بقلم: عيسى قراقع
موجة التحريض الإسرائيلي على الرئيس الفلسطيني أبو مازن على أثر تصريحاته في برلين حول الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق شعبنا الفلسطيني وعدم اعتذاره عن عملية ميونخ الفدائية، تشير تماماً إلى أن هتلر لا زال يحتل العقل الإسرائيلي، وأن كل فلسطيني يرونه هتلراً يجب قتله وإبادته وحرقه وإخفائه من الوجود.
المحتلون الإسرائيليون تقمصوا هتلر الذي أصبح في أعماقهم وساروا على منهجه وعقيدته بعدم الاعتراف بالآخرين وإزالتهم من الزمان والمكان بالقتل والإخفاء والسلب والنهب وإضفاء الشرعية على جرائمهم تحت غطاء مخادع بادعائهم أنهم الضحية المهددة دائماً بالخطر والزوال.
منذ قيام دولة الاحتلال على أرض فلسطين أمسى تاريخها هو تاريخ دموي، فلم تعد إسرائيل سلطة احتلال عسكري فقط، بل أصبحت مُستعمرة لإفناء شعب آخر وتذويبه وطمس حياته ووجوده تاريخياً وثقافياً وإنسانياً، ومن يراجع تقارير كل مؤسسات حقوق الإنسان وقرارات الهيئات الدولية يجد آلاف الإدانات لدولة الاحتلال واتهامها بالعنصرية والأبارتهايد وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحقّ الشعب الفلسطيني.
العنصرية المقيتة والادعاء بالتفوق العرقي والجيني والتماهي مع أساطير الشعب المختار وأرض الميعاد وسياسة التعامل مع الآخرين باعتبارهم ليسوا من البشر ويجب معاملتهم كالعبيد، والدعوات التحريضية اليمينية لإقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين، وتشريع قوانين عنصرية كقانون القومية الذي يعتبر أخطر قانون في العصر الحديث يلغي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ويجعله حصراً لليهود في دولتهم النظيفة والنقية من أي فلسطيني، كل ذلك هو فكر نازي يجعل من إسرائيل كسلطة محتلة أكبر دولة طاغية ووحشية في منطقة الشرق الأوسط ومصدر لتدمير البشرية جمعاء.
النازيون أقاموا عدداً محدوداً من معسكرات الاعتقال والإبادة خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن المحتلين الإسرائيليين أقاموا مئات المعسكرات والسجون ومراكز الاعتقال والمعازل منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم، وقد وثق المؤرخون أن الفلسطيني إذا لم يكن داخل السجن فإنه طرد من أرضه وشرد بالقوة والمذبحة، ويذكرنا ذلك بمسيرات الموت التي أقدم عليها النازيون عندما تركوا الأسرى يسيرون على أقدامهم باتجاه المنفى، أطلقوا عليهم الرصاص وأعدموهم، هذا ما جرى في الطنطورة واللد ودير ياسين والصفصاف والدوايمة وغيرها من القرى والمدن الفلسطينية، فمن لم يمت في المحرقة مات خارجها في سلسلة مذابح الإعدامات الجماعية والميدانية والمتواصلة حتى الوقت الحاضر.
جنود اس اس الألمان لا يختلفون عن جنود الاحتلال الذين وصفتهم إحدى المذيعات الإسرائيليات بالوحوش البرية، هي نفس الوحدات العسكرية والأمنية التي تمارس القتل والاقتحامات والهدم وتمارس الإعدامات خارج نطاق القضاء، متشابهون تماماً في التفكير والسلوك، الدوس على كرامة الإنسان والتعامل مع الشعب الفلسطيني بشكل دوني وأقل من مستوى البشر.
إنهم النازيون الجدد الذين حذر الكاتب الإسرائيلي عاموز عوز من ظهورهم، المدعومون من المؤسسة الرسمية والكنيست والحاخاميين والمناهج التربوية، وإذا كان الهولوكوست مكوناً من ثلاثة معسكرات رئيسية في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية فإن حدود الهولوكوست الإسرائيلي تجاوز الخط الأخضر عام 1948 وخط الهدنة عام 1967، وتم إحراق القربان بالكامل: السلام والعدالة والقانون الدولي والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.
الفلسطينيون يعيشون في دولة إحتلال تؤسس لمحارق عدة، احتلال عسكري كولونيالي طويل الأمد، نظام فصل عنصري، هي نفس النموذج الفاشي في ألمانيا النازية التي صعدت إلى سدة الحكم كما صعد اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري مما دعا الحاخام اليعيزر قتشئيل إلى الاعتراف بأنه نازي ويؤيد نظرية هتلر والتفوق العرقي وبأن العرب يعانون من مشاكل جينية، لهذا فالتعليمات التي أصدرها هتلر بجمع اليهود في معسكرات وطردهم وقتلهم هي نفس التعليمات التي أصدرها مؤلف كتاب توراة الملك والذي أصبح دليل قتل الفلسطينيين المستند إلى نصوص دينية من كبار الحاخامات اليهود عبر العصور المختلفة، يدعو إلى قتل (الأغيار) والمقصود العرب والفلسطينيون وسحق حقوقهم القومية والوطنية، وتشغيل ماكنة قهرهم المروعة التي لا تقل مشابهة عن غرف الغاز الهتلرية.
لقد صار الهولوكوست مذهباً ومنهجا، وانشأ نظاما قمعيا متكاملا سياسيا وقانونيا وإيديولوجيا في اسرائيل، واستوطن الهولكوست عقول الإسرائيليين وصار مركبا داخليا وعنصرا أساسيا في شخصيتهم، فتحولوا من ضحايا إلى جلادين وسجانين، يمارسون الجرائم المنظمة تحت شعار استئثتار واحتكار صورة الضحية. عبر ابراهيم بورغ الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي عن الظاهرة النازية المتفشية في النظام الإسرائيلي عندما قال: لقد ابتُلعنا بالكامل داخل التشابه المخيف مع أولئك الذين هربنا منهم مبادين ومرعوبين، لقد تحولنا إلى مشعلي حرائق، هذه الحرائق التي تحدث عنها بورغ هي التي ذكرها الرئيس أبو مازن، فهي شهادة من داخل معسكر القامعين ومن مواقعهم المتقدمة. غرق الاسرائيليون في روح المحرقة، لم يجدوا بديلا لذلك، غرقوا في هذا المستنقع ولم يصلوا إلى ضفة الحياة، فقد تحولوا إلى أداة لسلب الحياة من الآخرين، وأصبح المجتمع الإسرائيلي مجتمع حرب، يعيش حالة طوارئ دائمة، لأن الجميع في نظرهم هم نازيون وألمان وعرب، وإن كانوا قد انتصروا في حروبهم العسكرية، فلا زالوا يعيشون حالة الهزيمة والانسحاق الداخلي.
هذا الفساد العسكري والأخلاقي والنفسي الذي أصاب المجتمع الإسرائيلي بما يسمى "هوس المحرقة"وصفه الجنرال الإسرائيلي يائير غولان عندما قال عام 2016 بمناسبة ذكرى الهولوكوست: إذا كان هناك شيء يخيفني في هذه الذكرى هو رؤية تطورات مثيرة للرعب حدثت في أوروبا عامة وفي ألمانيا في ذلك الحين، ووجود ما يشبهنا هنا بيننا، وانعكاس هذا الصدى المخيف عند قيام أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية البروفسور دانييل بلتمان بتأكيد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعيد التذكير أكثر وأكثر بألمانيا عام 1933.
إن هدف التربية والتعليم الإسرائيلي إنتاج نازيين من خلال التثقيف للخدمة العميقة في الجيش، والحفاظ على روح التطرف القومي والنمط الحربي العسكري في التعامل مع الآخرين، ولعل اعتراف رئيسة المحكمة العليا استير حيروت بأن القوانين العنصرية التي يشرعها الكنيست الإسرائيلي متوافقة مع قوانين نيرنبرج النازية ما يؤكد ذلكماذا تعني سياسة جز العشب الذي يفتخر بها رئيس الشاباك الإسرائيلي رونين بار؟ هذه السياسة ستستمر على قدم وساق، القتل، الاعدامات، المصادرات، المداهمات كما يقول، إنها وصفة نازية للدوس على كرامة الإنسان الفلسطيني وحقوقه العادلة، تعميق الاحتلال وكل مظاهر الإبادة والتطهير العرقي، وهنا يكون ردنا كفلسطينيين ومن وحي موقف الرئيس أبو مازن ما قاله الشاعر بابلو نيرودا، يستطيع أعداؤنا أن يقطعوا جميع الورود، لكنهم أبدا لن يكونوا سادة الربيع.