الشريط الاخباري

فلسفة التعليم البنكي والتعليم الحواري لباولو فاراري وعلاقته بإضراب المعلمين بقلم: د. زيد أبو سرحان

نشر بتاريخ: 13-05-2023 | أفكار
News Main Image

يعد التعليم من أهم ما تتطلع اليه الشعوب وتعتني فيه من أجل تحقيق النمو والازدهار، فاهتمت به كثير من المجتمعات الحضارية المتعاقبة والتي رسمت طريقا وحضارة ما زالت آثارها الى يومنا هذا. يقول فاراري أن أزمة التعليم اليوم قائمة على أسلوب التواصل بين المعلم والطلاب، القائمة على مبدأ مرسل ومستقبل، بمعنى أن المعلم يقوم بدوره والطالب يقوم بالاستماع بدون تجسيده في الواقع مما يفقده الحياة، وأعتقد اليوم أنه في ظل استمرار تطور الحياة الاجتماعية والتكنولوجية، فيجب أن يتطور أسلوب الاتصال بين المعلم والطالب من ملقي للمعلومة والمتلقي لها، الى أسلوب الحوار والنقاش، من أسلوب حشو المعلومات، الى أسلوب الاستنتاج والاستكشاف، من أسلوب الحفظ والتذكر الى أسلوب التفكير والابداع.

بحسب فراري، فإن اقناع الطلاب بأنهم فاقدون للمعرفة بدون صاحب المعرفة وهو المعلم، يصب في تعزيز التعليم البنكي، الذي يهدف الى تعزيز فلسفة القهر الذي يمارس على الطلبة، مما يجعلهم يفقدون الشعور بتحقيق الذات، لأنه يشعرهم بأنهم غير قادرين على الحصول على المعرفة من دون المعلم، لذلك يدعو الى أن يصبح الطرفان فيها أساتذة وطلابا في نفس الوقت، حتى يبتعدوا عن جوهر التعليم البنكي الذي يقنع الطلاب بأنهم فئة سهلة الانقياد والتطويع وعليهم التأقلم مع هذا الواقع، وبالتي يجعلهم غير قادرين على الوصول الى الحرية والابداع.

ولو رأينا هنا واقع التطور في أساليب التعليم المختلفة في فلسطين، لو وجدنا أننا ما زالنا نمارس التعليم البنكي القائم على ثقافة المعلم والطالب وليس على التعليم القائم على مبدأ الحوار بين المعلم والطالب، من أجل اكتساب المهارات المختلفة خصوصا في وقتنا الحالي الذي قد يصل فيه الطلاب الى الابداع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمواد التكنولوجية المختلفة، والتي قد لا يستطيع فعلها المعلمون ذوي الخبرة الطويلة، لذلك أرى الخطورة بمكان بقاء المعلمين على الأسلوب التقليدي في التعليم، خصوصا نحن في مرحلة التحرر الوطني، فنحن بحاجة الى إنشاء جيل واع ومثقف وجريء ليقود مرحلة التحرر من الاحتلال، فأسلوب التلقين لن يفتح مدارك ومهارات طلبتنا وآفاقهم المطلوبة لتحقيق النضال وضمان استمراره، ومن أجل نيل حريته واستقلال وطنه، ومن الخطورة أيضا قيام المعلمين الذين يمرون الان في ظروف اضراب وقهر كبيران، أن يعكسوا هذا القهر على طلابهم، بعد تحقيق مطالبهم العادلة والتي يؤمنون بها، فإذا ما تحققت هذه المطالب وحصل بعض الضغوطات عليهم، أن ينقلوا هذه الضغوطات ويعكسوها على طلابهم،  بل عليهم أن يرسموا طريقة التخلص من هذا القهر، من خلال تحقيق مطالبهم التي خاضوا الاضراب من أجلها، وبالتالي تزرع في قلوبهم الشجاعة والقوة والمعرفة في سبيل تحقيق أمنياتهم ونيل حقوقهم، ويعلمهم طريق التحرر من التبعية والانعتاق من ذل الاحتلال، ويرسم لهم خارطة الطريق نحو تحقيق الحرية.

