مدينة جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة معقل هام لمسلحين فلسطينيين من الفصائل كافة، وبالخصوص من حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وبسبب قربها من قرى عربية داخل الخط الأخضر، معروف أن عديدين من أبناء الشعب الفلسطيني من مواطنين إسرائيليين يصلون إلى المدينة لشراء البضائع والخدمات، لأنها أرخص بكثير من الأسعار في إسرائيل.
تيران فارو شاب من الطائفة الدرزية جاء إلى جنين لتصليح سيارته، ولكنه وقع في حادث سير مروّع تم نقله الى مستشفى جنين للعلاج، رغم أن وضعه كان ميؤوسا منه، وفارق الحياة في المستشفى. خطف مسلحون من "الجهاد الإسلامي" جثته، خصوصا أن أبناء الطائفة الدرزية يخدمون في الجيش الإسرائيلي، والقانون الإسرائيلي يُلزمهم بالتجنيد الإجباري.
حسب الإحصائيات، لا يتجاوز عدد سكان إسرائيل من الطائفة الدرزية 150 ألف شخص. ولأول مرة في الانتخابات الإسرائيلية أخيرا لم ينجح أي منهم في الوصول إلى الكنيست. وقد احتج الدروز بشدة بعد إقرار قانون يهودية الدولة، والذي وضع كل شخصٍ غير يهودي في موقع المواطنة من الدرجة الثانية.
تحاول إسرائيل جاهدة سلخ الدروز عن هويتهم العربية بمحاولة اعتبار الدرزية دينا وقومية في الوقت نفسه، كما يعتبر اليهود اليهودية دينا وقومية. والدروز من أكثر العرب نقاوة بسبب رفضهم اجتماعيا من الزواج خارج طائفتهم. ومن أشهر الشخصيات الدرزية سلطان باشا الأطرش الذي حارب المستعمرين الفرنسيين في سورية، واشتهر بعبارة "الدين لله والوطن للجميع". وللدروز حضور وطني قوي في لبنان وسورية، ومن بينهم الزعيم القومي في لبنان كمال جنبلاط، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من الطائفة الموحدة والتي يبلغ عدد أبنائها في الأردن حوالي 30 ألفا، يتم تسجيلهم في السجلات الرسمية مسلمين.
حاول المقاومون في جنين جاهدين مبادلة جثة المواطن الدرزي بجثث عشرات من الفلسطينيين قتلهم الجيش الإسرائيلي، ويحتجز جثامنيهم. .. رغم أن الشاب تيران لم يلتحق بعد بالجندية، إلا أن القانون في إسرائيل منذ العام 1956 يفرض عليهم التجنيد الإجباري، ويرفض دروز عديدون الانضمام إلى جيش الاحتلال، ويدفعون ثمن ذلك الاعتقالات المتكرّرة وقد مات حوالي 400 جندي احتلال من الطائفة الدرزية.
جاءت الضغوط على المقاومين من كل صوب، ولكن أكثرها ذات واقع اجتماعي صعب. وقد حدث في إحدى القرى العربية داخل الخط الأخضر أن أمسك بعضهم بخمسة عمال فلسطينيين من الضفة الغربية، وانهالوا عليهم بالضرب، وهدّدوا باحتجازهم لغاية إعادة جثة تيران فارو. .. ثم انتهت القضية بعد تسليم الجثة لجيش الاحتلال، بعد أن تبين للمقاومين أن تيران لم يكن قد التحق بعد بجيش الاحتلال، على غير ما كانوا يعتقدون حسب بياناتهم. في اليوم نفسه الذي تم تسليم جثة تيران، أعلن أربعة إسرائيليين يهود عن رفضهم الخدمة في الجيش الإسرائيلي، بسبب قناعاتهم أن ذلك جيش احتلال، وليس كما يسمّى جيش الدفاع.
ويبقى السؤال المهم: هل ستترك هذه الأزمة أثرا إيجابيا على الشباب الدروز، وتشجعهم على رفض الخدمة الإجبارية، والعمل على إلغاء القانون الجائر الذي لا ينطبق على باقي المواطنين العرب في إسرائيل، أم هل ستترك القضية آثارا سلبية في العلاقة داخل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وفي العلاقة مع باقي الشعب الفلسطيني؟