بقلم: عبد الناصر عوني فروانة
عضو لجنة ادارة هيئة الأسرى والمحررين في قطاع غزة
كنت قد سَمعتُ عن سجون كثيرة، وقرأت قصصاً وحكايات عديدة نُسجت داخل جدرانها، ومرَرتُ بتجارب شخصية مريرة، لكني لم أسمع شيئاً، أو أقرأ خبراً عن سجون رسمية خُصصت لسجن الأموات، سوى هنا، وهنا فقط في فلسطين، حيث تُسجن الجثامين، وحيث جعل الاحتلال الإسرائيلي من ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام سجوناً للشهداء وعقاباً للأحياء من بعدهم!
شهداء لم يوجعهم الموت، بل أوجع الأحياء المنتظرين عودتهم، وأوجع "دولة" لا زالت تخافهم وهم أموات، وتخشى تحريضهم وهم في قبورهم تحت التراب، فتعاقبهم وتعاقب ذويهم بعد موتهم، فتحتجز جثامينهم وتسجنها فيما يعرف بمقابر الأرقام أو ثلاجات الموتى، في واحدة من أكبر وأبشع الجرائم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية التي تقترفها دولة الاحتلال الإسرائيلي علانية. وكثيراً ما استُخدمت الجثامين المحتجزة لغرض الضغط والابتزاز والمساومة، كجزء من سياسة تتبعها دولة الاحتلال منذ سنوات طويلة. وقد احتُجزت مئات الجثامين، بعضها أُفرج عنه في إطار صفقات تبادل مع فصائل عربية وفلسطينية، وبعضها الآخر عبر المفاوضات السياسية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، أو نتيجة جهود قانونية قامت بها مؤسسات حقوقية، والتفاصيل هنا كثيرة، بينما لا تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تحتجز نحو 357 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، منهم 253 جثماناً محتجزين منذ عام 1967 فيما يعرف بمقابر الأرقام، و104 جثامين محتجزين في ثلاجات الموتى منذ عام 2015، منها 12 جثماناً لفلسطينيين من القدس و27 جثماناً لفلسطينيين من قطاع غزة و65 جثماناً لفلسطينيين من الضفة الغربية، بينهم 3 جثامين لإناث و9 لأطفال قتلهم الجيش الإسرائيلي، وفقاً للبيان الأول لـ "الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الشهداء" التي انطلقت الشهر الماضي.[1]
وتعود الجثامين المحتجزة، في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، إلى شهداء فلسطينيين وعرب، من الذكور والإناث، سقطوا في أزمنة متعددة وسنوات متباعدة وظروف مختلفة، فمنهم من استشهد في سبعينيات القرن الماضي، ومنهم من استشهد حديثاً. كما لا يقتصر احتجاز الجثامين على من شاركوا في المقاومة المسلحة ومنفذي العمليات الفدائية النوعية، كالشهيدة دلال المغربي المحتجز جثمانها منذ ما يزيد على أربعين عاماً، أو على الأشلاء المتبقية من جثامين منفذي العمليات الاستشهادية، بل هناك أيضاً جثامين محتجزة تعود إلى شهداء قتلتهم قوات الاحتلال عمداً، أو قامت بتصفيتهم بعد احتجازهم واعتقالهم، وهناك أيضاً تسعة جثامين محتجزة تعود إلى أسرى توفوا داخل السجون الإسرائيلية جراء التعذيب والإهمال الطبي والقتل البطيء، وترفض سلطات الاحتلال الإفراج عنهم، فهم لم يكتفوا باحتجازهم أحياء، بل يواصلون احتجاز جثامينهم بعد موتهم، وأقدمهم الأسير أنيس محمود دولة (36عاماً) من قلقيلية، الذي استشهد بين جدران سجن عسقلان في 31 آب/أغسطس 1980، بالإضافة الى ثمانية أسرى آخرين هم: عزيز موسى عويسات (53 عاماً) من القدس استشهد عام 2018، وفارس أحمد بارود (51 عاماً) من غزة، ونصار ماجد طقاطقة (31 عاماً) من بيت لحم، وبسام أمين السّايح (46 عاماً) من نابلس، وثلاثتهم استشهدوا عام 2019، وسعدي خليل الغرابلي (75 عاماً) من غزة، وكمال نجيب أبو وعر (46 عاماً) من جنين، والاثنان استشهدا عام 2020، والشهيد الأسير سامي عابد العمور (39 عاماً) من غزة استشهد عام 2021، وآخرهم داود محمد الزبيدي (40 عاماً) من جنين الذي استشهد بتاريخ 15 أيار/مايو الماضي.
