الجدية مقابل قليل من الضحك! بقلم: بكر أبوبكر
عندما قدم لي أحد الأخوة مقالًا وملفًا حول الضحك!؟ لننشره في مركزنا التثقيفي تردّدت كثيرًا فكيف لنا أن نتعاطى مع موضوع الضحك ونحن مركز بحثي ذو عمل جاد؟
لاسيما وأن الهمّ الأول لنا هو القضية الفلسطينية، وهدفنا الذي لاتغمض عنه أعيننا هو فلسطين وتحريرها، وعمل كل ما يمكن عمله لغاية نشر وتقوية الرواية العربية الفلسطينية، والثورة والمقاومة بكافة أشكالها، بما يعني أن هناك تناقضًا بين الضحك وبين الجدية في التعامل مع القضية؟ وفي تعامل الانسان مع مفردات حياته؟ بمعنى أننا لا يجب أن نروّج للضحك فيما نحن تحت الاحتلال؟!
وأخضعت هذه الفرضية للنقاش والحوار والتأمل فوجدت التالي هو أن مجرد وجود الاحتلال على أرض فلسطين العربية -ما يجب مقاومته بكل الأشكال- هو حدث غريب و ساخر!
أليس من السخرية وجود أمة عربية كاملة بدولها وملايينها مساحة وموارد وسكان، وأنظمة مبهرجة، ومن ورائها أمم إسلامية (53 دولة وأكثر من مليار إنسان) ومع ذلك تُحتل فيها فلسطين وهي أرضها المقدسة! والتي تشكل القلب فيها؟!
أليس من السخرية أن تسقط فلسطين بالنكبة عام 1948م تحت وعود الأنظمة آنذاك؟
أليست هذه نكته لا تصدق!
وأليس من السخرية أنه عندما انطلقت الثورة والمقاومة الفلسطينية الباسلة عام 1965 لتحرير البلاد والعباد وقفت غالب أنظمة الأمة منها وقفة رفض أو محاربة ؟! بدلًا من أي يكون الدعم هو المفتاح الأول للتعامل؟ فقصموا ظهر الثورة حتى اليوم.
وإن أردت أن أسرد مسلسل السخرية والضحك في الأمور الجدية بل والجدية جدًا فهناك الكثير من المضحك المبكي!
أين هي الجدية أو الحقيقة أو العدالة بنمووانتشار وتعملق الخرافات والأساطير والأكاذيب لتسيطر على عقل القادة الإسرائيليين وحاخاماتهم (ومن ورائهم العالم الموصوف بالحر!؟) ليفترضوا ما هو مجافي للحقيقة والعلم والآثار أن أرض فلسطين العربية لهم؟
نعلم أن الوجود في فلسطين جاوز نصف مليون سنة منذ الحضارة الناطوفية الى الحضارة الكبارية، ثم العصر الحديدي والبرونزي ثم العربي والاسلامي..الخ، والذي لم تكن فيه الفترة التوراتية -على فرض أنها هنا جغرافيًا- الا كقيظ ليلة صيف واحدة! ومع ذلك لا يتكلم العالم الا بلسان التوراة!؟ رغم انكشاف القناع المزيف عن هذه الرواية آثاريًا!
أليسَ من السخرية المُرّة أن العالم يتماشى مع صنيعته الغربية (نحن الوجه الحضاري الغربي ضد البرابرة!؟ كما قال "هرتسل" نفسه عن يهود أوربا في كتابه دولة اليهود) أي الكيان الإسرائيلي بإدعاء ما يسمونه هيكلًا؟ لم تثبت حبة رمل واحدةتحت ثرى القدس وجود شيء كهذا؟
أليس من المضحك المبكي أن تكون الرواية التوراتية الأسطورية دارجة!؟ بل ويتقبلها عرب التخلف والهبل والسخافة، والانبهار بالغرب الاستهلاكي، وعرب الماضوية، وعرب التتبيع اليوم الى الدرجة التي يدينون فيها المقاومة الفلسطينية بشكل مثير للضحك عليهم! فيما يتمنّعون من إدانة الوجود الاحتلالي الاستعماري العنصري الإسرائيلي في بلدهم فلسطين، ويخجلون من إدانة الإرهاب الصهيوني اليومي؟! أويتحرجون من إعلان انتمائهم الى القدس؟
إن معدل السخرية والضحك عالي جدًا في طبيعة الوضع العربي-الصهيوني، والفلسطيني-الصهيوني فبدلًا من أن تقف أمة العرب والإسلام عند حدود واجباتها القومية والدينية والإنسانية تروّج للمحتل بمنطق التحلل من الارتباط بالقضايا العادلة، وعلى رأسها فلسطين!؟ وبذلك تبرز في صورة الانسحاق تحت قدم الأفكار الاستتباعية الإلحاقية، تحت أقدام المحتل الغربي!
