غزة/PNN- آلاء المقيد- طائراتٌ إسرائيلية تُحلّق بضع مرات سنويًا على ارتفاعات منخفضة فوق الأراضي الزراعية المحاذية للشريط الحدودي شرق قطاع غزة، ثم بــ "ذرائع أمنية" تَرّش فجأة مبيدات كيميائية سامة على المحاصيل، ما يُكبد المزارعين خسائر فادحة، ويجعل البيئة والتربة والصحة العامة في خطرٍ دائم. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية الحدودية 86 ألف دونم، يعمل بها أكثر من 30 ألف مزارع، وتمثل مصدر الرزق الوحيد لمئات العوائل من سكان تلك المناطق. هذه الاعتداءات الإسرائيلية تعني كارثة إنسانية وبيئية محققة، لا سيما مع سوء الظروف الاقتصادية، وافتقاد أكثر من 60% من سكان القطاع لأمنهم الغذائي.
المبيدات الإسرائيلية حرقت المحاصيل الورقية في شرق قطاع غزة
مشهد يتكرر سنويًا منذ عام 2014، طائراتٌ إسرائيلية تُحلّق على ارتفاعات منخفضة فوق الأراضي الزراعية على الشريط الحدودي شرق قطاع غزة، ثم تَرّش فجأة مبيدات كيميائية سامة على المحاصيل بــ "ذرائع أمنية"، ما يُكبّد المزارعين خسائر فادحة، ويجعل البيئة والتربة والصحة العامة في خطرٍ محدق.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية الحدودية 86 ألف دونم، يعمل بها أكثر من 30 ألف مزارع، وتمثل مصدر الرزق الوحيد لمئات العوائل من سكان تلك المناطق، والحديث عن هذا الصنف من الاعتداءات الإسرائيلية يعني زيادة الطين "بِلّة"، خاصة مع سوء الظروف الاقتصادية، وافتقاد الأمن الغذائي عند أكثر من 60% من سكان القطاع.
محمد الشنطي مزارع فلسطيني يعمل برفقة والده، في أرضٍ زراعية بمساحة 50 دونمًا ببلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، يؤكد أن سلطات الاحتلال ترّش المبيدات السامة على الأراضي الزراعية بذريعة "تعرية الأراضي" المحاذية للسياج الفاصل وكشفها.
وبينما كان يعمل الشنطي في أرضه التي تبعد عن السياج الفاصل مسافة كيلو متر واحد، أخذ يحكي لـ "آفاق البيئة والتنمية" عن معاناة المزارعين الفلسطينيين: "تعمل "إسرائيل" على رش الأراضي الحدودية بالمواد السامة ضمن سياسة ممنهجة لتدمير القطاع الزراعي وزيادة العبء على كاهل المزارعين".
ويَتبع حديثه بتنهيدة ألم قائلًا: "إسرائيل" تقوم عبر طائراتها بعمليات رش فجائية للأراضي دون تحذيرٍ مسبق، بمبيدات زراعية تحرق النباتات الخضرية، والخطير في الأمر أن المادة المرشوشة تمكث لفترة زمنية طويلة في التربة، مما يؤثر سلبًا على خصوبة التربة ويلحق أضرارًا كبيرة بها".
ويشمل أثر هذه المبيدات الثروة الحيوانية، فعادةً ما يُمنع الرعي في المناطق التي اُستهدفت بــ "الرش"، وبالتالي يضطر مربو المواشي لشراء غذاء لها على حسابهم الخاص، بدلًا من الأعشاب المرشوشة في تلك الأراضي.
أما عند تناول الماشية للنباتات المتسممة قبل إتلافها دون انتباه، فهذا يؤدي لنفوق عدد كبير منها، وفي الحالتين يتكبد المزارع خسائر مالية فادحة.