بالإضافة إلى مئات آخرين ممن فُقد أثرهم ويُجهل مصيرهم، إذ سبق لكثير من العائلات الفلسطينية والعربية أن تقدمت بشكاوى عديدة بشأن اختفاء أبنائها، كأن الأرض انشقت وابتلعتهم، في حين لا تزال دولة الاحتلال تنكر وجودهم أحياء في سجونها السرية، ولا تعترف بهم أمواتاً في مقابر الأرقام، فيُطلق عليهم تسمية "المفقودين".
من هنا، يبدو واضحاً أن ثمة ترابطاً أساسياً ووثيقاً بين الاختفاء القسري لمئات المقاومين الفلسطينيين والعرب، وبين مقابر الأرقام والسجون السرية، وخصوصاً السجن الإسرائيلي رقم 1391. فربما هناك بين المفقودين من هم أحياء في السجون السرية، أو أنهم قُتلوا وتحولوا إلى جثث مأسورة في مقابر الأرقام.
فما هي مقابر الأرقام؟
مقابر الأرقام اسم ارتبط بسجلات أسماء الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة تخضع لوزارة "الدفاع"، ويُمنع الاقتراب منها أو تصويرها، ولا يُسمح لذوي الضحايا، أو ممثلي المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام بزيارتها. ومقابر الأرقام هذه عبارة عن مدافن بسيطة تميزها أرقام مثبتة على لوحات معدنية أكلها الصدأ، وفوق كل قبر لوحة تحمل رقماً وليس اسم الشهيد، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية عن صاحب الجثمان المدفون في جوف القبر، ولذا سميت مقابر الأرقام. وفي تلك المقابر دُفنت الجثامين بطريقة مهينة وقريبة من سطح الأرض، بل إن بعض القبور قد تلاشت تماماً بفعل السيول ومياه الأمطار التي جرفت ما بداخلها، فتناثرت الأشلاء وظهرت على سطح الأرض، وفي إثر ذلك كشفت وسائل إعلام إسرائيلية مصادفة، منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعض تلك المقابر التي ظلت لسنوات طويلة طي السرية، وهي:
1- مقبرة الأرقام المجاورة لجسر بنات يعقوب، وتقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية –السورية-اللبنانية، وتفيد بعض المصادر بوجود نحو 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، سقطوا في معظمهم في حرب 1982 وما بعد ذلك.
2- مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار فيه بوابة حديدية مُعلّق فوقها لافتة كبيرة كُتب عليها بالعبرية "مقبرة لضحايا العدو"، ويوجد فيها أكثر من مئة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من 5003 إلى 5107. ويُحتمل أن تكون هذه الأرقام تسلسلية لقبور في مقابر أُخرى.
3- مقبرة ريفيدي وتقع في غور الأردن.
