إن المجتمعات التي جعلت من مشاريعها التربوية أُسُساً للتحديث والتنمية المستمرة ، بنت قواعدها على أسس متينة وصلبة, واصبحت موجّهة للمشاريع الحضارية المهمة لأبناء شعبها ، حيث استطاعت ضمن فلسفة تربوية شمولية واجتماعية متكاملة, أن تبني أسسها على أرضية تضمن تطويرها وتكفل استمرارها واستدامة تنميتها الاجتماعية الشاملة، فالمراد منها كتربية عصرية وارتباطها ارتباط عميق بتحدياتها لتأسيس مجموعة من المفاهيم الثابتة والمستقلة التي يمكن أن تنسجم مع الأُسس العقلية الراسخة, والمتطلبات الاجتماعية اللازمة لتنشئة الأجيال بصورة سليمة تجعل منهم أفرادًا صالحين لأنفسهم وللمجتمع.
ولكي تتم عملية التربية العصرية بشكل صحيح، وتساهم في تحديات التنمية التي تعد عنصراً مهماً ورئيساً من عناصر مواكبة المستجدات, فإن ذلك يعد ضرورياً لدراسة الماضي واستقرائه والتعرف إلى الحاضر واستشراف المستقبل, من أجل اختيار الأفضل في حدود الإمكانات المتاحة للوصول إلى تنمية متوازنة في قطاع التربية والتعليم , لان دراسة الفكر التربوي تعد ضرورة ملحة ليس فقط من أجل دعم التعليم في الوقت الحاضر ولكن أيضاً لربط المتعلمين بثقافتهم وزيادة انتمائهم لها لتخرج افراد صالحين قادرين على مواجهة أي جديد في حياتهم العملية .
فالانتشار الكبير لوسائل الاتصال والتواصل والتغيرات السريعة في مجال التكنولوجيا والمعلومات جعل العالم مفتوحاً لكل التأثيرات الإيجابية والسلبية, مما يستدعي الحفاظ على دعائم التربية وثقافتها والحرص على تربية أبنائها, عن طريق منهج متكامل لا يهمل ما توصل إليه العلم، ولا يتجاهل ما قدمه العلماء والمربون على مر العصور, وذلك لإثراء الجيل الواعد من أبنائنا بمقومات التقدم ممزوجة بالمعاصرة والأصالة.
لذلك يجب أن ننهض ونتقدم ونساهم لمواكبة هذا الكم الكبير من التغيرات السريعة, وأن نبدأ أولا من خلال التربية والتعليم قبل أي شيء اخر, لأن بدونهما أو إهمالهما ينحدر مستوى عطائهما ويصيبه القصور ويعجزان عن إعمار المجتمعات, لهذا يجب الاعتناء بهما عناية شديدة , لنصل لتربية متوازنة متكاملة تهتم بتنمية شخصية الفرد في جميع النواحي الجسمية والعقلية والعاطفية والاجتماعية، ولنتعمق في التربية التي تنادي على مبدأ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص ودعت إلى الكرامة والرحمة والتواضع وغير ذلك من الصفات الحميدة ,التي تخلق شخصية الفرد القادر على تحمل المسؤولية في تماسك بنيان المجتمع.
ومن هنا تم استقبال الأفكار الفلسفية والتربوية من الإنتاج الفكري الجيد الذي يمكن أن يضيف شيئًا إلى العلم والمعرفة العربية ، فتأتي عملية إبراز مفكرين وفلاسفة برعوا في هذا الجانب لنقوم هنا بإبراز اهم الأمثلة الفكرية والفلسفية التي اكتسبت شهرة واسعة, محتلة بذلك مكانة عظيمة في عالم الفكر التربوي، منها المفكر البرازيلي التربوي باولو فريري الذي استطاع أن يخرج بفكر نقدي حيث تفاعل مع ظروف قاسية عانى منها مجتمعه, وكان خير مثال في نقله لهذه المجتمعات التي وقعت كثيرًا تحت الاستغلال والفقر والتبعية، فجاء فكره يسعى إلى تغيير الواقع الاجتماعي لا ليكون مجرد نسخة مقلدة للواقع ، بل وإنما لتحريره وبنائه وفق احتياجاته واحتياجات الجماعة التي ينتمي اليها وهذا يتفق مع ما ذكرناه سابقا بانه يجب ان نخلق اشخاص قادرين على مواكبة متطلبات العصر من خلال التربية المستدامة, ليكونوا على استعداد مستمر لمواجهة أي تغيير, ليصب في مصلحتهم ومصلحة الجماعة التي ينتمون اليها أي مجتمعهم الذين ينتمون اليه , وبهذه الطريقة يكونوا اعضاء فاعلين في المجتمع .
