بقلم: د. نجلاء الخضراء
اختص الله تعالى شهر رمضان بخصائص عظيمة عن غيره من الشهور فهو شهر الصيام والقيام والقرآن وشهر الآذان والجهاد والانتصارات وهو شهر الجود والخيرات والبركات والنفحات. لذا يستقبله الناس استقبال الأعزاء والغياب ويشتاقون له يحنون لأيامه ولياليه ويقيمون له طقوس لاستقباله وقضاء ساعاته، بعد انقضاء عشره الأول عشر الرحمات والنفحات الإلهية وبداية العشر الثاني الذي أطلق عليه الرسول الكريم عشر المغفرة حين قال: (أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)
لا يتوقف فضل العشرة الوسطى في رمضان عند المغفرة التي لا تنقطع في كامل الشهر الكريم واجابة الدعوات مقابل التوجه بقلب صادق وخاشع له سبحانه بطلب المغفرة والعفو انما يتعداه إلى تجاوز الله عن المقصرين في تلك الأيام الفضيلة.
فالصيام ليس الإمساك عن الطعام والشراب فقط انما هو صيام عن كل ما فيه سوء وشر وابتعاد عن طريق الحق والتقرب إلى الله وإقامة الطاعات وتقديم الصدقات بكل أنواعها فلا يكون حظ الصائم من صيامه هو الجوع والعطش فقط انما هو الدخول عبر باب المغفرة وحصد الحسنات ومحو السيئات في طريق العتق من النار.
شهر رمضان هو فرصة يمكن استثمارها في تحسين الأخلاق وتهذيب النفوس وتعديل السلوكيات الخاطئة وتحمل الآخرين. وان يكون المسلم ودودا حسن الخلق مع أهله وعائلته وأرحامه، خلوقا مع أصدقائه ومعارفه وزملائه، لطيفا مع أولاده وأحفاده، صبورا مع من يخطئ بحقه متواضع من هم أقل شأن منه متسامح مع من أساء إليه، لنيل الغفران والأجر والثواب.
وهو شهر التربية والتحمل والصبر والإرادة لأن على الصائم أن يضبط انفعالاته وأن يتحكم بأعصابه وتصرفاته أمام مهيجات الغضب فيقول أمام من يخطئ بحقه اللهم إني صائم. قال عليه الصلاة والسلام:( الصيام جُنة إذا كان أحدكم صائم فلا يرفث ولا يجهل وان امرئ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم) سنن أبوداود ج2.
من أهم الأمور التي يجب الانتباه إليها في هذا الشهر الفضيل هو تقدير الزوجة أو المرأة أو ربة المنزل أو الأم أومن كانت بمكانها وتقديم الشكر والامتنان لها وتعظيم ما تقوم به من أعمال متزايدة وما تواجهه من ضغوط وأعباء في هذا الشهر تحديدا وبالمقابل عليها كامرأة أن تقدر رب المنزل الذي يخرج باكرا وهو صائم لطلب الحياة الكريمة واحترام ما يقوم به من عمل وكدح في سبيل تأمين لقمة العيش.
من أبرز بركات العشر الثاني من رمضان هو ما حققه المسلمين على الشرك والمشركين بموقعة بدر في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة 13مارس624م عندما شاركتهم الملائكة في القتال وكان النصر حليفا للمسلمين واجه فيها 300 مسلم 1000مشرك.
قال تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وفي 10 رمضان عام 1973 كانت حرب تشرين التحريرية التي استطاع من خلالها الجيش السوري تكذيب اسطورة الجيش الذي لا يقهر وهو ما اعتبره المؤرخون المعاصرون أول انتصار عسكري في العصر الحديث على العدو الصهيوني.
وفي عام 2021 كانت هبة القدس التي قام بها الشعب الفلسطيني في كل أنحاء فلسطين محتلا أو محاصرا فوقف وقفة رجل واحد في وجه غطرسة العدو ورفض قراراته وضرب بها عرض الحائط.
وهاهم اليوم إخواننا المناضلون المجاهدون يسطرون أروع الصفحات البطولية في منع الاحتلال من ممارسة طقوسه أعياده داخل الحرم القدسي ويقفون أمام جبروت العدو بصدورهم العارية وايمانهم القوي بأن الله معهم والنصر حليفهم.
وقد ذكر العشر الثاني من رمضان بكثرة وبأشكال مختلفة ومعان متعددة في الأمثال الشعبية فقيل:
ان عشر بشر وهي البشرى بأن الفرصة مازالت سانحة أمام كل من يقرع باب المغفرة والاستغفار
قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
ويقال ان عشر بشر بمعني انتهى وغادر كناية عن سرعة انتهائه
وان عشر كشر وهنا كناية عن الغضب لرحيل الشهر الكريم فيذهب سريعا كما يذهب الغضبان سريعا.
ان هل زل أي بمجرد دخوله فكأنه انتهى وهي كناية عن مرور أيامه سريعا ويقال ان ثلث فلت
وبعد الخمسطعش بينطعش طعش أي بعد انقضاء نصفه تمر باقي أيامه بسرعه
رمضان أوله مرق وأوسطه خرق وآخره صر ورق.
أي أن العشرة أيام الأولى تقضى في الطبخ والولائم والعزائم وصلة الأرحام وتجمع العائلة والأهل على موائد الإفطار ومن هنا جاءت الرحمة عندما قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أوله رحمة. وتكون عشرة الخرق في وسط رمضان لشراء الأقمشة وقصد حوانيت الخياطة فالرجال يشترون أقمشتهم من الأجواخ والصاري لخياطة البدل أو القمباز أما النساء فتنشغل في شراء الأقمشة لكل أفراد العائلة وأخذ قياساتهم والتردد على صديقاتها من الخياطات لتحيك لهم ما اختاروه من قصات وأثواب. إضافة إلى شراء مستلزمات العيد فتكتظ الأسواق وتنار الأضواء وتفتح الدكاكين أبوابها إلى وقت السحور وتكاد لا تفرق بين الليل والنهار.
كما اعتادت ربة البيت الدمشقية على شراء ثوب كامل من القماش وحياكته كلباس للنوم لكل أفراد عائلتها على اختلاف أعمارهم وأجناسهم فتراهم ليلة العيد بعد حمام العيد يرتدون جميعهم نفس اللون والنقش باختلاف اللباس الذي يناسب العمر والجنس. وخصص العشر الأخير من رمضان لصر الورق وتحضير حلوى العيد ولفها وتجهيزها.
وفي بداية الأسبوع الثاني من شهر رمضان يأتي دور النساء في المباركة وتقديم التهاني فتلغى مواعيد الاستقبال المعروفة وهي في الصباح وتسمى الصبحية ويصبح لرمضان خاصية خاصة عندهن فيتبادلن التهاني من عصر كل يوم إلى قبيل المغرب وخلال ذلك تدور الأحاديث عن مآدب الطعام وطرق اعداده كما يتساعدن في ذلك. وعند الآذان يقمن بتبادل أطباق الطعام في عادة من العادات الرمضانية التي تدعى سكبة رمضان، إذ تقوم المرأة بزيادة مقدار الوجبة عن العادة فتأبى المرأة في رمضان الإفطار دون أن تشاركها جاراتها في وجبتها وهن يتبادلن الأطباق فلا يعود الطبق فارغا لصاحبته فتتلون المائدة بأنواع مختلفة من الطعام، إضافة إلى حصة سلة المسحراتي من وليمتها وهناك حصة لموائد الجوامع التي تقام للفقراء والمسافرين وعابري السبيل.