4- مقبرة شحيطة وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبرية الواقعة بين جبل إربيل وبحيرة طبرية. ومعظم الجثامين في هذه المقبرة هي لشهداء معارك منطقة الأغوار في الفترة 1965-1975. وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة، تصطف نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، وينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً. وما يثير المشاعر كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، الأمر الذي يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارية.[2]
السؤال الذي يتبادل إلى الذهن: لماذا يحتفظ الاحتلال بجثامين الشهداء؟
يدرك الإسرائيليون أهمية دفن الميت لدى المسلمين، وأن كرامة الميت في الإسلام التعجيل في دفنه في قبر معروف داخل مدافن مؤهلة وفقاً لتقاليدهم الدينية، وذلك بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، لكن لا شيء من هذا يحدث في حال احتجاز جثته، الأمر الذي يؤلم الأهل ويزيد من حزنهم، حتى إن بعضهم لا يعترف باستشهاد ابنه، ومنهم من لا يقيم بيتاً للعزاء ما لم يتسلموا جثمانه. ومن هنا نعتقد أن الاحتلال يهدف من وراء احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب إلى ما يلي:
أولاً: الانتقام من الشهداء لما قاموا به من فعل مقاوم أوجع الاحتلال وألحق الأذى والألم بجنوده، قبل وفاتهم.
ثانياً: ردع الآخرين ومنعهم من القيام بأعمال كفاحية ضد المحتل، فالاحتلال يدرك مكانة الشهداء وقدسيتهم وكيف يتحولون إلى أيقونات في النضال الفلسطيني، ويعلم بأن الشهداء وقود ثورة لكل من جاء بعدهم. لذا يتجنب المواجهات مع المشيعين ويخشى أن تتحول الجنازات إلى مناسبات لتكريم الشهداء ولتأكيد المضي على خطاهم، فيخاف الشهداء ويخشى تحريضهم وانعكاساته الآنية والمستقبلية.
ثالثاً: العقاب الجماعي لعائلاتهم وذويهم وأحبتهم بهدف مفاقمة معاناتهم وردعهم، ويصاحب ذلك أحياناً أعمال تنكيل وهدم بيوت واعتقالات وإبعاد أفراد أسر عن مكان سكناهم.
رابعاً: استخدام جثامين الشهداء للضغط والابتزاز في التعامل مع العائلات أو الفصائل التي ينتمون إليها، وأحياناً كورقة في أي مساومة متوقعة في المستقبل. وهذا ما تؤكده التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي تدعو دائماً إلى إبقاء جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب رهينة وورقة يتم الاحتفاظ بها لمفاوضات مستقبلية إذا ما قُتل جندي إسرائيلي وتم أسر جثمانه، أو في إطار مفاوضات سياسية قادمة.
وقد حدث ذلك عدة مرات أفرجت فيها إسرائيل عن مئات الجثامين في إطار المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، أو ضمن صفقات تبادل مع منظمة "حزب الله" اللبنانية، بينما لم تُفرج مثلاً عن جثماني الشهيدين محمد عزمي فروانة وحامد الرنتيسي اللذين استشهدا خلال مشاركتهما في عملية "الوهم المتبدد" التي أُسر فيها الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط. ففي صفقة تبادل الأسرى عام 2011 اشترطت إسرائيل حينها الإفراج عن شاليط لإعادة جثماني الشهيدين، فأُفرج عنه في إطار الصفقة المذكورة، لكن دولة الاحتلال ما زالت ترفض الإفراج عن جثماني الشهيدين وتحتجزهما إلى جانب مئات آخرين.
خامساً: إخفاء آثار جرائم الاحتلال البشعة خلال عمليات قتل هؤلاء الشهداء والتمثيل بجثثهم، وعدم فتح المجال أمام إجراء تحقيقات دولية.
سادساً: إزالة أي آثار يمكن أن تثبت الاتهامات الرائجة بتورط دولة الاحتلال –كما يعتقد كثيرون- في سرقة أعضاء الشهداء، فتحتجزهم طويلاً وتتحلل جثثهم مع مرور الوقت وتختفي آثار جرائم السرقة.
