن والده كان يبلغ المخابرات الاسرائيلية انه لا يعرف عن مصير ابنه اية معلومات ، ليصبح رمزا للمقاومة ولفئة المثقفين المشتبكين بحسب ما يقول العديد من النشطاء الفلسطينيين الذين عرفوه عن كثب فهو مقاوم وثائر فلسطيني, ناشط ومثقّف وباحث وصيدلي متخرج من إحدى الجامعات المصرية، اشتهر بكتاباته وتنظيره للثورة والمقاومة.

ولم تقتصر مساحة الاهتمام بمسيرة باسل وثقافته وتمسكه بوطنه كاملا بدون أي نقصان بحسب ما كان يقول دوما “ففلسطين هي ببحرها ونهرها كاملا بدون أي نقصان واذا ما تمكنا حتى من استعادة الجولان فلن نقول لا ، لاننا الفلاحين دائما نطمع للزيادة”، عند حد مطاردته ومن ثم استشهاده بل ان الوصية التي وجدت في المنزل الذي تحصن به احتلت مساحة هامة ايضا وجاء في هذه الوصية ” تحية العروبة والوطن والتحرير، أما بعد إن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أنّي قد مت، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله أن ألاقيه بقلبٍ سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء.

لكم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها، لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة.

وأنا الآن أسير إلى ان الاقي حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد، وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهور طويلة إلا أن ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم فلتبحثوا أنتم أما نحن أهل القبور لا نبحث إلا عن رحمة الله”.

كما ان قضية استمرار محاكمة باسل ورفاقه في محكمة فلسطينية رغم استشهاده ووجودهم في السجن احتلت ايضا مساحة كبيرة عقول المواطنين وتحولت الى راي عام الامر الذي جعل المستوى السياسي الفلسطيني ان يتدخل ليضطر لالغاء هذه المسألة بعد احتجاجات قوية على ذلك وتعرض بعضهم للضرب اثناء عملية الاحتجاج.

واحتجزت قوات الاحتلال جثمان الشهيد باسل الاعرج لمدة عشرة ايام ومن ثم قامت بتسليمه ليجري تشييعه في مسقط راسه بموكب مهيب شارك فيه على الاقل 20 الف مشارك قدموا من كل حدب وصوب من كافة قرى ومدن ومخيمات فلسطين التاريخية حيث وصلوا الولجة التي تحولت الى ثكنة عسكرية من قبل قوات الاحتلال وساروا في شوارعها بموازاة جدار الفصل العنصري الذي قسم اراضيها بطولها وعرضها ليقدموا بعض الوفاء لباسل الذي سقط واقفا في مواجهة الهجمة الاستعمارية على فلسطين كما كان يحلو له الوصف، ولعل مشهد والده الذي كان مرفوعا على الاكتاف ليلقي تحية عسكرية اتقناها بكل اقتدار لدرجة ان المشاركين اعتقدوا انه كان عسكريا في زمانه وهو ليس كذلك.

وامتلأت العديد من الجدران في مدن فلسطين ومخيماتها وقراها ومن بينها الناصرة وحيفا وبيت لحم ورام الله والخليل بجداريات لها معنى كبير تحكي قصة باسل واستبساله.

وكتب في رثاء باسل الكثير الكثير من النصوص التي عكست مكانة وقيمة نضاله ومواقفه الثابتة التي عكسها بجدارة وقدرة وجرأة لا يمكن وصفها وانشأ صديقه الدكتور خالد عودة الله يقول ” سلام عليك يا باسل ، يا زعترا بريا يخضر ويزرق، يا صبارنا الابدي ، يا نجم سهيل في ليل الحائرين، يا خنجر سليمان يفقأ قلب المستعمرين، يا دقات القلب مكتومة في الكمين، سلام عليك يا نحيب ام الشهيد في ليل الشتاء الطويل ، يا عين الحنية لاتنام، ويا حنين الولجة الى الولجة، يا صهيل الخيل في مراحها الفسيح، سلام عليك يا كرامة زيتونة البدوي، تعض القيظ وتسقي، يا وفاء القصب، سلام عليك يا دروب البلاد الى البلاد، يا لسعات مدفع غسان كنفاني، يا حنظلة ناجي العلي يدير ظهره للدنيا ويستقبل فلسطين، سلام عليك يا رعشة الحور مبللالا بالدم القاني، سلام عليك يا وجعنا الباقي، سلام عليك الى ان نلقاك كما لقيناك مطرزا بالشظايا موشوما بالرصاص سلام عليك يا بياض النوارس على مآذن يافا، يا عباءة القسام تلوذ بها حيفا ، يا مزاج سلواد العنيد”.

