الشريط الاخباري

إنتفاضة القدس والقفزة الكبرى بقلم عيسى قراقع

نشر بتاريخ: 10-05-2021 | أفكار
News Main Image

نشرت مواقع التواصل الاجتماعي فديو للشاب المقدسي ابراهيم الصوص 19 سنة وهو يتصدى لقوات الاحتلال الاسرائيلي بالقفز فوق رؤوس جنود الاحتلال متحدياً اجراءات اغلاق باب العامود بالقدس، جرى الاعتداء الوحشي على الشاب الصوص الذي قفز الى الاعلى والى الامام وجرى اعتقاله ومن ثم افرج عنه بعد الحكم عليه بالابعاد عن القدس لمدة شهر ودفع غرامة مالية بقيمة 5000 شيكل.

هي القفزة الكبرى في انتفاضة القدس المشتعلة في وجه المحتلين خلال شهر رمضان الجاري، القفزة التي جاءت بعد 54 عاماً من الاحتلال و74 عاما على النكبة، قفزة الفتى الصائم الشجاع الذي يمثل هذه الأجيال الفلسطينية والتي لم تعد تحتمل سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري والقمع الوحشي الاسرائيلي، جيل اختار الصعود الى الاعلى، يرفض الخضوع تحت اقدام الجنود وبساطيرهم، جيل لم يعد يسمح لأحد أن يجذبه للأسفل، جيل وصفه محمود درويش بأنه يولد من الشظايا ومن الزوايا ومن الهزائم ومن البراعم ومن الحكاية بلا نهاية، قوة الحق الفلسطيني تتوالد في هذه الطاقات الشابة، الطاقة التي تشعل في الجسد والروح كل اسباب الارادة والقدرة على الحياة والطيران، هو التحدي المقدسي الذي لا ينتظر احداً، قفزة كبرى واحدة الى الأمام لابراهيم الصوص هي الصاعق الزمني الذي فجر انتفاضة القدس.

القفزة الكبرى حطمت اضلاع الصندوق المغلق، سياسة فرض الأمر الواقع والهيمنة والسيطرة بالاستيطان والعزل والجدران، التهويد والطرد والاعتقالات والقتل الميداني التي تنفذها سلطات الاحتلال على مدار الساعة بحق سكان مدينة القدس، قفزة اخترقت حاجز الصوت ودوي الطائرات وحشد الجنود ومتاريسهم ودروعهم، القفزة تقول: القدس أوسع من مدينة يحاصرها الأعداء، القدس المدينة الوحيدة في العالم التي تجتمع فيها كل كواكب الارض في عين الشمس ويمر عن أرضها الأنبياء.

القفزة الكبرى في انتفاضة القدس هي التحدي الفلسطيني لسياسة الابرتهايد الاسرائيلي وتفريغ مدينة القدس من اهلها وتشريد سكانها في حي الشيخ جراح، هي التحدي لعصابات المستوطنين وعربداتهم واعتداءاتهم على الاماكن الدينية المقدسة، قفزة سياسية اعلى من صفقة القرن ومخططات التطبيع والقمع اليومي، قفزة الى الاعلى، المقاومة بالاجنحة البشرية والحجارة وتحريك غبار الارض ورياح السماء.

القفزة الكبرى للشاب ابراهيم الصوص في انتفاضة القدس اعلنت ان القدس ليست مجرد صندوق انتخابات يوضع هنا وهناك، القدس ليست طوابير يصطف فيها السكان امام مكاتب البريد تحت الحراسة الاسرائيلية، الانتخابات في القدس تجري الان بابعادها السياسية والقومية، انتفاضة الهوية الفلسطينية، انها اعلان سيادة الشعب الفلسطيني على ارض القدس، الخروج من الظل ومن العتمة ومن السجن، المقاومة والمواجهه والمرابطة المشتبكة مع اركان الصلاة.

عرف التاريخ مايسمى (القفزة العظيمة للأمام) في عهد القائد الصيني ماوتسي تونغ من خلال برامجه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بهدف تحويل الصين الى دولة صناعية واشتراكية حديثة وذلك بين أعوام 1958- 1961، ولكن قفزة ابراهيم الصوص في القدس كانت اكثر سرعة في الوصول الى التغيير وقلب المعادلة، القفزة اعادت القضية الفلسطينية وقضية القدس الى الاهتمام الاقليمي والدولي، القدس هي من يشعل شرارة الحرب ومن يضيء اشجار السلام، القفزة الكبرى حطمت اسطورة الهيكل وعطلت الجرافات والحفارات الاسرائيلية واستنفرت كل القوى المنتجة في العقل والارادة الفلسطينية، القفزة التي لا تحتاج الى امكانيات مادية او عسكرية، قفزة ملائكية خارج التوقعات والتصورات الاسرائيلية.

القفزة الكبرى في انتفاضة القدس تقول ان اي شعب يحتل الاعداء ارضه وسمائه وحياته وتاريخه وصلواته سوف يجد لحظة مواتيه متوثبة تلهب الواقع وتكسر القيود، لحظة خارج حسابات اجهزة الأمن وبرامج هندسة البشر والجغرافيا وحشر الناس في معازل ضيقة كالعبيد.

القفزة الكبرى لابراهيم الصوص هي الاستمرار في التحليق الى الاعلى، تراكم الانتصارات والمنجزات التي حققها المقدسيون منذ هبة القدس عام 2015 حتى الان، مسيحيون ومسلمون، رجال ونساء، اطفال وشبان وشيوخ، يدافعون عن وجودهم في القدس عاصمة دولة فلسطين، القدس العربية لا بالشعارات وانما بالصمود، القفز عن الاسلاك الشائكة، الصمود في اقبية سجن المسكوبية، المسيرات والهتافات والاعلام والكوفيات الفلسطينية واللغة العربية.

القفزة الكبرى لانتفاضة القدس التي جسدها الشاب ابراهيم الصوص هي اعادة اكتشاف الحاجة للخروج الى الشوارع، ترك المكاتب والخطابات، الخروج الى شوارع القدس ومن هناك على الجميع ان يقفز ليرى يافا والنقب والجليل، اعتمد على يديك وقدميك واقفز تشم رائحة وقود في الهواء كفيلة ان تشعله اي شرارة، اي حجر او دعاء، فمصير دولة اسرائيل لم يعد يعتمد على ترسانتها النووية ولا على اقامة علاقات تطبيع مع الدول العربية وتجاهل حقوق الفلسطينين ومصيرهم، بل اصبح معلقاً على ما يجري في شوارع القدس وحاراتها وعلى ما احدثته القفزة من انتفاضةٍ اذهلت الاصدقاء قبل الاعداء.

شارك هذا الخبر!