هل فعلاً تسرق إسرائيل أعضاء الشهداء؟
يتعزز الاعتقاد لدى الفلسطينيين ولدى كثيرين من العرب، يوماً بعد آخر، أن عدداً من شهدائهم قد سُرقت أعضاؤهم، ثم دُفنوا في مقابر الأرقام لإخفاء آثار الجريمة، وهناك مخاوف حقيقية من سرقة مزيد من الأعضاء لشهداء آخرين ما زالت جثامينهم محتجزة لدى الاحتلال، وخصوصاً بعدما أثارت صحيفة "افتونبلاديت" السويدية في عددها الصادر بتاريخ 19 آب/أغسطس 2009 قضية سرقة أعضاء الشهداء، واتهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل مواطنين فلسطينيين بهدف سرقة أعضائهم الداخلية، والاستفادة منها بشكل غير شرعي، والإتجار بها ضمن شبكة دولية. وما تلا ذلك من تحقيق صحافي نشرته شبكة "سي إن إن" الأميركية، أوائل أيلول/سبتمبر 2009، وكشف فيه عن معطيات جديدة تشير إلى أن إسرائيل تُعتبر أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية.
وكان ذوو بعض الشهداء قد رووا في أحاديث متفرقة، بعد تسلمهم للجثامين، أنهم رأوا الجثث مخيطة بشكل يوحي أنه جرى تشريحها، ويبدو كأن شيئاً أُخذ من داخلها، ومنهم من رأوا بوضوح اختفاء بعض الأعضاء حين تسلموا الجثامين، وأُجبروا على دفنها في المقابر بظروف مشددة.[3]
وفي كتابها "على جثثهم الميتة"، كشفت الدكتورة مئيرا فايس عن قضية سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، وذكرت أنه في الفترة 1996-2002 كانت موجودة في معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب لإجراء بحث علمي، وهناك رأت كيف كانت تتم سرقة الأعضاء، ولا سيما من الفلسطينيين. وقالت فايس، وهي خبيرة إسرائيلية في علم الإنسان (Anthropology): خلال وجودي في المعهد شاهدتُ كيف كانوا يأخذون أعضاءً من جسد فلسطيني، ولا يأخذون في المقابل من الجنود. وزادت: كانوا يأخذون قرنيات، وجلد، وصمامات قلبية، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن لأناس غير مهنيين أن يتنبهوا لنقص هذه الأعضاء، حيث يضعون مكان القرنيات شيئاً بلاستيكياً، ويأخذون الجلد من الظهر بحيث لا ترى العائلة ذلك.
وقد أرسلت وزارة الصحة الإسرائيلية إلى قناة "الجزيرة" رداً مكتوباً، قالت فيه: إن ذلك كان يحدث في الماضي، أمّا اليوم فيأخذون الأعضاء وفق القانون وبموافقة مسبقة. لكن السؤال المطروح هو عن أي موافقة تتحدث الوزارة، من العائلات أم من المحكمة أم من أي جهة؟
وبعد أن كشفت مئيرا فايس عما رأته خلف هذه الأبواب، زعم الاحتلال الإسرائيلي أنه توقف عن سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، لكن اشتراطه منع التشريح لإعادة الجثامين المحتجزة يثير لدى ذويهم تساؤلات كثيرة، لأن الاحتلال لم يحترم يوماً حرمة أحيائهم كي يحترم حرمة أمواتهم.[4]
الخلاصة
إن احتجاز الجثامين لم يكن يوماً حدثاً استثنائياً أو موقفاً عابراً، وإنما هي سياسة رسمية وثابتة ومنظمة تتبعها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عشرات السنين، ومقابر الأرقام وثلاجات الموتى تطفح بمئات الجثامين لشهداء من جنسيات عربية متعددة سقطوا في ظروف مختلفة. وكثيرة هي المرات التي أُطلقت فيها التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي تدعو إلى احتجاز جثامين الشهداء وعدم تسليمها إلى ذويها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد ناقش الكنيست الإسرائيلي وأقر العديد من القرارات خلال السنوات الأخيرة التي رسخت وشرعنت هذه الممارسات كجزء من العقاب الجماعي.[5]
إن سياسة احتجاز الجثامين تنتهك الحقوق الأساسية للمتوفي وعائلته، وتُعدُّ عملاً غير إنساني وغير أخلاقي، كونه يمثل تعدياً سافراً على كل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية، وتشكل سلوكاً منافياً لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية جنيف الأولى في مادتيها 15 و17، والمادة 120 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 130 من اتفاقية جنيف الرابعة. فقد نصت هذه المواد وغيرها على حق الموتى في التكريم، وألزمت دولة الاحتلال بتسليم الجثث إلى ذويها، ومراعاة الطقوس الدينية اللازمة خلال عمليات الدفن، بل وحماية مدافن الموتى وتسهيل وصول ذويهم إلى قبورهم، واتخاذ الترتيبات العملية اللازمة لتنفيذ ذلك.
