فقدت حركة التضامن الفرنسية مع الشعب الفلسطيني وفلسطين واحدا من المدافعين المرموقين عنها ، انه برنار رافنيل ، الذي وافته المنية في 15 يناير الماضي في العاصمة الفرنسية باريس وسط حزن عم أصدقاء الشعب الفلسطيني في فرنسا .
شغلت القضية الفلسطينية اهتمامه منذ مطلع الستينات ، عندما كان عضوا مؤسسا في ما عرف في تلك الفترة " الحزب الاشتراكي الموحد " وكان من بين مؤسسيه القيادي الاشتراكي ميشيل روكار والذي كان رئيس وزراء فرنسا خلال فترة الثمانينات ، وكان هذا الحزب احد روافد الحزب الاشتراكي الفرنسي والذي تم إعادة تأسيسه عام 1971 على يد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وقد وضع رافنيل كتابا يؤرخ مسيرة الحزب الاشتراكي الموحد والذي تم انشائه بالأساس عام 1960 على خلفية معارضة مؤسسيه ومناصريه للاستعمار الفرنسي للجزائر .
ضمن هذه البيئة حدد برنار والذي درس التاريخ واصبح لاحقا أستاذا له في معهد الدراسات السياسية في باريس ، خياراته الفكرية والسياسية في مجابهة الاستعمار والدعوة للسلام ونزع الأسلحة الشاملة والنووية ، فكان عضوا نشيطا في الحركات الاوربية الداعية لنزع السلاح ونشر السلام والحرية ، وغي هذا السياق جاء التزامه بالدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية في فرنسا ضمن حركة التضامن .
وفي عام 2001 ومع اندلاع الثانية في فلسطين قرر الجناحين الرئيسين لحركة التضامن الفرنسية مع فلسطين التوحد ، وكان الجناح الأول AMFP ( الجمعية الطبية الفرنسية الفلسطينية ) والتي تأسست عام 1974 من مجموعة من الأطباء الفرنسين ذو التوجه اليساري الماوي ، وبدعم مباشر من مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك الشهيد عزالدين القلق ، والذين كانوا ينشطون في دعم المخيمات الفلسطينية في لبنان، اما الجناح الثاني فكان " جمعية فرنسا فلسطين " والتي تأسست عام 1979 وكانت قريبة في تأسيسها للحزب الشيوعي الفرنسي ، واكانت الجمعية تتحرك على المستوى السياسي والإعلامي الفرنسي وتنادي بحل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ، وتوحد الجناحين في اطار جمعية هامه اسمها AFPS أي جمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن وكان برنار رافنيل اول رئيس لها وحتى عام 2009 وخلال فترة رئاسته أصبحت الجمعية تضم الالاف من الأعضاء والمناصرين ولها فروع تقريبا في اغلب المدن الفرنسية وأصبحت اطار فاعل ومحاور في كل المناسبات الخاصة بفلسطين .
خلال هذه الفترة أيضا كان برنار رافنيل احد مؤسسي محكمة راسيل لفلسطين والتي تأسست عام 2009 كمحكمة راي عام تضم محامي وادباء وفنانين وناشطين ، تدعو لوضع حد لحصانة إسرائيل الدولية امام الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني والتي يدينها القانون الدولي وكان رئيس المحكمة السفير الفرنسي الشهير ستيفان هيسيل وهو يهودي الديانة ، ناجي من معسكرات النازية واحد الذين ساهموا بكتابة الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 .
اهتم برنار رافنيل بموضوع المقاومة الشعبية في فلسطين وحتى قبل ان تعتمدها حركة فتح في مؤتمرها السادس في بيت لحم هام 2009 ، كخيار استراتيجي في عملها ، ودرس بعمق تجارب المقاومة الشعبية في عدد من دول العالم وبخاص الهند وتوقف عند تجربة الانتفاضة الأولى في فلسطين في نهاية 1987 وكان يتحدث في محاضراته وكتاباته عن الدور المركزي الذي لعبه القائد الشهيد خليل الوزير ( أبو جهاد ) في انشاء اللجان الشعبية في كل الأرض الفلسطينية لتكون بنية الانتفاضة واستمرارها والتي استطاعت استقطاب قطاعات واسعة من الراي العام العالمي ووسائل اعلامه وشكلت منعطفا هاما في القضية الفلسطينية .
الموضوع الثاني الذي استقطب اهتمام برنار هو انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا إسرائيل ، فوضع كتابا ومقالات هن هذا الموضوع في فرنسا مطالبا الاهتمام بامتلاك دولة الاحتلال السلاح النووي مثلما يتم الاهتمام ويشكل حصري تقريبا في الأوساط السياسية والإعلامية في ايران وما يسمى محاولتها الحصول على السلاح النووي .
سعى برنار لأنشاء اكبر منصة لدعم نضال الشعب الفلسطيني في فرنسا، لتضم حركات تضامن ، أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات مجتمع مدني ، تعمل جميعها بشكل تنسيقي لصالح فلسطين ، فكان من احد مؤسسي " تجمع الجمعيات الاهلية لفلسطين " والذي يضم قرابة 50 مؤسسة أهلية ونراس هذا الاطار منذ عام 2001 وحتى عام 2009 .
التزام برنار رافنيل بدعم الشعب الفلسطيني ونضاله، لم يمنعه ان يكون ناقدا وبشكل علني وخلاق لبعض سياسات وخيارات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وكان مستمعا ومحاورا لكافة الآراء بالشأن الفلسطينية في اطار الاحترام المتبادل .
استمر برنار في المشاركة في الدفاع عن قضية فلسطين في كافة المنابر ومحاولة اللوبي المؤيد للاحتلال الإسرائيلي في فرنسا تشويه النضال الفلسطيني وربطة بمعاداة السامية ولم يتردد بانتقاد احد رؤساء الوزراء الفرنسيين السابقين في عام 2017 عندما قال ان مناهضة الحركة الصهيونية وانتقاد سياستها بحق الشعب الفلسطيني هي احد الاشكال الحديثة لمعاداة السامية .
برنار رافنيل الذي يستحق التكريم فلسطينيا وعلى اعلى المستويات ، ترك ارثا سياسيا وفكريا يتوجب دراسته ونشره .