قال عليه السلام: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت ))
أليس من المضحك المبكي أننا نعلم ولا نفهم؟! نعلم ولا نفهم ما قاله سيد الخلق أننا أمة الزبد، أوامة الغثاء التي تكون كثرتها أن تتدفأ حول وسائل التواصل الاجتماعي بعيدًا عن لمسة دعم اوثناء أو حنان للفقير أو الثائر أو المقاوم؟ أو حتى الدعم النفسي والوجداني والمالي لفلسطين!؟
"كنتم خير أمة أخرجت للناس" مشروطة بكل وضوح ب"عمل" المطلوب منهم، وهو اليوم أي هذا العمل سقط في بحر السخرية! حين يصبح التشبه بالغرب الرأسمالي الاستهلاكي حتى باللسان واللبس، وقيم الرذيلة هو بغية الانسان العربي اوالمسلم الذي جعله الله خليفة له بالأرض؟!
أن يكون خليفة بالأرض هو بأن يكون مؤمنا راسخ الإيمان، وصاحب قضية وليس كرشًا يُملأ وعقلا يُفرغ! وتحركه الشهوات يمينا وشمالا، ويكاد النزق والهوى والشهوات الزائلة فقط يرتبط بكل تصرفاته؟
أليس كل هذا مدعاة للسخرية السوداء وللضحك؟ والكثير الكثير!
إن الاستعداد المتواصل وبناء الذات النضالية الرسالية المُثابرة ، وفعل الرّباط والثبات على الأرض والمقاومة والدفاع ورفع الراية، هو وقت العمل الجدي للقضية، الذي يجب أن يأخذ من وقت المناضل أكثره.
هو وقت تشميرعن السواعد، ووقت تخطيط وتنظيم استعدادًا للسياق المناسب للانقضاض اليومي على العدو، بكل الوسائل الفكرية والميدانية والجماهيرية والاعلامية والثقافية والدبلوماسية، وفي الرواية ....
نعم. وبين هذا وذاك لا بأس من فترات راحة فيها قليل من الدفق المنعش للروح والمحفز الذاتي لمزيد من الإقدام والجدية والعمل المثابر، ومع ساعات ثرية من التأمل، وكثير من التفكروالايمانيات.
إذن لابأس في قليل الضحك، كما أفادني المناضلون مؤيدين أمثال حسني المشهور، وتارا الخطيب، ود.آلاء مليطات، ود.عبدالرحيم جاموس، ود.ابراهيم العربي، وناصر الشمري.
إنه التوازن المطلوب بين الجدية وهي أصل الفعل والإنجاز، وبين محفزات العطاء والنفس والروح أنا وجدت، فلا تقليل هنا من الجدية أو الهيبة، أوحقيقة أننا شعب يفرح ويترح.
بينما نحن نعيش كرب السخرية السوداء والإضحاك من الجهالة والغباء والاستتباع العربي والإسلامي المرتهن للقاتل الغازي، فإن الحياة تمضي وتحتاج بالفعل لفترات راحة قليلة يستطيع الانسان فيها شحذ همته والابقاء على حالة التفاؤل والإيجابية، وهذا لا يتأتي إلا بجدية العمل الدؤوب نحو تحقيق الهدف قطعًا. ويصبح تذوق الانسان الحس الفكاهي والنكتة والكوميديا والضحك مما لا بأس به حتمًا.
بعد كل هذا التأمل والحوار الذي شاركت فيه عدد من الاخوة والاخوات الكرام، وجدت أن لابأس من قليل من الضحك، نعم، ففيه الكثير من الشحن، والتذكير مما قد نكون نسيناه من مرارة، فتحن كفلسطينيين مثل كل شعوب الأرض نحب ونكره ونناضل ونبكي ونضحك، ونحب أن تظل الابتسامة على محيانا، لأننا نحب فلسطين، فهل من بديل!