في حين أن المزارع محمد جمعة الذي تقترب أرضه أكثر من السياج الفاصل شمالًا، ألمّت به "نكبة اقتصادية" قبل عامين بعد تضرر ما مساحته 20 دونمًا، من مبيدات الاحتلال السامة.
وكان "جمعة" قد زرع أرضه بالكوسا مستبشرًا بموسمٍ وفير، لكن ذات صباحٍ شتوي عاصف رشّت طائرات الاحتلال المناطق الحدودية بتلك المبيدات، ما تسبّب بخسرانه 70% من محصول أرضه.
وفي هذه الحالة يضطر المزارع لإتلاف محاصيله المتضررة بنفسه، إذ يُمنع قطفها أو بيعها فهي لا تصلح لأي استخدام، وقد يتحمل خسائر وأعباء نقلها إلى مكبات الإتلاف.
مبيدات إسرائيلية سامة تلوث وتدمر التربة الزراعية في قطاع غزة
آثار ومخاطر
تواصلت مراسلة "آفاق البيئة والتنمية" مع مركز الميزان لحقوق الإنسان، للحديث عن المبيدات الإسرائيلية ومخاطرها، وبدوره أطلَعها على تقريرٍ صادر عن المركز في أكتوبر/ تشرين أول من عام 2019 بعنوان "آثار رش قوات الاحتلال للمبيدات الكيميائية في المناطق مقيدة الوصول".
وجاء في التقرير أن الطائرات الإسرائيلية تحلّق على ارتفاعات منخفضة تبلغ 20 متراً فوق سطح الأرض، وترّش المبيدات التي يصل رذاذها إلى عمق 1200 متر داخل أراضي قطاع غزة، ما يؤدي إلى حرق المزروعات وتكبد المزارعين خسارة فادحة.
وأما أنواع المواد المستخدمة في الرش، فهي "جليفوسات، وأوكسيجال، ويوربكس"؛ ويُقدّر مكوثها مدة ( 70 – 80 ) يومًا في التربة، ما يعني أن المادة تستغرق وقتًا طويلاً للتحلل، وهذا من شأنه أن يؤثر على جودة التربة، فتضعف خصوبتها، بحسب التقرير.
الأضرار أيضًا لم تسلم منها الثروة الحيوانية التي يتواجد أكثر من 70% منها على الشريط الحدودي، إذ تُصبح حياة ونسل الأغنام والأجنة عرضةً للخطر، خصوصًا خلايا النحل التي يصيبها الضرر المباشر نظرًا للرش المفاجئ.
وفي يوليو/ تموز 2018، تناول تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" استخدام "إسرائيل" لمبيدات ذات تأثيرات خطيرة، في منطقة السياج المحيط بقطاع غزة، لمنع النباتات من النمو، وإبقاء المنطقة فارغة كي يتسنى لقوات الجيش مراقبتها جيدًا.
مزاجية "إسرائيل"
المتحدث باسم وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة أدهم البسيوني يقول إن عملية رش الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية بالمبيدات الكيميائية السامة، تخضع لمزاجية سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ويخبرنا البسيوني، أن المناطق الزراعية المستهدفة على الشريط الحدودي تُشكل 25% من إجمالي المساحة الزراعية في القطاع، وتعد مصدرًا رئيسًا لغذاء السكان، موضحًا أن "رشها بالمبيدات السامة يتسبب في تدمير المزروعات، وإلحاق الأذى بالبيئة ويُفاقم معاناة المزارعين".
وعادةً ما تُرّش الأراضي الزراعية بهذه المبيدات في فترتين كل عام (ديسمبر/ كانون أول –يناير/ كانون ثاني) و(آذار/ مارس – نيسان/ أبريل).
ويزيد بالقول: "يتعمد الاحتلال الرش عندما تكون الرياح عكسية، والنباتات في ذروة النمو، لضمان أكبر استهدافٍ ممكن لمحاصيل القطاع الشتوية والصيفية، وفقًا لـ البسيوني.
