بقلم: د. رمزي عودة
أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية بأن سياسات التقشف التي اتبعتها السلطة الوطنية الفلسطينية قد وصلت الى الحد الأقصى الذي تستطيع السلطة الوطنية الفلسطينية تحمله. ويأتي هذا التصريح في ظل تصاعد الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية نتيجة لانخفاض المساعدات والمنح الدولية، ونتيجة أيضاً لسياسات دولة الاحتلال في اقتطاع أموال المقاصة وفرض عقوبات على الخزينة الفلسطينية، نتيجةً لالتزامها بدعم مخصصات الأسرى والشهداء. وتتصاعد أزمة السلطة الوطنية نتيجة لارتفاع أسعار المواد الأولية والغذائية الى مستويات غير مسبوقة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. ووفقًا لمنظمة أوبك، تصدرت روسيا قائمة الدول الأعلى بمخزون الغاز الطبيعي لعام 2020، لتصل حجم احتياطياتها إلى 48.9 تريليون متر مكعب. وجاءت روسيا في مقدمة قائمة الدول الأعلى بصادرات الغاز الطبيعي ليصل حجم صادراتها لعام 2020 إلى 199.9 مليار متر مكعب. كما يشكل إنتاج روسيا وأوكرانيا من القمح حوالي 14 في المئة من الإنتاج العالمي وتمثل صادراتهما ثلث نظيرتها العالمية للقمح، وهو الأمر الذي يعرض الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة الى عدم الاستقرار، خاصةً أن القوة الشرائية للعائلة الفلسطينية انخفضت بشكل متصاعد نتيجة لارتفاع الرقم القياسي للأسعار بحيث اقتربت حتى مايو الجاري من 3.5%، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم خلال العام الجاري في ظل عدم وجود آفاق قريبة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.
وبالرغم من وجود العديد من الدراسات والأوراق التي ترى بأن هنالك مجال أكبر لسياسات التقشف في موازنة السلطة الوطنية، وهي اجتهادات اقتصادية يجب الأخذ بها، الا أن المتتبع للسلوك الإنفاقي للخزينة العامة يدرك أن النفقات العامة تقلصت الى حد كبير في الوزارات والهيئات العامة، بما فيها الأجهزة الأمنية. وليس خافياً على أحد، إن تقليص عملية التوظيف واقتراح بعض برامج التقاعد المبكر تعتبر حلولاً ذات جدوى على المدى القصير لحل العجز المالي المتراكم في الخزينة العامة. بالمقابل، فإن هنالك قيوداً كبيرة على سياسات التقشف يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تنفيذها لأنها قد تؤدي في حال الاستمرار فيها الى نتائج عكسية تؤثر سلباً على المصلحة والغايات الوطنية العليا، وتتمثل هذه القيود بالآتي:
أولاً: إن سياسات التقشف تؤثر سلباً على برامج تدعيم الأمن والاستقرار المجتمعي التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، بحيث تؤدي الى إضعاف فاعلية الأجهزة الأمنية في مواجهة الفوضى والعنف والإرهاب والجريمة، وهو الأمر الذي يعرض وظيفة الأمن العام الى الفشل. ثانياً: إن سياسات التقشف تؤثر سلباً وبقوة على برامج الدبلوماسية الرسمية التي تسعى الى فضح انتهاكات الاحتلال، وتضيق مساحات العمل الدولي على دولة الاحتلال، واستصدار قرارات أممية لصالح الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة. وبالضرورة، فإن النضال من أجل التحرر باستخدام القانون الدولي يعتبر حقلاً هاماً وأساسياً من حقول النضال الفلسطيني، ولن يكون متاحاً وفاعلاً إذا ما استمرت سياسات التقشف لاسيما في الحقل الدبلوماسي والقانون الدولي.
ثالثاً: إن سياسات التقشف تضعف برامج تعزيز الصمود والمقاومة الشعبية التي تنفذها وزارات السلطة الوطنية وهيئات وأحزاب منظمة التحرير الفلسطينية. وهي برامج تقوم أساساً على تعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه، وتعزيز التصدي الشعبي لتهويد القدس، والتصدي لهجمات المستوطنين وجيش الاحتلال. وعلى أهمية هذه البرامج الوطنية في مختلف أنحاء الوطن، فإن سياسات التقشف تحد من هذا الجانب النضالي ضد مشروع الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الإحلالي.
رابعاً: إن استمرار برامج التقشف يحرم جيلاً متعلماً من الشباب والخريجين الجامعيين الفلسطينيين من الحصول على فرص عمل لاسيما في القطاع العام الذي يعتبر القطاع الأول في عملية التوظيف. وبالنتيجة، فإن ذلك سيؤدي الى ارتفاع مستويات البطالة والتي ستؤدي في حال ارتفاعها الى الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي والسياسي.
وفي النتيجة، فإنني أعتقد أن الاستمرار في برامج التقشف سيكون له آثار سلبية على المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وسينعكس سلباً على الغايات الوطنية وتحقيق الأمن والاستقرار الوطنيين. من هنا، فإن البحث عن حلول جديدة لسد عجز الموازنة العامة سيكون أكثر نجاعةً من إطلاق الحكومة النار على قدميها إذا ما استمرت في برامج التقشف لفترة طويلة.