بقلم: رامي مهداوي
“مئة عام من العزلة” إنها رواية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز التي أصبحت مرجعاً في تاريخ أدب أميركا اللاتينية والأدب العالمي، وتتناول هذه الرواية تاريخ بلاده من الاستعمار والحروب الأهلية والتدخّل الاقتصادي الأجنبي إلى اندثار المجتمع الأصلي بكل تفاصيله.
أما في واقعنا الفلسطيني، فنجد الرواية على شكل الإفراج عن كريم يونس في الخامس من كانون الثاني 2023 عن عمر بلغ الـ65، بعدما أمضى 4 عقود معتقلا في غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي، وخلال أيام سيُفرج عن ماهر يونس عن عمر بلع الـ64 عاما بعد أن يمضي هو الآخر عامه الأربعين في معتقلات إسرائيل، إذ يقبع حاليا في معتقل “النقب” الصحراوي.
السؤال الذي يطرح نفسه إذا ما كانت هناك خطة وطنية شمولية للتعامل مع كريم وماهر؟ أم سيتم الاكتفاء بالاحتفالات والتصوير معهما والسباق لعقد لقاءات إعلامية، ومع الأيام ننسى وتُنسى ملحمتهما الصمودية الأسطورية في وجه السجان.
أنا كُلي ثقة بأن كريم يونس سيقوم باستكمال دوره الوطني كما عهده الأسرى في كسر أحد أهداف الاحتلال في طمس الثقافة والوعي ومواجهة الفكر الصهيوني. وخير دليل على ما أقول كيف تحدث للمجتمع المحلي عن رحلته الجديدة منذ اللحظة الأولى التي تم الإفراج عنه بهذا الأسلوب الذي يعبر عن وجه الاحتلال القبيح.
استناداً لذلك، وضمن الحفاظ على هذا الإرث النضالي لكريم وماهر؛ يجب مأسسة إطار عام ضمن إستراتيجية توعوية على الصعيد المحلي والعالمي؛ تعبوية فكرية للأجيال الشابة، لهذا على كافة المؤسسات الوطنية على الصعيد الحكومي والأهلي وحتى القطاع الخاص التعاون، كل حسب مقدرته ومسؤولياته، لإنتاج خطة عنوانها كريم وماهر لكن في مضمونها ملف الأسرى الفلسطينيين.
أتمنى من الكل الفلسطيني أن يُشمر عن ذراعيه والعمل الفوري في إحياء ذاكرة كريم وماهر ليس بالشعارات والهتافات والمرور مرور الكرام والاكتفاء بمجرد خبر على الشريط الإخباري في وسائل الإعلام المحلية حول الإفراج والاحتفالات والاستقبال هنا وهناك، بقدر ما يجب الخروج من الخطة ببرامج ومشاريع وأنشطة تحقق الهدف المراد تحقيقه.
لذلك على القطاعات المختلفة من: الثقافة والفن بكل مكوناتهما، الإعلام بمختلف أدواته، الدبلوماسية على صعيد المحافل العالمية والشعبية، والتعليم من مدارس وجامعات، الشتات والمهجر تحمل المسؤولية واستكمال المسيرة بالاشتباك المعرفي وتعرية السجان من منطلق حقوق الإنسان أولاً وأخيراً وما يحدث في غياهب السجون من انتهاكات يومية وصلت حد القتل وخير نموذج الشهيد الأسير ناصر أبو حميد.
آن الأوان أيضاً أن تقوم المؤسسات الأهلية والدولية التي تهتم بقضايا حقوق الإنسان والأسرى وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي الذي يشاهد العديد من الانتهاكات المخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني أمام أعينهم، ويكتفي برفع التقارير لجنيف؛ دون أن يلمس الأسرى أي تحول أو تأثير لهذه التقارير على سلوك إدارة السجون في التعامل معهم بمسؤولياتها.
“أربعون عاما من العزلة” هي الرواية التي كتبها كريم وماهر على أرض الواقع ليس في عالم الخيال، هم الأبطال الحقيقيون دون تمثيل، يدخلون بين العام والخاص في معادلة مدهشة مذهلة يقف لهم الشعب الفلسطيني احتراماً وتقديراً، روايتهم يتداخل فيها التاريخان الوطني والشخصي، إنها رواية الأسير الفلسطيني، ما يتطلب من الكُل الفلسطيني القيام بما عليه من مسؤوليات اتجاه أبنائنا المنسيين الذين قاموا بما عليهم وعلينا أن نقوم بما يجب اتجاههم.