ويبيّن أن الأضرار التي لحقت بمحاصيل الأراضي على الشريط الحدودي لهذا الموسم محدودة حتى هذه اللحظة، مستعرضًا أضرار العامين الماضيين؛ إذ تجاوزت في عام 2021، الألف دونم، في حين تجاوزت أضرار عام 2020، الـ 4 آلاف دونم.
وتتسبّب عمليات الرش بدمارٍ كلي للمحاصيل الورقية كـ "السبانخ والبقدونس والجرجير"، إلى جانب حدوث أضرارٍ جزئية في محاصيل أخرى كـ "القمح والشعير والفول والبازيلاء" وغيرها.
ويبدأ تأثير المبيدات السامة بعد أيام من عملية الرش -تبعًا للبسيوني- عندما تدخل إلى أنسجة النباتات المختلفة، فتؤثر فورًا على المزروعات، وتشكل موانع لـ "الإنبات" في مراحل أخرى.
تحتاج الأرض وقتًا بعد عملية الرش، لاستعادة نشاطها وحيويتها وفقًا لنوع المادة السامة التي رُشّت، فبعض تلك المبيدات يكون أثرها موضعيًا، بينما يظل تأثير مواد أخرى في التربة لفترات طويلة، وهذا يحول دون نجاح زراعة المحاصيل مجددًا، وفقًا لحديثه.
ويتطرق الناطق باسم "الزراعة" إلى الجانب "الأشد خطرًا" في تأثير تلك المواد، قائلًا: "إن تسرب متبقيات المبيدات السامة إلى المياه الجوفية يُشكّل خطورة بيئية كبيرة على صحة المستهلك على المدى البعيد".
وفي إجابته على سؤالنا "عن أكثر الأماكن تضررًا من عمليات الرش؟" يؤكد "البسيوني أن كل الأماكن الحدودية عرضة لذات الخطر، لكن المناطق التي يتركز دائمًا فيها الرش هي شمال القطاع، إضافة إلى خانيونس جنوبًا.
ويذكر أن وزارته نظمت وقفات عدة، فضلًا عن عقدها لقاءات مع المؤسسات الحقوقية ذات الصلة من أجل فضح جرائم الاحتلال بحق المزارعين، والضغط عليه لوقفها، لكن "لا يوجد أي التزام أو استجابة لهذه المطالب".
محاصيل غزية ملوثة من المبيدات الإسرائيلية
انتهاكات بـ "الجملة"
إلى ذلك يرى فضل المزيني مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، رش الأراضي الزراعية بالمبيدات السامة، "انتهاكًا جسيمًا لحقوق سكان قطاع غزة على أكثر من مستوى".
ويوضح "المزيني" لـ "آفاق البيئة والتنمية" أن الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون انعدام "أمنهم الغذائي" نتيجة الأضرار التي تلحق بأراضيهم الزراعية الحدودية التي تُعد "سلة غذاء" السكان، علاوة على الفقر وضعف القدرة الشرائية لديهم.
مستطردًا في حديثه أن "الاستهداف المتكرر للمزارعين يدفع فئة كبيرة منهم إلى هجر أراضيهم والعزوف عن زراعتها، ما يعني فقدانهم لمصدر رزقهم الرئيس، وهذا يُهدد استقرارهم الاقتصادي المتردي أصلًا جراء الظروف المعيشية الصعبة".
ويُشدد على أن رش المبيدات يؤثر تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر على صحة الإنسان، فوفقًا لتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن مادة "جليفوسات" صنّفت من ضمن المركبات المسرطنة.
وفي ختام كلامه يطالب بـ "إيجاد آليات من أجل دعم المزارعين في المناطق الحدودية وتعويضهم عن الأضرار التي تلحق بهم، والعمل على إعادة تأهيل التربة الزراعية بما يُمكنّها من مواجهة الآثار الكارثية للمبيدات السامة".
خاص بآفاق البيئة والتنمية