بقلم: الدكتور عصام يوسف
رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم فلسطين
تكتسب قضية الأسيرات الفلسطينيات في أهميتها باعتبارها الصورة الأكثر تصدراً التي تقدمها المرأة الفلسطينية في إطار حالة الكفاح التي تخوضها المرأة المعاصرة ضد الظلم والاضطهاد، كونها تحمل أوجهاً وأشكالاً مختلفة ومجتمعة في الحالة ذاتها.
فقضية الأسيرات تحمل رمزية مكثفة لكفاح المرأة الفلسطينية ونضالاتها المستمرة ضد السجان والمحتل الإسرائيلي منذ عقود، تضاف لكفاحات المرأة في الوطن العربي، والعالم، ضد الكثير من الموروثات، وعلى رأسها التمييز بتداعياته المختلفة.
وتزدحم في حالة الأسيرات الفلسطينيات الدلالات الإنسانية الكبيرة والمركّبة لحالة الكفاح تلك، سيما وأنها ترسّخ عميقاً معاني التضحية من أجل الحرية والكرامة والأرض والأسرة، لتغدو معها أنموذجاً فريداً لنساء العالم، تجسد حالةً رفيعة من البذل والعطاء.
تنطلق المرأة الفلسطينية في كفاحها من رحم معاناتها التي تبدأ مع ولادتها كإنسانة ترزح تحت نير الاحتلال، ولاجئة أو نازحة، وربة منزل تكافح للحفاظ على تماسك أسرتها التي يستهدفها الاحتلال من خلال تفكيك روابطها وشملها، وعاملة أو فلاحة تعاني صنوف الاضطهاد والتضييق من جانب الاحتلال كل يوم، ومرابطة مدافعة عن مقدساتها، وفي نهاية الأمر تتوّج مسيرة كفاحها كأسيرة أو شهيدة.
ولعلاقة المرأة الفلسطينية بسجون الاحتلال ومعتقلاته تجربة بدأ تاريخها منذ النكبة في العام 1948 حيث عمد الاحتلال على استهداف المرأة واعتقالها منذ أن وطأت قدمه الأرض الفلسطينية، حيث زجّ في سجونه منذ ذلك التاريخ ما يزيد عن 16000 فلسطينية، تبقّى منهن اليوم 32 أسيرة بينهن 11 أمّاً، و6 أسيرات جريحات بحسب احصائية لنادي الأسير الفلسطيني مؤخراً.
ولا يتورع الاحتلال، الذي يضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، ولا تردعه أية أخلاقيات، عن معاملة الأسيرات بوحشية، حيث يتعرضن للضرب والإهانة والسب والشتم، وتتصاعد عمليات التضييق عليهن حال وصولهن مراكز التحقيق، وتمارس بحقهن كافة أساليب التحقيق، سواء النفسية منها أو الجسدية، كالضرب والحرمان من النوم و"الشبح" لساعات طويلة، والترهيب والترويع، دون مراعاة لأنوثتهن واحتياجاتهن الخاصة.
كما تفيد التقارير الحقوقية بأن الأسيرات يتعرضن "للإهمال الطبي، والحرمان من زيارة أقاربهن، فيما تُحرم الأمهات من الزيارات المفتوحة ومن احتضان أبنائهنَّ، ويتعرضن لكافة أنواع التنكيل والتعذيب".
وتزداد معاناة الأسيرات حدّة في عدد من السجون، كسجن "الدامون"، حيث يمكن استعراض بعض منها، بحسب مؤسسات حقوقية: "كوجود كاميرات في ساحة الفورة، وارتفاع نسبة الرطوبة في الغرف خلال فترة الشتاء، كما تضطر الأسيرات لاستخدام الأغطية لإغلاق الحمامات، وتتعمد إدارة السجن قطع التيار الكهربائي المتكرر عليهن، علاوة على "البوسطة" (نقل الأسيرات) التي تُشكّل رحلة عذاب إضافية لهن، خاصة للواتي يُعانين من أمراض، والأهم سياسة المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهن، وتحديداً المصابات".
ولإيصال صوتهن للمطالبة بحقوقهن الإنسانية لجأت الأسيرات الفلسطينيات للعديد من الوسائل كالاحتجاجات والإضراب، والعصيان، وغيرها، حيث دفعن أثماناً مقابل ذلك، إلا أنهن عبّرن عن حالة من الصلابة والصمود، إلى جانب النضج الوطني، والوعي بحقوقهن، ليخضن في سبيل ذلك معاركهن من أجل تحسين شروط حياتهن المعيشية، والتصدي لسياسات القمع والبطش.
وفي يوم المرأة العالمي، لا بد من التأكيد على أن المرأة الفلسطينية خاضت إلى جانب الرجل النضال لإثبات الوجود، وتحصيل الحقوق، والتمسك بالكرامة والحرية، وخاضوا في سبيل ذلك جنباً إلى جنب مختلف أشكال النضال، لتتحول معها المرأة الفلسطينية على مدى التاريخ الحديث كأيقونة للنضال النسوي المكمّل والموازي لدور الرجل النضالي على حد سواء.
ولا نملك أمام هذه الأيقونة، والقامة الشامخة، إلا أن نتقدم بالتحية والإجلال لتضحياتها، ونضم صوتنا إلى صوتها المطالب بالحقوق الإنسانية، وعلى رأس ذلك حقوقها كامرأة، والدعوة لمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق المرأة الفلسطينية، والعمل مع كافة المنظمات الإنسانية والحقوقية من أجل تمكينها من أداء دورها كأم ومربية وعاملة.. وفوق هذا وذاك تعزيز مكانتها كإنسانة، تنعم بكافة الحقوق التي كفلتها مختلف الشرائع والقوانين والمواثيق.