من قال أن زمان المعجزات انتهى، أو أن عصر الأسطورة قد ولى دون رجعة فعليه أن يتمهل قليلا، فلا زال في جعبة فلسطين فارسا من زمن الجمال ، خبأته لكي تثبت أنها أرض المعجزات اللامتناهية، والتي قد تأتي على شكل أسطورة، أو تتحقق على يدي نبي، أو أن تحمل على اسم يستقيم على خمسة أحرف ، يتشارك وفلسطين بالأخير منها، لكنه يتداخل معها بكل التفاصيل، فمروان وفلسطين كلاهما يحملان ذات الملامح والتضاريس، فمروان الجميل كبرتقال يافا، والشهي كينابيع نابلس، والصلب كجبال حيفا والخليل ، والنقي كأحلام الأطفال، والبهي كخجل تفتح الأنوثة لصبايا في باكورة الشباب، هو ذاته البركان ضد الظلم والفساد، وهو النسمة والبسمة والدمعة أمام أم أو زوجة أو أخت شهيد.
ليست معجزة مروان هي عدد السنوات في زنزانته المظلمة، إنما هي حضوره الطاغي، وتأثيره العميق، فكلما حاولوا تغييبه ازداد حضورا، وكلما وضعوه في زنازين النسيان أضحى دون منافس سيد الحضور، نرى وجهه في السنابل، وفي فرح الضفيرة، وحبال الغسيل، وغضبة السلاح، كلما حاولوا طمس عطاءه أزهر من بين السطور على هيئة كتاب يحمل عنوان " الوعد " أو " مقاومة الاعتقال " أو " ألف ليلة في زنزانة العزل الانفرادي"، وحينما حاولوا حجب صوته، جاء صوته صادحا من خلال " مبادرة الأسرى لإنهاء الانقسام"، وحينما حاولوا تغييب علمه، حوّل الدكتور مروان البرغوثي السجون إلى أكاديمية علمية تمنح مئات المناضلين درجتي البكالوريوس والماجستير، وكلما ظنوا أن ظلام الزنزانة غيب سيرته في قلوب أحرار العالم، بادرت مدينة باليرمو الإيطالية لمنحه مواطنة شرف، أو افتتح شارع باسمه في مدينة " فلنتون " الفرنسية، أو أطلق المناضل الإنساني ضد نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا " أحمد كاثرادا " عن حملة دولية لإطلاق سراحه، تنطلق من زنزانة نيسلون مانديلا في " جزيرة روبن ايلاند" على يد المئات من حاملي جائزة نوبل للسلام، وبرلمانيين، واكاديميين، ومثقفين، وقادة رأي عام، ووزراء، ورؤساء دول سابقين، وحينما ظنوا أن إرادته قد لانت، انتفض بركانا ليعلن عن إضراب الحرية والكرامة باسم جميع الأسرى في سجون الاحتلال.
مروان الأول في مؤتمر فتح، والأول في جميع استطلاعات الرأي، والأول في قلوب الأحرار في كل العالم، يدخل اليوم عامه الحادي والعشرين في سجون الإحتلال، ليضحي فارس نوقد اسمه نارا في ليالي البرد، ونحيله أهازيج على شفاه الرجال في ميادين الفرح، ونعتمر حروفه عقالا في زمن الردة والخنوع العربي، ونرى وجهه في تفتح السنابل، وفي فرح الفقراء، ونسمع صوته في تكبيرات المساجد، وترانيم الكنائس، وفي حواري المخيم، وسهول الأرياف، وساحات المدن.
مروان الذي لم التق به سوى مرة واحدة في لقاء عام، أشعر أنا وجيلي أنه صديق حميم، وأخ كبير، وخيمة تجمعنا ، وشجرة نستظل بها، وعنوانا جامعا لكل شعبنا، تماما كما يشعر كل فلسطيني حينما يسمع اسم ياسر عرفات، كيف لا ومروان يحمل شيئا من كل فلسطيني، فهو المقاتل والمثقف والأكاديمي وابن الشبيبة والثائر والتقدمي والمؤمن والقائد والزوج والأب والجد والإنسان.
على خمسة حروف يقوم اسمه
ميم المآذن والمحبة والمطر والمأوى.
راء رفيق ورصاص ورحابة ورؤية الثاقبة
واو وطن وورد ووحدة وطنية ووعد لا يخلف بالحرية
الف : أمل وانتصار وأخ وأول في قلوبنا
نون: نجم ونهر ونار ونور .
*محاضر في قسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية