إن السعي وراء الغاية هو الغرض الذي تسعى إليه المنظمات، ومن هنا فإن الحوكمة هي التي تضع الأساس لتحقيق تلك الغاية بطريقة أخلاقية وفعالة، حيث أضحى تطبيقها خاصة في الآونة الأخيرة هاماً وذلك لضمان تحقيق النجاح والتميز المؤسسي والنمو المستدام للمنظمات العاملة في مختلف القطاعات وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية من خلال وضع قواعد ومبادئ توجيهية لإدارة المنظمات والرقابة عليها، أما حوكمة الموارد البشرية فهي من المواضيع الجديدة في الحقل الإداري وجزء هام من هيكل الحوكمة العام للمنظمة وهو الجانب الذي يتعلق بالأفراد العاملين في المنظمات، فالموارد البشرية هي حجر الأساس والقلب النابض في المؤسسات، لذلك يجب أن تكون الإدارة على دراية تامة ليس بالمنظمة فحسب بل بالموظفين واحتياجاتهم، فنجاح المنظمات يعتمد على أداء موظفيها. وكما قال أوليفر شيلدون: "لا يمكن جعل أي صناعة فعّالة ما دامت الحقيقة الأساسية غير معترف بها وهي إنسانية".
أصدرت المنظمة الدولية لتوحيد المقاييسInternational Organization for Standardization ISO المواصفة الدولية ISO 30408 "إدارة الموارد البشرية- مبادئ توجيهية بشأن الحوكمة البشرية" في عام 2016 بهدف تزويد المنظمات بالمبادئ التوجيهية لهيكلة نظام حوكمة بشرية ومواءمته مع احتياجات المنظمة بغض النظر عن حجمها أو نوع القطاع الذي تعمل به، إضافة إلى توفير إرشادات لمواءمة العلاقات والأدوار والمسؤوليات داخل أنظمة الحوكمة البشرية كي تسترشد بها المنظمات لتحسين عملياتها ونتائجها من خلال إخضاع أنشطة الموارد البشرية بدءاً من الاستقطاب والاختيار والتعيين والمكافآت والحوافز والترقيات والعلاوات والإجازات والتدريب وإدارة الأداء وغيرها إلى نظام حوكمة فعال، فعلى سبيل المثال لا الحصر "التوظيف، الترقية" فإن الهدف من ذلك هو الابتعاد عن الواسطة والمحسوبية والمحاباة والتداخل لصالح فرد دون التقيد بأصول ومعايير العمل والخبرة والكفاءة وبالتالي توظيف وترقية من هم أكثر فاعلية وكفاءة وقدرة على تحقيق النجاح والابتكار والتوافق مع التوجه والأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.
عرّفت المواصفة الدولية ISO 30408 الحوكمة بأنها "النظام الذي يتم من خلاله قيادة المنظمة وتوجيهها والتحكم فيها ومسائلتها"، فالحوكمة تحدد القواعد والأنظمة والعمليات والسلوك ولكي يكون نظام الحوكمة فعالاً يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المنظمة بأكملها ومن جميع أبعادها، فالحوكمة الفعالة تعزز الثقة في كل من أصحاب المصلحة الحاليين والمستقبليين (الموظفون والمستثمرون والمساهمون والعملاء والأطراف ذات العلاقة).
كما عرفت المواصفة الدولية ISO 30408 الحوكمة البشرية على أنها "النظام الذي يتم منه خلاله توجيه المنظمة والتحكم بها، مع مراعاة أصحاب المصلحة في المنظمة إضافة إلى العوامل البشرية والاجتماعية وعلى جميع مستويات اتخاذ القرار"، ولا تقل أهمية حوكمة الأفراد عن إدارة الأصول المادية أو رأس المال المالي. ومن خلال مراعاة العوامل البشرية والاجتماعية في عملية صنع القرار ومواءمة ممارسات الحوكمة البشرية الفعالة مع التخطيط الاستراتيجي، سيؤدي نظام الحوكمة البشرية إلى نتائج إيجابية لجميع أصحاب المصلحة.