 يمر أسلوب التعليم البنكي بمرحلتين، مرحلة تعلم المعلم شيئا أثناء تحضيره للدرس، مرحلة القيام بالشرح ومواجهة الطلاب، ولا يشترط بالطلبة بهذا الأسلوب أن يعرفوا الدرس بل أن يتذكروه ويحفظوه، وبالتالي قتل روح المعرفة النقدية لدى الطلاب، أما أسلوب طرح القضايا للنقاش والحوار فهي التي تعمل على تكوين التعلم المستمر، ومشاركة الطلاب في حل وابتكار حلول ومقترحات لحل هذه المشكلة، ومنها يقول فراري أن نظام التعليم عن طريق طرح المشكلات لا يعترف بالحاضر المشرق ولا بالمستقبل المحدد سلفا، وإنما شغل نفسه بعملية ديناميكية تضرب جذورها في الحاضر وتتجه نحو المستقبل بثورية، وهذا ما نحن بحاجة اليه في مجتمعنا الفلسطيني، من تجديد روح التحدي واستمرار نهج رفض الاحتلال وعم التساوق معه والمساومة على قضيتنا ومقدساتنا، فبهذا المنهج يعرف الرجال المدركين لحقيقة عدم نقطة البدء في حركتهم التاريخية وتحقيق الأهداف المنوطة بهم، فنقطة البدء تكمن في داخل الرجال أنفسهم.

  إن شعور الرجال بحتمية الوصول الى قدرهم ومصيرهم والاستسلام لهذه المعتقدات، من أهم ما يقوم عليه أسلوب التعليم البنكي، فالأصل هنا أن يكون طلبتنا بوعي كامل عما يدور حولهم، فالوعي العميق بالموقف يؤدي بالرجال الى أن يتفهموا حقيقة المواقف التاريخية وقابليتها للتطور، وهذا ما يجب أن يدركه المعلم الفلسطيني بأن يعزز ويربي الطلاب على عدم قبولهم بكل ما يسمعونه من قرارات تاريخية أو أحداث قديمة أو روايات ويسلموا بكل تفاصيلها وكأنه قرآن منزل، بل عليهم أن ينشؤا فيهم روح النقد والتحري والاستقصاء وعدم قبولهم للواقع الذي نشؤا عليه، أو ترعرعوا فيه بين والديهم وأسرهم، واقع الاستسلام للمحتل وكأنه قدرهم الازلي، ورفض روح الهزيمة والانبطاح، وتعزيز روح التحدي والصمود، والايمان المطلق بعدالة قضيتنا ورفض رواية الاحتلال القائمة أن فلسطين أرض بلا شعب، والتي يقوم أعوان الاحتلال بغرسها في أفكار وذهن أبنائنا الطلبة.

  إن الأسلوب الحواري المبني على إشراك الطرفين بقضية النقاش، من شأنه تعزيز الثقة بين الطرفين، من طرف المعلم وطرف الطالب، فإذا وجدت هذه الثقة كان العلم مبني على أفكار صحيحة ومتنيه، الامر الذي من شأنه أن يمكن المعلمين من الابداع في طرح القضايا الجوهرية التي تهم قضيتنا، وعدم التقيد الشديد بخطوط المنهاج والتحرر من تفاصيله الدقيقة، التي قد لا تكون من اهتمامات طلبتنا في فلسطين، فلا يوجد أحد بين صفوف الطلبة لا يحب التحدث عن قضيتنا وتحرير مقدساتنا، وهم طبيعتهم ثوريين وإنسانيين لا أصحاب شعارات رنانة، من دون فحوى ذا قيمة، فالتخلص من الغزو الثقافي لا يكون فقط بحفظ القصيدة دون الشعور بتفاصيل معانيها، بل بتجسيدها واقعا، بحسب اعتقادي، أن طلبتنا الفلسطينيين الذين ينشدون نشيد الفدائي صباحا بصوتهم العالي ذو المشاعر المشحونة والعواطف الجياشة، هي أهم ما يجب ان يسعى التعليم الحواري الى استمراراه وتعزيزه وتنميته وعدم قتله بأسلوب التعليم البنكي، الذي يفقد الطلاب الشعور بمفردات نشيد الفدائي، ويكون ذلك من خلال خلق روح المشاركة واقتراح قضايا مصرية تهم قضيتنا لنقاش والحوار، فعلى سبيل المثال، طرح قضية يوم الأرض بمفهومها الوطني الكامل والحقيقي، الامر الذي من شأنه ترسيخ هذه الفعالية التاريخية والذكرى الوطنية الشريف، من خلال حوار الطلبة في كيفية إحيائها بعيدا عن الطرق التقليدية من رفع العلم وتعطيل المدارس والكمات الاذاعية، إحيائها بطريقة تخص الطلبة من بنات أفكارهم، بعيدا عن الشعارات التي سرعان ما تنتسى وبالتالي فقدانها لقيمتها وضياعها عبر الأجيال.

  خلاصة القول، آن الأوان للمعلم الفلسطيني الخروج من بوتقة التعليم البنكي والانقلاب نحور أسلوب التعليم الحواري من أجل التسريع في خلق جيل مبدع ومبتكر، يسعى لحل مشاكله بعيدا عن الطرق التقليدية، والوصول نحو الحرية الكاملة والحقيقة للشعب الفلسطيني.
 

شارك هذا الخبر!