الشريط الاخباري

على طريق المسار تجربة ساعات لن تمحوها سنين طويلة بقلم: محمد مسالمة

نشر بتاريخ: 28-04-2021 | أفكار
News Main Image

بقلم: محمد مسالمة

في نقطة التجمع في الخليل- عند تقاطع الطريق مع مدخل بلدة بيت أمر- والتي أعلنت عنها أريج من مسار فلسطين التراثي، وقفت أنتظر المشاركين في الرحلة التعريفية للمقطع الجديد، الذي يبدأ من قرية بيت مرسم جنوب الخليل ويمتد حتى بلدة ارطاس جنوب بيت لحم.

هذا المقطع الجديد جاء ليكمّل من حيث ينتهي المسار الرئيسي، الذي يبدأ من رمّانة شمال جنين، ويجوب كل محافظات الوطن حتى بيت مرسم، ينشّط السياحة المجتمعية، تراه على الخريطة كالشريان في الجسد، يسري فيها بكم هائل من المعلومات التي تحكي وتروي وتوصف الحياة الفلسطينية بكل ما تحويه من فرح وإبداع وأمل وألم ومرارة احتلال.

صعدنا في الحافلة، إذ كانت تقل الزملاء من رام الله وبيت لحم، والمنسقين للرحلة من مسار فلسطين التراثي بوجود مدير المسار السيد جورج رشماوي ومنسقة المقطع الجديد غيداء راحيل، والشركاء من مؤسسات ايطالية ورئيس تحرير شبكة PNN منجد جادو، ومجموعة من الزملاء الصحفيين، ففي هذه الجولة، من المقرر أن نمشي على المقطع الخاص ببلدة صوريف، ثم نكملها في التعرف على أربعة مشاريع في بلدات أخرى تقدم خدماتها المميزة للزوار على طريق المسار.

في بلدة صوريف يمتد المسار بين جبال وأودية وأماكن للاستراحة وسط الأشجار الحرجية، تمضي السير في راحة وأمان ومتعة المشاهدات للنباتات البرية والمزروعات التي يتابعها الفلاحين بعناية هنا، يقطفون ثمارها ويجلون عنها ما يضرها لتعطي أكثر.

يتعرف العابر لهذا المسار على تقاليد وعادات أهل صوريف في عمل الملتوت بالزيت، وحكايات تراثية عن الأكل والزواج وفلسفة الأشياء التي تعيش فينا ونعيش فيها، يسردها الدليل السياحي عبد دبابسة وتكتشف بعد ذلك أنك تمارسها في حياتك ولا تعرف سوى القليل عنها، لقد حان وقت شرب الشاي على نار هادئة أوقدناها في ظل الأشجار المرتفعة، تفوح برائحة الزعتر والميرامية الجبلية والأعشاب الطبيعية التي ترونها على أطراف المسار، والتي ذاتها تستخدمها منتهى في بيت عوا لتصنع الصابون العلاجي، حيث تعرّفنا عليها في مشغلها الصغير.

وجدنا أنفسنا على مقربة من رائحة صابون المعمورة في بيت عوا، الذي أخذ اسمه من مكان تراثي في البلدة هو (جرن المعمورة)، تلك المشغل الذي يختص بإنتاج الصابون العلاجي من الأعشاب الطبيعية، كصابون الميرامية والشوفان والنعناع والاوليفيرا والعسل والكركم وغيرها، وكل واحدة منه لها فوائدها بتفتيح البشرة أو حماية الشعر من التساقط والتخفيف من حب الشباب.. الخ، صابون له رائحة فواحة وأشكاله متنوعة.

على مسافة دقائق قليلة بالحافلة، يجلس الحاج اسحق الحروب على كرسيه أمام المتحف الذي جمع مقتنياته على مدار ثلاثة أرباع القرن من حياته وأكثر من ذلك حيث ورث بعضه عن أجداده وحافظ عليه، وجمعه في غرفة دسمة للتاريخ والتراث. ترى فيها كل ما يلامس جوانب الحياة العتيقة من أدوات أكل وزينة وطرب ولباس وفكر وقصص وكتب وأدوات منزلية ومفاتيح بيوت، أصبحت أثراً بعد عين.

اسحق معلم مدرسة متقاعد، تجاوز عقده الثامن، يتحدث لنا بالانجليزية، ويعزف على آلتي الربابة والمزمار، ويغنّي بألحان الأغنية الشعبية – زريف الطول، ووين ع رام الله- بكلمات مستوحاة من البيئة التي يعيش فيه، يغني للحب وللجمال والحياة.

أكملنا المسار إلى بيت أولا، حيث تنتظرنا "حنان" وزميلاتها في مقر النادي النسوي، حيث تتناول من يديهن أكلات شهيّة، يقدّمن هنا منتجات غذائية إلى جانب بيت الضيافة الذي أنشأه النادي ليستقبل الزائرين للمسار، في خدمات المبيت والمأكولات.

تجربة ساعات قليلة، لن تمحوها سنوات طويلة من ذاكرتك، حول هذا الغنى السياحي الثقافي والحياتي الذي أتحدث عنه، مع العلم أنه في عينة من المجتمعات التي تقع على المقطع الجديد للمسار، وهو كذلك شيء قليل بالنسبة للمسار الكلي الذي يعبر أنحاء المحافظات، ويمارس البعض في مقاطع أخرى منه رياضة التسلق والسباق وغيرها، ولا شك أنه كفيل بأن يكون إضافة جميلة لتجربتك الشخصية.

شارك هذا الخبر!