تل ابيب /PNN / عبّر مسؤولون عسكريون وقانونيون سابقون في “الإدارة المدنية” للاحتلال في الضفة الغربية عن قلقهم من إخضاع هذه الدائرة لمسؤولية حزب الصهيونية الدينية، برئاسة بتسلئيل سموتريتش، واعتبروا أن خطوة كهذه من شأنها استهداف السكان الفلسطينيين، رغم أن “الإدارة المدنية” منذ تأسيسها هي جهاز أمني يهدف إلى تعميق سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين والتضييق عليهم في المجالات المدنية والتخطيط والبناء وهدم البيوت وتنقل الفلسطينيين إلى خارج الضفة والعودة إليها.
وينص الاتفاق الائتلافي بين سموتريتش ورئيس حزب الليكود والمكلف بتشكيل الحكومة، بنيامين نتنياهو، على فصل مسؤوليات في الضفة، بحيث يخضع قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، أي القائد العسكري للضفة، لوزير الأمن، بينما تخضع “الإدارة المدنية” لوزير من الصهيونية الدينية يُعين في وزارة الأمن، رغم أنه بموجب قوانين الاحتلال تخضع “الإدارة المدنية” لسلطة قائد المنطقة الوسطى للجيش. ويعني هذا الوضع فصل صلاحيات وزير الأمن.
وقال مسؤول سابق في “الإدارة المدنية” إن هذا الفصل في الصلاحيات سيؤدي إلى انعدام تنسيق أنشطة بين “الإدارة المدنية” والجيش، وأشار إلى أن “لأي نشاط (عسكري) في الضفة الغربية تأثير أمني مباشر وانعدام التنسيق سيؤدي إلى تناقض كبير”، وفق ما نقلت عنه صحيفة “هآرتس” اليوم، الثلاثاء.
وأضاف المسؤول السابق في “الإدارة المدنية” أنه “لا شك في أن ما يسعى إليه سموتريتش هو إجراءات ضم”. وتابع أنه يعتقد أن إخضاع “الإدارة المدنية” لوزير من الصهيونية الدينية يُعين في وزارة الأمن هو جزء من خطوة شاملة، وفي إطارها يبقى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بأيدي الجيش في موازاة جعل التعامل مع المستوطنين مدنيا.
واعتبر رئيس “الإدارة المدنية” السابق، إيلان باز، أن فصل “الإدارة المدنية” عن الجيش ووزارة الأمن سيؤدي إلى حالة فوضى، ستقود في أعقاب هدم بيوت فلسطينيين إلى عمليات مسلحة ينفذها فلسطينيون، “لأن الحديث هنا يدور عن أكثر عصب مكشوف – الأراضي والمستوطنات”.
وتابع باز أنه بموجب الاتفاق الائتلافي مع الصهيونية الدينية “منحوا أكثر وحدة عسكرية حساسية لحزب فئوي وكل ما يهمه هو مصالح الفئة التي يمثلها”، في إشارة إلى المستوطنين، وأن “سموتريتش يريد أن يصبح وزير أمن ليس كي يهاجم إيران وإنما كي يحرر المزيد من الأراضي وبناء المزيد من البيوت للمستوطنين، وليس من أجل أي شيء آخر”.
ويقضي الاتفاق الائتلافي مع الصهيونية الدينية بإخراج دائرة الاستشارة القانونية لـ”الإدارة المدنية” ومنسق أعمال الحكومة في الضفة، وتعيين قانونيين موالين لسموتريتش، عن دائرة الاستشارة القانونية في الجيش.
ويحاول معارضو الاتفاق الائتلافي مع الصهيونية الدينية تجميل صورة الاحتلال. وادعى ضابط سابق في “الإدارة المدنية” أن “المستشار القضائي ليهودا والسامرة (التابع لسلطة الجيش) يعمل من أجل الحفاظ على مجموعة سكانية محمية وعلى القانون الدولي” رغم أن أنشطة وممارسات هذه الدائرة كانت مناقضة للقانون الدولي طوال عقود، وتعرضت لانتقادات دولية، وبضمنها من جانب مؤسسات الأمم المتحدة، طوال السنين الماضية، وأصبحت في السنوات الأخيرة تدين إسرائيل بممارسة نظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين.