وبينما نجد أن حوكمة المنظمة تحدد مجموعة من الأطر والقواعد والأنظمة والإجراءات والضوابط الرقابية التي تهدف إلى محاربة الفساد بأنواعه وتقليل تضارب المصالح وتنمية الاستثمار وحماية المساهمين وتعزيز ورفع مستوى الأداء العام للمنظمة، فإن حوكمة الموارد البشرية تضع سياسات تضمن من خلالها إدارة الموظفين بطريقة تدعم الأهداف التنظيمية، وكلاهما ضروري لخلق هيكل تنظيمي فعال يساعد المنظمة على تحقيق أهدافها، والذي سينعكس إيجاباً نحو استمرارية أعمالها واستدامتها.
يجب أن تنظر الإدارة العليا في مبادئ الحوكمة البشرية الأساسية ومواءمتها عند وضع الأهداف التنظيمية الاستراتيجية وإيصالها لأصحاب المصلحة، وتتمثل تلك المبادئ في العدل والانصاف والشفافية والانفتاح والمساءلة لما له أثر إيجابي في تقليل معدل الدوران والغياب والإجازات المرضية وتخفيض معدلات الحوادث في العمل وتمضية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي والتراخي والكسل وعدم تحمل المسؤولية ورفع الروح المعنوية وزيادة الرضا الوظيفي وزيادة الإنتاجية لدى الموظفين وتحسين الاتصال والتعاون بين الإدارات والأقسام واحترام مواعيد العمل، ولابد لمجلس الإدارة باعتباره المسؤول الأول عن نظام الحوكمة من فهم دور الأفراد داخل المنظمة في تقديم القيمة لأصحاب المصلحة والالتزام بتعزيز وإدارة نظام حوكمة الموارد البشرية من خلال التوجيه والإشراف والرقابة واتخاذ الإجراءات اللازمة عند الحاجة.
ويجب على الإدارة العليا تحديد أدوارها ومسؤولياتها التي تتعلق بالحوكمة البشرية وتشجيع المشاركة الفعالة للأفراد على جميع المستويات وتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية للأفراد داخل المنظمة وفحص ومراجعة التقارير التي تتعلق بالحوكمة البشرية ومعالجة أوجه القصور في حال حدوث الانحرافات.
ومن خلال مواءمة ممارسات الحوكمة البشرية الفعالة مع التخطيط الاستراتيجي، يمكن للمنظمات:
• الاستجابة للاحتياجات التنظيمية والتشغيلية.
• توقع وإدارة مخاطر الموارد البشرية.
• تطوير ثقافة تنظيمية تعكس القيم التنظيمية.
• تعزيز التواصل الفعال والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة.
• تحسين الأداء العام.
في الختام قد تنجح بعض المنظمات في تطبيق الحوكمة بشكل عام وحوكمة الموارد البشرية بشكل خاص بينما تفشل منظمات أخرى في التطبيق، ولعل أهم تلك الأسباب التي تقف عائقاً وراء هذا التطبيق الثقافة التنظيمية السائدة داخل المنظمات، كما أن محدودية الموارد ومقاومة التغيير وعدم الرغبة لدى الموظفين وضعف عملية الاتصال بين الموظفين والإدارة وعدم توفر الكادر المدرب والمؤهل وعدم الوعي والاكتراث بأهمية رأس المال البشري من التحديات الأخرى التي تواجه المنظمات أيضا في تطبيق هذا النظام.
من هنا فإن العنصر البشري ثروة تمتلكها المنظمة يجب الحفاظ عليها والاستثمار بها من خلال التدريب والتطوير المستمرين والتحفيز الفعال فهو المسؤول عن رفع مستوى الأداء العام داخل المنظمة وتعزيز سمعتها وتحقيق رضا عملائها.
سهى جدعون، استشاري أنظمة جودة وإدارة معتمد