ومن أجل تخريج افواج من هذا القبيل سنكمل مع فريري, حيث كان الهم الشاغل عنده هو تغيير دور التربية والتعليم من خلال علاقته بالسلطة والمقهورين, هؤلاء الأفواج الذين يعيشون الأجواء التي يسودها القهر, ليصل بهم الى استعادة صوتهم وكرامتهم من خلال الوعي بالتعليم كشرط أساسي لتحررهم، وفي ضوء ذلك يرى فانه لا يوجد تعليم محايد, فهو إما أداة للقهر أو محفز للتحرير، ويضيف أيضًا في شرح فكرته أن الحق في التعليم هو مشروع للحرية من القيود , لذلك يعطي الطلبة الحق في ظروف تعكس أنفسهم، وتتيح لهم العيش بالشكل الذي يحبونه، وكذلك يمنحهم الوسيلة ليكونوا فاعلين , وقد سعى إلى تأكيد أن التربية ليست تلقينا وإنما هي ممارسة توفر لهم المعرفة والوسيلة ليصبحوا مواطنين ناقدين يسهمون في خلق ديمقراطية راسخة من خلال مشاركتهم في المجتمع , ولأجل ذلك رفض أنظمة التعليم المصممة على أساس أنها تفرض عليهم قهرا ، أو تلك التي تدعم أشكالًا من تقييد الحرية , لذلك قام فريري بتحدي من خلال دعوته إلى ضرورة جعل التعليم تربوي في المؤسسات، لإنتاج وتنظيم أشكال المعرفة والانتماء.
فالتربية التقليدية برأي فريري ذات طابع سردي حيث يكون معلم يسرد وطلبة يحفظون، ويصبحون أوعية يجب ملؤها من قبل هذا المعلم, والطالب يستلم المعلومة ويحفظها ويرددها عندما يطلب منه ذلك، ولذلك شبه هذه العملية بعملية إيداع نقود في البنك من أجل حفظها واسترجاعها لاحقا, وتصبح المعرفة هدية يقدمها المعلم للطلبة الصبورين والجاهلين، والذين لا صوت لهم, وهذه التربية قهرية فهي تعتبر الطلبة أشياء يمكن تشكيلها والسيطرة على فكرها وأفعالها, وتصبح المعرفة ساكنة وبدون حياة، ويصبح المعلم سلطوياً , وتخفي هذه التربية الواقع الاجتماعي وتقوي علاقة عدم المساواة، وتسهم في تبني الطلبة لوعي القاهرين, كما تخنق الإبداع أو الخيال النقدي الضروري للمواجهة , فالقهر هنا أصبح نشاط تربوي، حيث يتم إيقاف الحوار، وفصل المعرفة والتأمل عن افعال الطلاب ، ويصبح الطلبة معتمدين على معلمهم ، ولا يستطيعون التأثير على واقعهم.
مقابل ذلك يتصور فريري حل لهذا الواقع المرير الذي يعيشه الطلاب المقهورين , بان تصبح التربية كسبيل لتحقيق سعي الطلاب الواعي نحو التغيير الدائم لما يخدم مصالحهم ومجتمعهم , بانتقال الطلاب الى الفعل والعمل والمشاركة والتأمل ، حيث يؤدي الفعل إلى تأمل نقدي، وهذا بدوره يؤدي إلى الفعل, ويعتمد التأمل على الحوار بين الناس عندما يواجهون مواقف محسوسة, وهكذا فان الحوار الحقيقي يتغلب على علاقات السيطرة بين المعلم والطلبة، ويفتح المجال لعلاقات تحررية تتسم بالتواضع والتعاطف والحب والأمل والحوار, ولأجل ذلك يسعى الى التحرر من القهر حيث يشجع الناس للقيام بذلك بأنفسهم، ويصبح هدف التعلّم التخلي عن الوعي الزائف وتطوير الوعي الناقد لدى المتعلمين, ويوصي أيضا بتعلّم يبدأ بقيام المتعلمين أنفسهم بصياغة المشكلات التي تواجههم، ويتبع ذلك الحوار النقدي، بصياغة الحلول وخطط العمل, وتكون العلاقة بين المعلم والطلبة أفقية، بدلا من هرمية، حيث يتعلّم ويعلّم المعلمون والطلبة بعضهم بعضاً, وهذا النوع من العلاقات هو المهم في التعليم التحرري، فلا فائدة حسب ما يراه فريري من تزويد الطلبة بمعلومات عن طبيعة القهر في المساهمة في تحررهم، بل لا بد من حوار حقيقي من أجل إدراك الحقيقة وإزالة عدم الوضوح عن الواقع, فالتربية التحررية النقدية إذن تهدف أساسا إلى تحرير الإنسان، إلى جعله أكثر إنسانية، من خلال تمكينه لتغيير المجتمع غير العادل الذي يعيش فيه, والأساليب المستخدمة فيها تحررية تركز على المساواة والحوار, وهي أخيرا تحرر المتعلّم من خلال تطوير الوعي الناقد لديه وربط هذا التغير بالفعل من أجل تغيير المجتمع.
