رام الله/PNN- كريم يونس أحد أبرز الثوار الفلسطينيين، الذين التحقوا بالمسيرة النّضالية، منذ ما قبل الانتفاضة الأولى عام 1987، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني "فتح".
ولد الأسير كريم يونس في الـ 23 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958م، في بلدة (عارة) في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وهو الابن الأكبر لعائلته.
درس في المدرسة الابتدائية الرسمية في مدرسة (عارة)، والمرحلة الإعدادية في (عرعرة)، والثانوية في (السالزيان) في مدينة الناصرة، والتحق بجامعة "بن غوريون" في بئر السبع لدراسة الهندسة الميكانيكية، وفي السنة الثانية من دراسته، ومن على مقاعد الدراسة، اُعتقل كريم في السادس من كانون الثاني/ يناير 1983، ولاحقًا جرى اعتقال ابن عمه ماهر يونس، بالإضافة إلى سامي يونس على خلفية مقاومة الاحتلال، حيث أفرج عن الأسير سامي يونس في صفقة (وفاء الأحرار) عام 2011، وكان في حينه أكبر الأسرى سنّا، وتوفي بعد أربع سنوات من تحرره.
تعرض كريم لتحقيق قاسٍ وطويل، وحكم عليه الاحتلال بالإعدام في بداية أسره، ولاحقا بالسّجن المؤبد (مدى الحياة)، وجرى تحديد المؤبد له لاحقًا لمدة (40) عامًا.
وفي عام 2013، وفي ذكرى اعتقاله الـ 30 توفي والده الحاج يونس يونس، وبقيت والدته الحاجة (صبحية) تنتظم في زيارته في معتقل "هداريم" الذي يقبع فيه حتّى اليوم.
وبعد 39 عامًا من الانتظار وفي تاريخ الخامس من أيار/ مايو 2022، رحلت والدته الحاجة صبحية يونس (أم كريم)، الأم الصابرة التي انتظرته بكل ما تملك من قوة، ورحلت دون أنّ تحتفي بحريته.
وفي أول رسالة له بعد وفاة والدته، "أمي زارتني في السجن ما يقارب الـ700 زيارة، كانت تقاتل لتصلني إلى السجن، لم تكل رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها".
وأكمل "برغم الألم والفقدان إلا أنني شعرت بسعادة وفخر عندما علمت أنَّ الحاجة لُفت بالعلم الفلسطيني الذي غُرز أيضًا على أرض مقبرة قرية عارة".
على مدار 40 عامًا، بقي كريم الثائر المناضل الوفي لأبناء شعبه ورفاقه الأسرى، وكان مدرسة بالوحدة الوطنية، شارك على مدار أربعة عقود في كافة المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة، ومنها الإضراب عن الطعام الذي يعتبر أقسى هذه المعارك، وكان آخرها إضراب عام 2017 الذي استمر لمدة 42 يومًا.
وشكّل كريم بما يحمله من فكر نضاليّ، مدرسة للأجيال التي دخلت وخرجت من الأسر، وهو صامدًا وقويًا وثابتًا على مبادئه الأولى، وبقي الثائر الفاعل، في كل جوانب الحياة الاعتقالية، وأكمل دراسته داخل الأسر، وحصل على درجة البكالوريوس، والماجستير.
الأسير يونس هو واحد من بين 25 أسيرًا تواصل سلطات الاحتلال اعتقالهم منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو أي قبل عام 1993، حيث رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدار عقود أن تفرج عنهم، رغم مرور العديد من صفقات التبادل، والإفراجات وكان آخرها عام 2014، حيث كان من المقرر أن تفرج سلطات الاحتلال عن الدفعة الرابعة من القدامى وكان عددهم في حينه (30) أسيرًا، إلا أنها تنكرت للاتفاق الذي تم في حينه في إطار مسار المفاوضات، إضافة إلى مجموعة من الأسرى الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم عام 2014، وهم من محرري صفقة "وفاء الأحرار"، أبرزهم نائل البرغوثي الذي دخل عامه الـ43 في سجون الاحتلال، وعلاء البازيان، وسامر المحروم، ونضال زلوم وآخرون.
(وهذه كانت آخر رسالة وجهها كريم قبيل أيام من الإفراج عنه):
-"سأغادر زنزانتي"
ها أنا أُوشك أن أغادر زنزانتي المُظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين اخوتي، اخوةُ القيد والمعاناة، اخوة جمعنا قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد.
أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ اخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلًا استقبال يعبر عن نصرٍ وانجازٍ كبير، لكني أجد نفسي غير راغبٌ، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتمًا ثوابتٌ في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصًا حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود.
-سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقيةٌ مع القابضينَ على الجمر المحافظين على جذوة النّضال الفلسطينيّ برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنواتِ أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلفِ والانحدار.
-سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوشُ عقلي فأتساءل محتارًا على غير عادتي إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلقٌ يزداد مما نشاهدُ، ونرى من تخاذلٍ، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم دون أن يشعر أنّ جروحه قد لا تندمل، وأن لا أمل له بحياةٍ هادئة، ومستقرة، ومع ذلك بقي ندًا، وقادرًا على الاستمرار.
-سأترك زنزانتي، وأنا مدركٌ بأن سفينتنا تتلاطمها الأمواج الدولية، من كل صوبٍ وحدب، والعواصف الإقليمية تعصف بها من الشّرق والغرب، والزّلازل المحلية، وبراكين عدوانية تكاد تبتلعها، وهي تبتعد، وتبتعد عن شاطئ حاول قبطانها أن يرسو إليه قبل أكثر من ربع قرن.
-سأترك زنزانتي، مؤكدًا أنّنا كنّا ولا زلنّا فخورونَ بأهلنا، وبأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشّتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مر كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا، ولقضية شعبنا، الأمر الذي يبعثُ فينا دائما أملاً متجددًا، ويقينًا راسخًا بعدالة قضيتنا، وصدق انتماءنا، وجدوى وجوهرِ نضالنا.
-سأترك زنزانتي، رافعا قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد في السّنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع، والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية، والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة، وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد، برغم أجواء التهافت.
-سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرّهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن أضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عامًا، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي…..نشيد العودة والتّحرير.