وكل ذلك مضاف إلى ما ورد في المادة 34 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، والتي تنص على ضرورة المحافظة على كرامة الميت والقبور وعدم انتهاك رفات الأشخاص الذين توفوا بسبب الاحتلال، أو في أثناء الاعتقال الناجم عن الاحتلال، أو الأعمال العدائية. كما تؤكد ضرورة تأمين حماية هذه المدافن وصيانتها بصورة مستمرة، وأن أطراف النزاع ملزمون بالتوصل إلى اتفاق بالسرعة الممكنة، وعندما تسمح الظروف بذلك، من أجل ضمان وصول الأهالي إلى قبور الموتى، ولتسهيل إرجاع الجثامين وأغراضهم الشخصية، بناء على طلب دولة المتوفين، أو أحد أقربائهم.
علاوة على ذلك، فإن عملية احتجاز جثامين الشهداء ورفض تسليمها إلى عائلاتهم لدفنها بكرامة وتبعاً لمعتقداتهم الدينية، ترقى الى مستوى العقاب الجماعي والمحظور في المادة 50 من لوائح لاهاي، والمادة 87 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 33 من معاهدة جنيف الرابعة.
وأحياناً تفرض سلطات الاحتلال شروطاً قبل تسليم جثث الشهداء التي تقرر الإفراج عنهم، مثل عدم إعادة تشريح الجثة، وأن تُدفن ليلاً بحضور عدد محدود جداً من الأهل، وإغلاق القبر بكتلة إسمنتية محكمة تحول دون استخراج الجثة لاحقاً كي لا يتمكن الأهل من معرفة ما الذي حدث لجثة ابنهم، وما الأعضاء التي قد تكون سرقت منه. وكل ذلك يتم بمراقبة قوات الاحتلال ومتابعة جهاز المخابرات الإسرائيلي.
ختاماً، يصر الفلسطينيون على استعادة جثامين أبنائهم مهما طال الزمن أو كلف الثمن، ويخوضون معارك قانونية عديدة في سبيل ذلك، ويجددون بين الفينة والأُخرى مطالباتهم للسلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة بضرورة إدراج جثامين أبنائهم ضمن أي صفقة تبادل أو مفاوضات سياسية قادمة. وقد نجحوا في استعادة المئات من جثامين الشهداء في عدة مناسبات، وفي 27 آب/أغسطس 2008 أطلق مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بالشراكة مع شبكة أمين الإعلامية "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين"، ثم تطورت وانضمت إليها مؤسسات أُخرى، رسمية وأهلية، واعتُمد يوم انطلاقتها كيوم وطني لاسترداد الجثامين المحتجزة، ويتم إحياؤه كل عام. وخلال أيار/مايو الماضي أُطلقت حملة فلسطينية شعبية باسم "بدنا أولادنا"، وذلك في إطار السعي الفلسطيني المتواصل لاستعادة جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي، لتمكين ذويهم من إعادة دفنهم بكرامة، وتبعاً لثقافتهم ومعتقداتهم الدينية في مدافن وأمكنة مؤهلة وقبور معلومة.
[1] "الجزيرة"، إطلاق حملة فلسطينية شعبية لاستعادة جثامين الشهداء.
[2] "وفا"، مقابر الأرقام.
[3] "الجزيرة نت"، سوابق إسرائيل في سرقة الأعضاء البشرية.
[4] "الجزيرة"، شكوك حول سرقة اسرائيل أعضاء الشهداء.
[5] "العين الإخبارية"،إسرائيل تقرر احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين كرهائن.