ورغم مرور عامين على استشهاده فقد بادر المئات الى كتابة تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي يستذكرون هذه الذكرى ويحيونها على طريقتهم الخاصة فمنهم من كتب مواقف للشهيد شاهدوها عن قرب ومنهم من انشأ شعارات تعبر عن مكانته، وما ميز هذه التعليلقات شمولها من الناحية الجغرافيا من غزة جنوبا وحتى حيفا والناصرة وعكا في الشمال وكافة مواقع الشتات الفلسطيني بل هناك الكثير من المعلقين كانوا من دول عربية مختلفة.

وكتبت هناء فياض عن ذلك الضابط الاسرائيلي الذي تحدث لوالده قائلا :”قبل ما تشوف صورة الجثة عشان تتعرّف عليها لازم تكون فاهم إنها بتختلف حالياً عن صورته دائماً وممكن تكون مشوهة بفعل الرصاص والشظايا”.

قال أبو السعيد للضابط بعد المعاينة “الله يرضى عليه، عمري ما شفته أحلى من اليوم “ اما الناشط راني سلامة فكتب يقول مرفقا نص وصيته ” إن كُنت تقرأ هذا فهذا يعني أَنّي قد مِتُّ , وقد صَعدت الرّوح إلى خالقها ” .

وكتب سعد وهادي يقول “في مثل هذه اللحظات، بدأ العد العكسي، ضباع اليمام على بعد ساعات من مكمن النيص المطارد، ستنام رام الله بعد قليل، و تبقى عيون ذئب الولجة متيقظة حذرة تترقب خفافيش الغدر القادمة، مخلب من الكارلو و انياب من الام 16، تشحذ لتصلي الغزاة القادمين حميم الثأر المقدس بعد ساعات، سيوقع العاشق الصادق بالدم و الأشلاء، خاتمة الصفحة الاخيرة من سيرة المجد، باحثا، مثقفا، مؤرخا، ناشطا، متظاهرا، مقاتلا بالحجر و الكلمة، صلبا، عنيدا، مطاردا، اسيرا، مطاردا فشهيدا صنديدا مشتبكا حتى الرصاصة الاخيرة، حيا كالنيص مقاتلا كالبرغوث راحلا كالعظماء مكللا بالمجد و السؤدد و الشرف

كتب و مجلات و روايات انهت مهمتها، وصية وجيزة بليغة عميقة مركونة في جانب الغرفة، كوفية تعلن النفير على كتف المقاتل، و سدة تقابل الباب ستسحيل خندقا و متراسا تنفجر رصاصا في وجه الاوغاد الذي سيخفضون رؤوسهم هلعا من صليات ابي سليمان، سدة ضيقة ستتسع بإذن ربها ملئ السماء و الارض ، ليعرج الاعرج منها الى الجنة باسلا مقبلا مخلصا مطرزا بالشظايا موشوما بالرصاص

ساعات و يحل الفجر، فجر السادس من آذار، سيمتزج فيه صوت الأذان بأزيز الرصاص و دوي القنابل، غير ان شمس رام الله التي اعتادت ان تصافح وجه الباسل في نهاية كل ليلة رباط، ستشرق اليوم باردة شاحبة ترسل اشعتها لتقتبس نورا من خيوط الدم و فوارغ الرصاص التي تملئ اركان منزل في ضواحي المدينة، تفوح منه رائحة البارود و تأمه الحشود لتطوف في اركانه، باحثة عن اجوبتها، كما اوصاها ذو الصوت المجلجل في المدى ” وجدت اجوبتي، فلتبحثوا انتم، و هل هناك ابلغ و افصح من فعل الشهيد “

شارك هذا الخبر!