تل ابيب/PNN/أعد مركز دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، تقريرًا سنويًا عن التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل للعام 2022، وقد قدموا نسخة عنه لرئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ في اجتماع احتفالي كبير، الذي بدوره أشار إلى أنه بجانب تشخيص التقرير للتهديدات الاستراتيجية، فإن التقرير يشير إلى الفرص الكامنة ونوافذ الأمل التي تؤكد - بحسب هرتسوغ - على "أننا نعيش فترة تتأكد فيها أكثر القناعات الاقليمية بأن مستقبل الشرق الأوسط مبني على الشراكات، فالتعاون مع أصدقائنا ليس لأجل مواطني إسرائيل فقط؛ بل لأجل جميع مواطني الشرق الأوسط".
التقرير يحدد ثلاثة تهديدات كتهديدات استراتيجية للعام 2022، وبخلاف العام السابق، فقد اعتبر التقرير ان التهديدات الثلاث تتساوى في مخاطرها وأولوياتها، ولم يقدّم أي منها عن الآخر، وأن التحدي الرئيسي يكمُن في مواجهتها مواجهه شاملة مترابطة ومتكاملة. وبحسب التقرير، فإن التهديدات الثلاث هي: الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية وهو ما يسميها بالساحة الفلسطينية، والساحة الداخلية الإسرائيلية.
الملف النووي الإيراني: يرى التقرير أن إيران تشكّل التهديد الخارجي الأكثر خطورة، وبالأخص ما يتعلق بسعيها الحثيث للحصول على قدرات نووية عسكرية، في ظل صعوبات إسرائيلية بنوية لمواجهة هذا التحدي لوحدها، وأيضًا مواجهة كل التحديات الأخرى الناتجة عن السياسات والتوجهات الإيرانية، وفي ضوء الاحتياج الكبير الذي يفرضه الأمر، لتعميق التنسيق والتفاهم مع أمريكا، حتى لو توصلت الدول العظمى لاتفاق مع إيران أو فشلت في ذلك، هذا فضلًا عن أن إيران لا زالت تتمسك بساسة التدخل وبناء نفوذ إقليمي، بما في ذلك محاولاتها لخلق تهديد عسكري شامل على إسرائيل، وتحديدًا عبر تطوير صناعة الصواريخ الدقيقة لصالح حزب الله في لبنان وميليشياتها في سوريا، بالإضافة لتسليح أصدقائها بالطائرات المسيرة القادرة على اختراق سماء إسرائيل.
كما ان تقدم إيران في برنامجها النووي يمنحها قدرة وصول إلى تصنيع القنبلة في فترة زمنية قصيرة إذا ما قرر النظام ذلك، كما يغريها ويدفعها لعدم العودة إلى الاتفاق السابق بدون مقابل جيد، وهو أمر من الصعب على الإدارة الأمريكية أن تلبيه، سواء من حيث القدرة أو الاستطاعة، كما تعززت لدى إيران القدرة على مهاجمة أعدائها بواسطة حلفائها.
إسرائيل من جهتها (كما جاء في التقرير) توجد في حالة ارتباك استراتيجي في مواجهة التهديد الإيراني، فسواء توصلت إيران مع الدول العظمى إلى اتفاق جزئي أو راوحت المفاوضات في مكانها أو وصلت إلى طريق مسدود؛ فكلها تعتبر نتائج سلبية بالنسبة لإسرائيل، كما ان معارضة إسرائيل لأيّ اتفاق سيجعلها معزولة وبدون خيارات سوى الخيار العسكري.
الساحة الفلسطينية: الساحة الفلسطينية ليست ثانوية يُمكن احتواؤها بشعارات مضللة مثل "تقليص الصراع"، هذه الحقيقة اتضحت السنة الماضية أثناء جولة القتال في عملية "حارس الأسوار"، غياب حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يجعل إسرائيل تواجه تهديدًا لهويتها كدولة يهودية وديموقراطية، وتهديدًا لمكانتها الدولية.
الوضع الأمني في الضفة الغربية على حافة الغليان بسبب ضعف السلطة الفلسطينية وتأطر الفصائل والشارع ضدها. رغم ان الوضع لا زال تحت السيطرة بفضل النشاط المتواصل للجيش و"الشاباك"، وبفضل التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة؛ مع ذلك السلطة تضعف ويُمكن أن تصل إلى عدم القدرة على أداء وظيفتها، في مرحلة يزداد فيها الشعور بالإحباط لدى الجيل الفلسطيني الشاب، وهو ما يقوده إلى التفكير في مفاهيم "الدولة الواحدة". وفي الساحة الدولية تزداد الانتقادات ضد إسرائيل التي تعمل على إفشال حل الدولتين، وتزداد مخاطر اتخاذ إجراءات قانونية ضد إسرائيل ووصفها كدولة أبرتهايد.
أمام قطاع غزة، تواجه إسرائيل ذات المعضلة المعقدة التي واجهتها منذ سنوات طويلة، وهي الحاجة للقيام بخطوات إنسانية عاجلة ومنع التصعيد الأمني واستعادة الأسرى والمفقودين ومنع تعاظم سلطة حماس وقوتها.
الساحة الإسرائيلية الداخلية: يوجد تهديد اجتماعي خطير الناتج عن الاستقطاب والشقاقات والفوارق والتطرف، فضلًا عن التآكل المتزايد في ثقة الناس بمؤسسات السلطة؛ كل ذلك في ظل وجود فجوات معروفة للاستعداد لمواجهة حرب متعددة الجبهات وكثيرة الضحايا، بما في ذلك مواجهات بين اليهود والعرب، وهذه الساحة تحديدًا تعتبر تحديًا كبيرًا بعد ظهور ضعف الشرطة وظهور جيوب بلا سلطة، وبسبب غياب وجود أجهزة بمستوى وطني قادرة على تقديم علاج تكاملي لكل التحديات. تداعيات أشكال الضعف هذه تمس بالقدرة على مواجهة تحديات الأمن القومي الأخرى.
دمج هذه التحديات يستوجب تغييرًا على جدول الأولويات القومية، والتركيز على استعادة الحكم داخل الدولة، وجسر هوة الانقسامات بين مختلف الفئات في المجتمع. ونظرًا للتهديدات الخارجية، يجب على إسرائيل أن تحسّن استعداداتها وجاهزيتها العسكرية، وأن تعمل في الوقت نفسه على تنمية واستغلال نقاط القوة الناعمة - إنجازاتها في مجالات التكنولوجيا والعلوم وتحلية مياه البحر والطاقة، لا سيما في ضوء التغيرات التي تحدث على جدول الأعمال العالمي، وزيادة التركيز على الحاجة إلى مكافحة تغير المناخ والآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية لوباء الفيروس التاجي. إن ضعف البلدان في الشرق الأوسط يسلّط الضوء على المزايا والأصول النسبية لإسرائيل بالنسبة للأنظمة الإقليمية والدولية.