واعتبرت مجموعة من الخبراء في القانون الدولي وقوانين الاحتلال، التي تتابع خطوات فصل “الإدارة المدنية” عن الجيش الإسرائيلي، حسبما نقلت عنها الصحيفة، أن الاتفاق الائتلافي “يدل على ضم رسمي للضفة ومسعى إلى فرض نظام أبارتهايد فيها”.
من جانبه، وصف الجنرال المتقاعد، عاموس غلعاد، الذي تولى في الماضي منصب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، هذه التغيير التي ينص عليها الاتفاق الائتلافي بأنها “بائسة” وأن إسرائيل ستندم على تنفيذها في الأجيال القادمة.
وأشار غلعاد في مقال نشره في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة يستند إلى أربعة أسس: “الجيش الإسرائيلي، الشاباك، الشرطة وحرس الحدود، وتنسيق الأنشطة في المناطق والإدارة المدنية. وعمليات هذا الجهاز كلّه تخضع لقائد القيادة الوسطى، ضابط برتبة جنرال، يخضع لرئيس هيئة الأركان العامة، الذي يخضع بدوره لوزير الأمن والحكومة”.
وأضاف أن “جهاز الإدارة المدنية ومنسق أعمال الحكومة يسهل المواجهة مع الإرهاب لأنه مسؤول عن العلاقات المعقدة مع السكان الفلسطينيين واليهود (المستوطنين)، وإلى جانب ذلك مسؤول عن العلاقات مع السلطة الفلسطينية أيضا. والمهمة الأكثر أهمية، التي تجري بنجاح حتى الآن، هي أن الجمهور الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ليست في صدام مباشر مع إسرائيل وخاصة مع قوات الأمن. وهذا يسمح لجهاز الأمن بالتركيز على رصد مواقع الإرهاب وإحباطها”.
وأضاف غلعاد أن سموتريتش ورئيس حزب “عوتسما يهوديت”، إيتمار بن غفير، المرشح لتولي منصب وزير الأمن القومي، مع صلاحيات واسعة على الشرطة وإخضاع وحدة حرس الحدود في الضفة لإمرته، “يخصصان جلّ وقتهما من أجل تطبيق حلمهما بضم الضفة بمفعول حق ديني لإسرائيل، وبما يشمل ملايين الفلسطينيين هناك”.
وتابع أن “قسما كبيرا من حياتهما قضاياها في مواجهات مع جهازي الأمن وإنفاذ القانون، وقد يتحولان الآن إلى ذوي التأثير المركزي، والمسؤولين الفعليين أيضا، على مواقع مركزية في هذا الجهاز. وستتوفر لكلاهما الأدوات للسيطرة المباشرة على حرس الحدود، وهي وحدة ذات قوة غير عادية في الضفة، ورغم انتمائها تنظيميا للشرطة فإنها خاضعة لإمرة قائد المنطقة الوسطى بصورة حصرية”.
ورأى غلعاد أن “الإدارة المدنية، تحت قيادة سموتريتش أو عضو آخر من حزبه كـ’وزير أمن ثانٍ’، سيمنحهم القدرة على تحقيق حلمهم، ويمهد الطريق إلى ضم كامل للضفة إلى إسرائيل. وهم سيفضلون خدمة مصلحة السكان اليهود (المستوطنين) مثلما يرونها، وفي مقدمتها ضم مناطق ج التي تشكل 60% من الضفة؛ وسيتجاهلون ما وُصف حتى الآن بانتهاكات قانونية ينفذها السكان اليهود الذين يصوتون لهم؛ وسيشددون ممارساتهم ضد الفلسطينيين”.
وأضاف أنه في واقع كهذا “ستتلاشى السلطة الفلسطينية وتنهار، إذ أنه ليس معقولا أن توافق على التعاون مع أشخاص متطرفين يسعون إلى ضم كامل. وستدخل إسرائيل بشكل أكبر إلى واقع احتلال مباشر، والتكلفة المتوقعة لانهيار السلطة الفلسطينية تقدر بمليارات الشواكل، كما أن المساعدات الأوروبية والدولية ستتقلص على الأرجح”.