نظرة على فيلم سيدى عمر المختص بالأسرى / بقلم رأفت حمدونة
فيلم سيدى عمر للكاتب والروائى الأسير المحرر الأستاذ وليد الهودلى جسد شخصية الفلسطيني وتضحياته، وصوَّر شخصية الأسرى والمعتقلين بثباتهم وصمودهم وتضحياتهم وعذابات ذويهم، وأظهرالفيلم من خلال تلك الشخصية الواقعية والرمزية فى آن واحد وبطريقة أشبه بالحقيقة ، قضايا الاعتقال وعدم تعامل الاحتلال مع المحرمات حتى الاعتقال من المستشفيات والقتل بدم بارد ، وصوَّر شكل التحقيق واسلوب المحققين بالتعذيب النفسى والجسدى، وتلفيق التهم ، والاعتقال الادارى بلا لوائح اتهام وبملف سرى وتضامن الاسرى مع بعضهم البعض من خلال المساندة للمضربين بأشكال مختلفة، والأحكام الردعية ، وبيَّن واقع الأسرى فى السجون من حيث الوحدة والروابط والبسمة ووضوح الهدف والرؤية والعلاقات المتينة بينهم ، الأمر الذى توفق به الكاتب من خلال مشاركة الأسرى لهمومهم ومساندتهم ودعمهم لبعضهم وفرحتهم من خلال حفلات وداعهم لحظة الافراج، رغم اختلاف ظروف الأسرى من حيث العمر وأصل السكن والحالات المرضية، واجتهاد الرأى فيما بينهم فى مواجهة إدارة مصلحة السجون ، وأوضح الفيلم معاناة ذوى الأسرى بسبب اعتقال أكثر من شخص من نفس الأسرة وفى الجانب الاجتماعي ومعاناتهم على أكثر من صعيد .
ولفت انتباهى من خلال المشاهدة تصوير الفيلم فى سجن حقيقى ، الأمر الذى يعكس الصورة بشكل أكثر واقعية للمشاهد وواضح جداً تعاون المؤسسات القائمة على الفيلم مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين ، وقيادة الشرطة الفلسطينية وقيادة الأمن الوطنى ومؤسسات رسمية أخرى ، الأمر الذى يجعل المشاهد يعيش الأحداث بشكل أشبه بالحقيقة ، وتألق المخرج بشار النجار ، والممثلين ( أمجد غانم ، فيحاء الصابر ، حسام أبو عيشة ، سعيد سعادة، عماد الصابر، عمر قواصنة، منذر بنورة ، أسير نزال ومجموعة متألقة أخرى من الممثلين ) بتقمص الشخصيات وكأنهم عاشوا مسبقاً تجربة الاعتقال ، وكان لمسة جميلة من خلال معرفة شكل الملابس داخل السجون وتجسيدها مما يجعل المشاهد يعيش ظروف الاعتقال من حيث المظهر والمحتوى وتكامل المشهد .
وللحقيقة تميز الراوى وكاتب السيناريو بالتسلسل والتدرج وايصال الرسالة بطريقة أكثر من ذكية لإظهار واقع الاعتقال ومعاناة الشعب الفلسطينى من خلال قصة رمزية أو واقعية مجسدة بشخصية فلسطينية مشهورة ، ولم يشهد النص أى نوع من المبالغة التى قد تنفر المشاهد .
ورغم أنى غير متخصص فى تقييم الصورة والإضاءة والصوت ، إلا أنى لم أصادف من خلال مشاهدة الفيلم أى أخطاء على تلك المستويات ، فقالت الكاميرا من خلال جمالية الصورة كلمتها ، وتم توظيفها من خلال الخطاب البصرى بطريقة لافتة وواضحة ، وعلى الرغم من أن التصوير كان فى مكان سجن حقيقى أشبه بالمعتم إلا أن الفنيين استطاعوا انتاج صورة ملائمة غير مظلمة من خلال اختيار إضاءة ذات أبعاد محددة ومناسبة، وكان جهدا واضحاً لفنيى الصوت والهندسة والمونتاج والأنشودة داخل العمل ونهايته ومن خلال ايصال صوت يلامس العاطفة ويقرب المشاهد من جوهر الرسالة من خلال الاحساس المطلوب والاستجابة العاطفية.
أعتقد (فيلم سيدى عمر) من أهم الأعمال التى تصور واقع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين فى السجون والمعتقلات الاسرائيلية وتخدم قضيتهم ، وأنه الأكثر نجاح من بين الأعمال الفنية فى ذات السياق ، آملاً أن تتم ترجمة الفيلم على الأقل للانجليزية ولغات أخرى لتدويل ملف الأسرى والتعريف بقضيتهم وانتهاكات الاحتلال بحق الشعب الفلسطينى عامة والأسرى والمعتقلين خاصة .