الشريط الاخباري

"الازمة السودانيه ابعادها وتداعياتها " بقلم: اللواء سمير عباهره

نشر بتاريخ: 02-05-2023 | أفكار
News Main Image

                        "الازمة السودانيه ابعادها وتداعياتها " بقلم: اللواء سمير عباهره

عدم الاستقرار سمة رئيسية فرضت نفسها في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الاوسط منذ عقود من
الزمن وتحديدا في المحيط العربي وهذا ليس من قبيل الصدفة ففي خاصرة هذا الوطن زرعت اسرائيل
حتى يحول ذلك دون تحقيق الوحدة الجغرافية بين شطريه الاسيوي والإفريقي وإبقاء المنطقة في حالة
من الصراع والخلافات وإغراقها في حالة من الفوضى بحيث لا تتحقق الوحدة السياسية العربية وإبقاء
الوطن العربي في حالة تجزئة.
 ما يحدث في السودان ليست ازمة داخلية كما تحاول بعض وسائل الاعلام الترويج له بل يأتي استكمالا
للمخططات الرامية الى خنق الوطن العربي وإضعافه والقضاء على كل مقوماته العسكرية والاقتصادية
وما حدث في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا يأتي في هذا السياق بهدف استهداف البنية التحتية
وتحطيم قواها العسكرية التي تشكل العمق الرئيسي لأمنها وسيادتها بغرض اضعافها وإخراجها من
دائرة التأثير في النظام العربي الرسمي.
الازمة السودانية دخلت نفقا مظلما وسيكون لها امتداداتها الجيوسياسية مع ارتفاع وتيرة التصعيد بين
اطراف الصراع والجهات التي تقف خلف هذا التصعيد بين داعم لهذا الطرف او ذاك وكل له اجندته
وأطماعه وتوجهاته وأهدافه في استنزاف السودان واستهداف مكوناته بكل جوانبها لما فيها من
تشابكات كثيرة وصراع بين القوى الكبرى على ثروات السودان هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان ما
يحدث ما هو إلا مقدمات لاستهداف الامن القومي العربي بدءاً من الامن القومي المصري الى جانب
الامن القومي السعودي حيث شكل بداية التقارب المصري السعودي حالة استدعت التسريع لإشعال
المنطقة وخلط الاوراق في هذه المنطقة الاستراتيجية بحكم ان مصر تشكل مركز الثقل في النظام
العربي الرسمي وان السودان يشكل العمق الاستراتيجي لمصر في حين تشكل السعودية الثقل
الاقتصادي عدا عن اهميتها الدينية للوطن العربي والإسلامي . فبعد الانتهاء من تدمير القوة العسكرية
والاقتصادية لكل من سوريا والعراق وليبيا بقيت مصر والسعودية التي تشكل مناطق النفوذ في الوطن
العربي وتقاربهم يعني اعادة صياغة الخريطة العربية مجددا والإمساك بقيادة الوطن العربي وهذا يعتبر
خطا احمر في نظر القوى المتربعة على عرش السياسة الدولية والتي تعتقد ان مصالحها قد تتضرر
نتيجة ذلك فكان القرار قطع الطريق على مثل هذه التحولات الاقليمية الجارية والعمل على خنق مصر
واكتمال من تبقى من حلقات ضرب النسيج المصري وتطويق مصر استراتيجيا وتغيير موازين القوى
الاقليمي.

