بقلم: المتوكل طه
سأُسمّيها شهيدةً وهي حيّ يُرْزَق في فردوسها السماويّ ! وكنّا رأيناها محمولةً على الهتاف الساخن المتعالي،في جنين أُمّ الرجال والحرية المستحيلة، لتكون كما أرادت حُرّةً،يانعة ، مبتسمة، واثقة، حيّاً وميتاً.
ولتَحْضُرْ بلاد الزعتر والميجنا والفرفحينا التي جزّوا جدائلها الخضراء، الآن، لتكتبَ في تقويمها خطواتِ المشهد القاسي الذي ضفضفَ بالجُرأة، وأعلى الدمَ في ساعة الهضم الاستيطاني وسلام الجنائز والمدن التي قطعوا رؤوسها .
وإذا كانت القوّةُ الباطِشةُ لا تؤدّي إلى الخطأِ أو الصوابِ، فإنها ينبغي أن تَخُلِّق عِلْمَاً يُلْجِمُها أو يتخّطى مِنشَارَها الذي لا يرحم. وإذا كانت كلُّ قبيلةٍ بحاجةٍ إلى أُسطورة، وكلُّ حربٍ إلى بطلٍ فإنّ أسطورتَنا هم شهداؤنا ومعتقلونا وجرحانا،وعلى رأسهم الإعلاميون والصحفيون الأشاوس الجسورين الذين حملوا صحن الجمر الملتهب الرّيان وألقوه في أحضان المتفرّجين، لعلهم يثوبوا إلى رشدهم. شيرين ؛ الوردة بين الأشواك، جعلتها تبذل أوردتها وردةً للسياج البعيد، حتى لا تنهب الوحوش غابتنا الممطرة. هذه الأرض المتوّجة التي إنْ حَلَّت فينا تدفعنا مثل الأحصنة الوحشية، لنقول ما لا يُقال، وقد مضغنا حديد اللجام ونثرناه زبداً في الهواء.
وثمة دمعة امرأةٍ قدَّت زهرةَ عمرها أمام الكاميرا لتحرس الحقيقة، لكن السنوات لم تسعفها وخذلتها الدنيا المنافقة ، وتجرّأ الحزن ثانية علينا .. فلا بأس !
فأنتِ ما زلت مزهرةً رغم الغياب المؤقت ..وليقع الزلزال، ولتنفجر الينابيع المكتومة بالزبد والنار، وليخرج النحل الشرس من أشداق الخشب الظمآن، ولتنفث الأفعى ما لديها في البرد والدخان،وليأكل الضبع ما تغضّن في الذبيحة، وليكن الفزع كاملاً في فراغ المقصلة الممتدة الصدئة، لأن البسيطة افتقدتْ أناقةَ التقلّب على سرير المواسم، والقدرةَ على الطيران كالأسماك الملوّنة في غبش المتعة.
والنجوم تهرُّ من السقف المتهادي، على البطن المنهوب بالعسل.
لا أفق يكرز فيه الوحش،الذي حوّل الغابة إلى شحوب وعطش، فكيف للغزال أن يشمّ النبيذ في عنقود امرأته، والحنين يكشف أسرار الماس المصهور في جرّات القرون.
سنلتقي تحت أفياء البلدة البعيدة والميرمية تنبض في أضلاعنا، لنشرب ريق قهوتنا الطفلة، وثمة هالة تنفلت من جسد الزيتون، تحيط بكِ وأنت مطرّزة بالرصاص المنفلت المجنون العنصريّ وترميك ذروة على تاج الجبل،وثمة فارسٌ ينتظرك مرّة أُخرى .. لتعودين إليه، ويغفو تحت جلده المتفجّر بالطيّون والبرق.
سيسدل ليله النهاري وراء ظهره،ويتلاشى معك وبك ولك وفيك، ولن ترى السماء غير فَراشة طفلة، ولن يتبقى في الكأس سوى جرعة من نهار راعف،بعد ليالٍ من الدم المكرور ..الذي لن يكون لنا بعده سوى عيد واحد هو عيد الخلاص من النهاية المؤسفة. وللشهداء الأحياء الأبرارِ ذِكْرٌ خالدٌ وذكرى مُخضلّةٌ، وللبسطاء البقاءُ والوطنُ.