بقلم: تيسير خالد
في محاولة للخروج من ازمة الانقلاب على السلطة القضائية ، التي عصفت بإسرائيل وارتدت تداعياتها في
انقسام عميق على المجتمع كما على المؤسسات في دولة الاحتلال بما فيها الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية أعلن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير نهاية آذار الماضي بأنه يوافق على تأجيل الدفع بقوانين الانقلاب على
القضاء إلى دورة الكنيست الصيفية مقابل تعهد رئيس الحكومة نتنياهو، بتشكيل حرس وطني يكون خاضعاً
لسلطته بشكل مباشر كما جاء في الوثيقة التي وقعها الاثنان واتفقا فيها على تقديم تشكيل الحرس لمصادقة الحكومة وإجراء التعديلات القانونية المطلوبة لذلك ليتحول البند 90 في الاتفاق الائتلافي بين الليكود وحزب “ قوة يهودية ”، إلى واقع بعد ان كان مشروعا على الورق.
وكما كان متوقعا، فقد صادقت الحكومة الإسرائيلية في جلستها الاسبوعية الأخيرة ، بشكل رسمي، على إنشاء
“الحرس الوطني”، تحت إشراف وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير وقررت اقتطاعا بنسبة 1.5% من ميزانيات
الوزارات الحكومية لصالح انشائه تماشيًا مع اتفاق بنيامين نتنياهو وبن غفير ، بترحيل الانقلاب القضائي الى
الدورة الصيفية للكنيست.
على أن فكرة تشكيل حرس وطني لم تكن بالجديدة. فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق نفتالي بينيت قد
اعلن في أيار عام 2022 أنه أوعز إلى هيئة الأمن القومي، بالتنسيق مع وزارة الأمن الداخلي ، بطرح خطة
تُخصص لها الميزانيات لتشكيل حرس وطني – مدني، نظرا للحاجة الملحة على حد قوله إلى تعزيز شعور مواطني إسرائيل بالأمن الشخصي ، وذلك على خلفية الأحداث التي عمت المدن المختلطة ، وتحولت الى مواجهة عنيفة بين المواطنين العرب واليهود في مدن كاللد وعكا وحيفا ، كان لزعران المستوطنات والبؤر الاستيطان دور بارز فيها. في حينه تقرر تأسيس الحرس الوطني بعد عام على تلك الاحداث، في يونيو (حزيران) 2022 عندما شغل عومر بارليف منصب وزير الأمن الداخلي ، وخصص له حوالى مليار دولار . ووفقاً للخطة التي أعدت خلال ولاية الوزير السابق بارليف، تم الاتفاق أن يعمل الحرس الوطني ضمن حرس الحدود كقوة شرطة نظامية ودائمة من متطوعي الاحتياط. أما الآن، وتنفيذاً لمطالب بن غفير فإن وحدة حرسه الوطني هذه، لا علاقة لها بالحالية، ولم تحدد طبيعة المشاركين فيها ، لكن وفق ما هو متوقع ستكون أشبه بميليشيا من المتطرفين جاهزة لتنفيذ أوامر الوزير اليميني في الضفة والقدس وداخل إسرائيل.
بن غفير يعمل هنا غير بعيد عن ثقافة الديكتاتوريات السوداء ، التي تصنع لنفسها عصابات مسلحة للدفاع عن
النظام . عصابات قوات الأمن الخاصة الهتلرية ( SS ) كانت نموذجا في هذا السياق . لنضع جانبا شبيبة هتلر
النازية في محاولة لتقريب الصورة . ففي بلدان المنطقة ، كما في البلدان الافريقية نجد ايضا مثل هذه النماذج ،
التي تسيطر على تفكير وسلوك بن غفير . فهو القادم في جذوره من كوردستان العراق تستهويه مشاريع من هذا النوع تعمل كميليشيات تابعة للزعيم وخاضعة لتعليماته . ليست قليلة العدد تلك الظواهر ، التي كان لدولته بالتعاون مع الادارات الاميركية نصيب وافر في تشكيلها وتسليحها وتدريبها وتوظيفها في خدمة سياسات عادت على بلدانها بالكوارث ، كما كان الحال في الكاميرون عندما أقام الديكتاتور بول بيا في 2001 وحدة خاصة خارج الجيش والشرطة تحولت سريعا الى عصابات إجرام . عندما اندلعت مظاهرات واسعة في مناطق المعارضة في جنوب غرب تلك الدولة بعد ذلك بأعوام على خلفية اندفاع النظام للسيطرة على جهاز القضاء وجهاز التعليم كانت ميليشيات " بوكو حرام " جاهزة للعمل، فقد