 وكانت بدايات هذه الحلقة في حصار مصر من خلال اصطناع ازمة سد النهضة والتي هي
حاضرة بقوة في هذ الازمة السودانية وكان الهدف منها ضرب عمق الاقتصاد المصري من خلال
حرمان مصر من حصتها من المياه وترك اثيوبيا تتحكم فيها بحيث يصار الى شحن الاجواء بين البلدين
وصولا الى مواجهة عسكرية محتملة فكانت الازمة السودانية التي اخذت ابعادا كبيرة بما يتعلق بالأمن
القومي المصري وتركت مصر بين خيارات صعبة حيث يسير المخطط لجر مصر للتدخل العسكري في
الازمة السودانية مع اطالتها وذلك لاستنزاف مصر وإضعاف قدراتها العسكرية من جهة ومن جهة
اخرى فان غياب السودان عن ادارة ازمة سد النهضة يعني ترك مصر في مواجهة هذه الازمة بمفردها
ووضع العوائق امامها من خلال العمل على انهاء الازمة السودانية وخلق نظام حكم سوداني مناوئ
لمصر بحيث يضعف موقفها السياسي لفقدانه ورقة ضغط اخرى في مواجهة اثيوبيا ويضع العوائق
الجغرافية والسياسية امام مصر فيما لو ارادت الحسم العسكري لازمة السد النهضة الذي بات يهدد
الامن القومي المصري والذي شكل بؤرة من بؤر التوتر في المنطقة.

الازمة السودانية افقدت السعودية مقوم رئيسي واحد اهم الركائز الاقتصادية بحكم ان المملكة
السعودية لها مصالح كبرى في السودان واستثمارات تصل الى 47 مليار دولار وخاصة في القطاع
الزراعي حيث ان السلة الغذائية السعودية يتم انتاجها في السودان وهذه الازمة ستعمل على انحسار
وتراجع هذه الاستثمارات في حال استمرارها لسنوات طويلة مما يساهم في اضعاف المملكة في احد
جوانبها الاقتصادية وسلتها الغذائية.تعاظم النفوذ السعودي في المنطقة ازعج دول الغرب وتحديدا
الولايات المتحدة وخاصة بعد انتهاء القطيعة بين السعودية وإيران والوصول الى تفاهمات لتعزيز
العلاقات الثنائية وصولا الى وضع حد لسنوات طويلة من الخلافات والاهم من ذلك ان هذا الاتفاق تم
برعاية صينية وهذا يعني بداية فقدان الولايات المتحدة هيمنتها على المنطقة وفقدان مناطق نفوذ
استراتيجية لها وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة اخلالا بالتوازنات الدولية وخاصة في ظل التحولات
الدولية الجارية والتي يمكن ان تفضي الى نظام دولي جديد متعدد الاقطاب وهذا يعني انحسار النفوذ
الامريكي الدولي هذا من جهة ومن جهة اخرى فان العلاقات السعودية الامريكية شابها بعض التوتر
عندما اعلنت السعودية تخفيض سقف انتاجها من النفط وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة يخدم
المصالح الروسية واستمرار تدفق النفط الروسي الى دول كثيرة من العالم بما يحد من الحصار الذي
يفرضه الغرب على روسيا مما يضعف الموقف الامريكي ويفرض على الولايات المتحدة الذهاب الى
مخزونها الاستراتيجي من النفط لتعويض النقص الحاصل .
تصدير المشهد الاعلامي لعمليات اجلاء الرعايا الاجانب يحمل في طياته مؤشرات خطيرة وينذر بإطالة
الازمة السودانية وان الاسرة الدولية ليست معنية بتطويق الازمة بل مع استمرارها وهذا مؤشر خطير
جدا ويأتي في سياق ضرب البنية العربية والضغط على مصر والسعودية لتحديد موقف وموقع كل
منهما في ما يحدث في شرق اوروبا حيث باتت التوازنات بين مصر والسعودية من جهة والولايات
المتحدة من جهة اخرى معقدة ومتشابكة وتأخذ ابعادا كثيرة في قضايا متعددة وهذا زاد من استهداف
مصر والسعودية.
لا يمكن التنبؤ بنهاية الازمة السودانية لكن لا يمكن حلها بمعزل عن مصر بحكم عوامل كثيرة هذا في
حال توفرت ظروف دولية مساعدة على الحل وإطالة الازمة يعني تعقيدها وصعوبة ايجاد الحلول لها
لكن استمرارها يتقاطع مع مصالح بعض القوى العظمى والسيناريو الاسوأ انه ربما يصار الى تقسيم
اخر للسودان بما تقتضيه مصالح القوى العظمى.

شارك هذا الخبر!