مع كل انتخاباتٍ محليةٍ يتم إجراؤها، يعودُ إلى الواجهةِ الحديثَ عن المشاكلِ التي تعاني منها الهيئاتُ المحليةُ وكذلك البلداتُ والمدن.
ويتجددُ الحديثُ كذلكَ عن آليةِ أجراءِ الانتخاباتِ والقصورِ الذي يُعاني منه قانونُ "سانت لوغي" الخاصِ بفرزِ وعدِّ الأصواتِ التي حصلتْ عليها كلُ قائمةٍ، وتأثيرهُ على النتائجِ النهائيةِ من حيث الفائزينَ والخاسرين.
كما أن حالةَ الاحباطِ واليأسِ التي تسيطرُ على الناسِ بشكلً عام، تدفعُهم في العادةِ إلى عدمِ الاهتمامِ بالانتخاباتِ المحليةِ، أو حتى عقدِ الآمالِ عليها في التغييرِ بسببِ تجاربَ سابقةٍ، أصابتهُم بخيبةِ أمل.
لكن يجبُ طرحُ هذا التساؤل: هل الإحجامُ عن المشاركةِ في الانتخاباتِ هوَ الحلُ؟ وهل المقاطعةُ أو التصويتُ بورقةٍ بيضاءَ سيصنعُ الفارق؟ أم سيفاقمُ الوضع؟
الإجابةُ على تلكَ التساؤلاتِ مشروعةٌ بالطبعِ، كما لا يجبُ إغفالُ أحقيةِ الناسِ في إحباطها من الواقعِ المعاش، لكنَ المقاطعةَ أو التصويتِ بورقةٍ بيضاءَ لن يجلبَ إلا مزيدا من الإحباطِ والإخفاقِ، وسيوصلُ الأشخاصَ أنفسهم إلى سدةِ صنعِ القرار، وهم ذاتُ الأشخاصِ الذين تسببوا بحالةِ الإحباطِ تلك.
إن مشاركةَ الناسِ في الانتخاباتِ والحرصِ على سلامةِ أصواتِهم، واختيارِهم الصحيحُ للمرشحينَ القادرينَ على تلبيةِ مصالحِهم، والرقيِ بالخدماتِ البلديةِ المقدمةِ لهم، هو نهجٌ يجبُ تكريسُهُ من خلالِ استعادةِ ثقةِ الناسِ بتلكَ المجالس، والعملِ بكلِ جهدٍ لإشعارِهِم بأهميةِ تلكَ المشاركةِ المفضيةِ لإسهامِهم الحقيقي في صنعِ القرار، ومن ثُم تفعيلُ المساءلةِ المجتمعيةِ الحقيقية.
إن اختيارَ الناخبينَ لعددٍ منَ الأشخاصٍ لإدارةِ الهيئةِ المحليةِ أو البلديةِ، يجعلُهم أكثرَ حرصاً على نجاحِ هؤلاءِ في مهمَتِهم، وبالتالي يَسهلُ مساعدَتَهم على إتمامِ تلكَ المهمة، ومحاسبتِهِم بكلِ السبلِ في حالِ فَشِلوا في ذلك.
والعكسُ تماماً عندما يتمُ مقاطعةُ تلكَ الانتخاباتِ، لإنها تُفرِزُ مجالسَ ضعيفةً لا مباليةٍ ولا تسعى لتحسينِ الخدماتِ المنوطِ بها تقديمُها، كما يَصعُبُ في الوقتِ ذاتِه محاسبةُ المقصرينَ والفاشلينَ.
ومما يبعثُ على الإحباطِ لدى الجمهورِ أيضا، هو آليةُ فرزِ وعدِّ الأصواتِ المعتمدةِ على قانونِ سانت لوغي العالمي، الذي وُضِعَ لحمايةِ الأقلياتِ سواءٌ على اساسِ الجنسِ (نساء ورجال) أوعلى اساسٍ دينيٍ، وهنا يجبُ أن نتطرقَ إلى نقطةٍ مهمةٍ ألا وهيَ العملُ مبكراً على مناقشةِ تلكَ القضيةِ والاحتجاجِ عليها لدى الجهاتِ المختصةِ قبل فترةٍ ليستْ بالقصيرةِ من إجراءِ الانتخاباتِ، حتى لا تأتي متأخراً وينطبقُ عليكَ المثلُ الشعبيُ القائلُ حينها: "يطعمك الحج والناس راجعة".
فإذا كنت ترى أن هذه الآليةَ تظلمُ طرفاً على حسابِ طرفٍ آخرَ، أو مرشحاً ذو كفاءةٍ على حسابِ مرشحٍ آخرَ أقلَ كفاءةً منه، فيجبُ مراجعةُ هذا الأمرِ والعملِ الجماهيريِ عليهِ منذُ انتهاءِ فترةِ الانتخاباتِ، فلا تتوقعُ من الجهاتِ المسؤولةِ الاهتمامَ بمطلبكَ هذا، وتغييرِ تلكَ الآليةِ في ليلةٍ وضُحاها قبلَ يومِ الاقتراعِ بساعاتٍ.
وسواءٌ أكنتَ راضياً عن هذه الآليةِ أم لا، فهي طريقةٌ معتمدةٌ من الجهاتِ ذاتِ العلاقةِ بالانتخاباتِ، كما أن تغييرَها يتطلبُ جهداً كبيراً وخطواتٍ عمليةٍ طويلةٍ، إلا أن هذهِ الآليةَ لا تبررُ مقاطعةَ الانتخاباتِ أو ضياعِ الأصواتِ بالورقةِ البيضاءِ، فتوخي الدقة ُ والتمحيصُ في اختيارِ المرشحِ القادرِ على خدمةِ الناسِ هي مسؤوليةُ الناخبِ، الذي يستطيعُ بصوتِهِ تغييرَ هذا الواقع.
بقي أن نقولَ إنَ نجاحَ العمليةِ الانتخابيةِ مرهونُ بتكاتفِ جهودِ الجميع، بدايةً من ترشحِ أصحابِ الكفاءةِ والخبرةِ والضمير، والاختيارِ الصحيحِ للناخبين، وليسَ انتهاءً بالإشرافِ النزيهِ والشفافِ على العمليةِ برمّتها وصولاً إلى الإعلانِ عن النتائجِ.
كما تبقى الانتخاباتُ الحرةُ والنزيهةُ السبيلَ الوحيدَ للناسِ للمشاركةِ في صنعِ القرارِ، والطريقةِ الصحيةِ والمثلى لإي مجتمعٍ يسعى للرقيِ والتقدمِ والاحترامِ الإنسان.