ارسل النظام جنود تلك الميليشيات إلى معاقل المعارضة فاقتحموا المدن والقرى وتورطوا في جرائم سلب وتعذيب للرجال والنساء والأطفال، وإطلاق النار على المتظاهرين والمدنيين وإحراق وتدمير محلات تجارية وبيوت سكنية ومؤسسات قضاء وتعليم وجامعات ، على غرار ما كان في كينشاسا، عاصمة زائير سابقا، جمهورية الكونغو الديمقراطية لاحقا ، قبل ذلك بأعوام عندما قام الحرس الرئاسي الخاص، الذي ساعدت إسرائيل في إقامته للدفاع عن النظام بأعمال همجية ضد المعارضة في ذلك البلد وعودة الى نموذج بن غفير ، الاسرائيلي . فإن قرار تشكيل حرس وطني خاص لبن غفير مستقل عن الشرطة وعن حرس الحدود ويتبع مباشرة لهذا اليميني المتطرف والفاشي ، يثير المخاوف ليس في الداخل الاسرائيلي فقط، بل وفي أوساط الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية بما فيها القدس كذلك. في الداخل الاسرائيلي أثار مشروع بن غفير ردود فعل في اوساط كبار مسؤولي الشرطة، فمفوض الشرطة السابق، موشيه كرادي، يرى ان بن غفير يؤسس لميليشيا خاصة لاحتياجاته السياسية ويفكك بذلك الديمقراطية الإسرائيلية، فيما يدعو عضو الكنيست، جلعاد كاريف، من حزب العمل، مدير جهاز "الشاباك" رونين بار، إلى وقف الاتفاق مع بن غفير، فالحرس الوطني يجب أن يكون تحت قيادة الشرطة وليس تحت سيطرة منظمة لاهافا الارهابية المتطرفة، على حد تعبيره.
منظمات المجتمع المدني في اسرائيل تبدي هي الأخرى عميق القلق من تشكيل ميليشيا خاصة لبن غفير ، حيث
ترى جمعية حقوق المواطن في إسرائيل ، في الحرس الوطني الذي التزم به نتنياهو ميليشيات مسلحة خاصة،
فيما ترى حركة "من أجل جودة الحكم" في اسرائيل أن لا مكان في بلد ديمقراطي لكتائب وميليشيات خاضعة
لجهة سياسية ، فهناك جيش واحد وشرطة واحدة فقط ، ولاؤهم لسيادة القانون وليس للقائد.
وفي أوساط الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر يتعاظم القلق الى درجة الشعور بالخطر المحدق . فالرجل بن غفير هو ابن منظمة ارهابية ( حركة كاخ الارهابية ) له سوابق جنائية ويتبني ايدولوجية عنصرية كريهة ولا
يتورع عن القيام بما هو غير متوقع . فهو الذي حرض زعران التلال في يتسهار وغيرها للاعتداء على
المواطنين الفلسطينيين في المدن المختلطة وخاصة في مدينة اللد قبل عامين ، وهو الذي كان يعلق صورة
الارهابي باروخ غولدشتاين ، الذي استباح دم المصلين في الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل في شهر
رمضان وهم ركع سجود ، وتطوع كمحامي للدفاع عن الارهابيين ، الذين قاموا بحرق الفتي الفلسطيني المقدسي
محمد ابو خضير وعائلة دوابشه في قرية دوما قبل اعوام . الجميع هنا يدرك ان جنود بن غفير في حرسه الوطني هم الاحتياط، الذي يحتفظ به في زعران شبيبة التلال وزعران منظمات الارهاب والعنصرية بدءا بمنظمات زعران تدفيع الثمن مرورا بزعران منظمات لاهافا الارهابية وأخواتها وانتهاء بزعران لا فاميليا العنصرية.
ولكن ما الذي يدفع نتنياهو للاتفاق مع بن غفيرعلى تشكيل ميليشيا تعمل تحت غطاء سياسي رسمي وتحت إمرة مباشرة لوزير تعمل الشرطة وحرس الحدود بكل عدتها وعديدها تحت قيادته وما الذي يمكن ان يضيفه تشكيل كهذا مستقل عن الشرطة وحرس الحدود لمهامه . نتنياهو ليس بالرجل السهل ، فمن الواضح انه يفكر باصطياد اكثر من عصفور بحجر واحد ، فقد ابقى على ائتلافه الحكومي متماسكا ( ولو الى حين ) واحتفظ بخطة الانقلاب على القضاء على الطاولة للإفلات من الملاحقة القضائية وفي الوقت نفسه ينتظر ردود فعل المعارضة ورأي قيادة الشرطة والاجهزة الامنية وموقف المحكمة العليا في اسرائيل من مشروع حرس بن غفير الوطني . أما بن غفير فبقدر ما خطير فهو غبي كذلك .