لا زال ينزف، حمله المشيعون في ساعة الظهيرة، الدماء تقطر من جسده الصغير، انه الطفل الجميل زيد محمد غنيم 14 عاما من بلدة الخضر قضاء بيت لحم، اعدمه جنود الاحتلال عن سبق إصرار مساء 27/5/2022، لاحقه ذلك الجندي الوحش واطلق على جسده الرصاص المتفجر، لا زال دمه ينزف، يسيل على وجوه الناس، جنازة طفل تحبس الانفاس، الكل يبحث عن طفله، صمت ثقيل في هذا النهار وفي داخل كل منا نار حارقة.
ماذا قال الطفل للجندي القاتل في تلك اللحظة الدامية؟ لاحقه ذلك الجندي حتى عثر عليه جريحا، حدق الشهيد زيد في عيني الجندي، المسافة وجها لوجه، الصورة واضحة، رأى كل اشكال الهمجية والإرهاب والاستعمار في حدقات عينيه الراجفة، رأى مستعمرين يصطادون الأطفال بالرصاص، وجد نفسه وحيدا في محكمة ميدانية، اعدام، إصابات قاتلة في الرأس والرقبة والخاصرة.
الطفل زيد رأى الموت اسود في هيئة مستعمرة صهيونية تنتج الموت وتصدر الموت ولا ترحم الصغار، مستعمر يبحث عن شرعية وجوده بالموت، يرى كل طفل فلسطيني من فوهة بندقية.
على الطفل زيد ان يموت ويختفي لان طفولته البريئة تتجلى في كل المعالم الإنسانية والأخلاقية، رأى ذلك القاتل في عيني الشهيد مستقبلا وحلما ومعجزة، اين طفولتي؟ صرخ الجندي الذي تربى في معسكر ومدرسة توراتية وتغذى بتعاليم الكراهية، هذا الطفل كشفني، هذا الطفل يحاكمني بابتسامته وروحه العنيدة، لابد ان يموت برصاصة دمدم متفجرة.
استشهد الطفل زيد غنيم ليلتحق بمئات الأطفال الشهداء الذين كان اخرهم الشهيد الطفل غيث يامين من نابلس، أطفال يصعدون في الضوء اشلاءً مضيئة، ومجرمين يسقطون في الظلمة والهاوية.
لا زال دمه ينزف في الجنازة، الدماء على صدره ووجهه ويديه وقدميه، دمه أخضر، الدم على الكتاب ومقعد المدرسة، دمه لم يجف، لا زال العالم ينزف، الرصاصات قتلت كل أطفال العالم، قتلت الصمت والخوف والعجز في الاتفاقيات والخطابات الدولية.
لا زال ينزف، جسمه ينبض ربما يريد أن يعود الى البيت، ربما لا زالت أحلامه تطير، ربما نادى عليه الأصدقاء والأولاد والأشجار والفراشات الملونة.
استشهد الطفل زيد وهو في غمرة الحياة، وكم يكره المحتلون الحياة، يكرهون في الطفل بسمة الزهرة في الربيع، يكرهون صوت النحلة والينابيع الدافقة، يكرهون الله والميلاد والقدس والملائكة.
لا زال ينزف، دمه يسيل من تحت الجدار الفاصل، يعبر الحواجز العسكرية الكثيرة، دمه يصب في الحقول والاودية، دمه يرطب التراب، يسقي أراضي قرية الخضر المصادرة، يحرك الزلازل تحت المستوطنة، دمه يرتفع من الأسفل الى الأعلى، من القلب الى الرأس الى الذاكرة، دمه لا يجف، لا زال ينزف، يضخ ويدور ويعود مرة ثانية.
استشهد الطفل زيد غنيم، الحرية اخذته والقدس المنتفضة الغاضبة، كنا مندهشين في الجنازة دماؤه تنزف فوق رؤوسنا، حناء وورد وبخور وروح على اكتافنا واقفة.
دمه لا زال ينزف، لأنه الشاهدة الضحية الذي رأى دولة عنصرية فاشية تطلق الرصاص على العصافير وتأمر الهواء ان يلبس خوذة، وعندما قبلت جبينه في ثلاجة الموتى وشوشني وقال شيئا عن أحلامه الصامتة.
لا زال ينزف، الشمس كرة حمراء لاهبة، أكثر من 90 طفلا استشهدوا خلال عامي 2021 و2022 والمجزرة مستمرة، شهداء صغار في مقابر الأرقام وشهداء في الثلاجات الباردة، يا الهي، العالم ينهار، والقيم واللغات المزدوجة، يا الهي، لماذا لا تقرع الأجراس كرات اللهب؟ ويتحرك الطفل فينا وغضب الجموع الحاشدة.
لا زال الشهيد ينزف، جنين تنزف، القدس تنزف، دمه يسيل في عقولنا وأوردتنا وعروقنا كي نحيا ونربي روحه في البساتين الواعدة.
لا زال ينزف، حرر يداه من التابوت، فك ايادي المئات من الاسرى الأطفال القابعين وراء القضبان، أصوات التعذيب، التنكيل والضرب والمداهمات والدعس والإهانات والمعاملة القاسية، انتفض الجسد الصغير، التفت الينا، الهواء كان ساخنا والقبر ضيق، الزنزانة ضيقة، من يسرج الخيل ويحرك الرياح والعاصفة؟
لا زال ينزف، افتح لي عينيك أيها الطفل، القمر ينظر اليك، القمر يرافقك، الويل لليد التي قتلتك، الويل كل الويل لمن لا يرى الدم في كل طريق وبيت، في السجن، في غرف التحقيق، وفي كل الأمكنة، الويل كل الويل لكل من لا يحمل الأكاليل بنادق ويتحرر من اللغة الغامضة.
شكرا للطفل الشهيد زيد غنيم، كان أول من لبى نداء رفع الأعلام الفلسطينية ردا على مسيرة الأعلام الصهيونية في القدس، رفع الشهيد روحه علما في سماء القدس العالية.