ولم يكن فريري التربوي الوحيد الذي ركز على تطوير التفكير الناقد واعتبار التربية أداة للتحرر فكثير غيره من الفلاسفة والتربويين، نذكر منهم ايضا جون ديوي حيث أنشأ المدرسة النموذجية سماها مدرسة التطبيقات حيث اتخذها حقلاً لتجربة نظرياته وآرائه في التربية, وقد حاول ديوي أن يقيم برامج هذه المدرسة وإدارتها من خلال التفاعل والاتصال والتعاون بينها وبين البيت، ووجوب اتصال خبرات التلاميذ في المدرسة بخبرتهم خارج المدرسة، وجعل الطلاب يتعلمون عن طريق خبرتهم ونشاطهم الذاتي, و احترام ميولهم وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن أنفسهم، ومراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، واعتبار التربية عملية اجتماعية، والتركيز على التعاون بدلا من التنافس، إلى غير ذلك من المبادئ التي كانت مطبقة في هذه المدرسة التجريبية , وقد كان لهذه المدرسة أثر بالغ في التمهيد للتربية التقدمية المستديمة لما لها من فضل كبير في إقناع الآباء بأهمية المبادئ التربوية وبإمكانية تطبيقها , وقد كان ديوي من المشجعين من خلال مدرسته هذه بإنشاء العديد من المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة .
لذلك عارض ديوي بشدة النظم التقليدية في التربية التي تجعل الطالب مجرد آلة يستقبل المعلومات، ويحفظها دون أن يكون له أي نشاط أو فاعلية، ومن هنا دعا إلى الطرق التي تجمع بين النشاط البدني والعقلي والاجتماعي للطالب وتساعده على التعلم، وفيها يكون منطقياً معتمداً على نفسه، متعاوناً مع غيره مبتكراً , ولقد اختار ديوي مراحل مهمة لاعتمادها ليكون الطالب قادر على حل مشاكله بنفسه منها الشعور بالمشكلة ثم معرفة موضوعها وتحديدها عن طريق الملاحظة والمشاهدة، يلي ذلك فرض الفروض أو الحلول، وبعدها اختبارها ، وأخيراً تطبيق هذه الحلول التي وجدها مناسبة , وبهذا يعكس أهمية البحث والاستقصاء بطريقة علمية ، ومعنى هذا أن تتحول المدارس إلى مؤسسات يتعلم منها الطلاب كيف يقومون باستقصاءاتهم وبحوثهم لا أن يقبلوا نتائج أبحاث الغير , وهذه الطريق تجعل المتعلمون يقومون باختيار موضوع واحد ودراسته من عدة جوانب فتكون كنشاط شامل للمتعلم ليتفاعل معه, لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع , فتكون قد شجعت حاجة المتعلم النفسية لأنها تراعي الفروق الفردية، وتدفعه إلى التعلم الجماعي، وتحرره من قيود الكتاب المدرسي ويوصي ديوي المدارس باتباعها في تنظيم خبرات التلاميذ وفي التدريس لتكون هذه الطرق حل لمشكلات الطلاب التي تقوم على مبدأ أن التعلم الجيد يقوم على وجود مشكلة تهم الطلاب نفسهم وتتصل بحياتهم وحاجاتهم , فتحفزهم إلى القيام بنشاط بغية الوصول إلى حل لهذه المشكلة، وقد يكون هذا النشاط عشوائياً، وقد يكون قائماً على التوجيه , وبهذه الحالة يكون نشاط عقلي منظم , لهذا رفض ديوي أسلوب المحاضرة رفضا قطعيا لأنها من الطرق القاصرة في التعليم ومنافعها محدودة , لا تتيح الفرصة للمتعلم كي يستكشف الواقع، ويجمع المعلومات، ويقيس الأمور، ويبحث عن الحلول .
فقد أيد وأكد ديوي وبشدة على اتجاهات جديدة في التربية شكلت نسقاً متكاملاً، أو ما يمكن تسميته بالفلسفة التربوية , فالتربية في نظر ديوي ظاهرة طبيعية تتم بطريقة لاشعورية منذ الولادة بحكم وجود الفرد في المجتمع، وهي عملية مستمرة ومتطورة، كما أنها ليست مجرد إعداد لحياة مستقبلية بل هي الحياة ذاتها وعملية من عملياتها، أي لابد أن تكون حياة الجماعة المدرسية من وجهة نظره حياة حقيقية يتم فيها الحصول على الخبرة مباشرة، وأن تشبه في واقعيتها حياة الطفل في البيت أو البيئة التي يعيشها , وتكون نفسية واجتماعية معا, حيث تكون نفسية تعتمد في مبادئها على فهم نفسية الطالب واستعداده، واجتماعية تهيئ الطالب ليكون عضواً صالحاً في المجتمع الذي يعيش فيه , والهدف منها إكساب هذا الطالب عادات ومهارات واتجاهات تناسب المجتمع الذي يعيش فيه من ناحية، والعمل على رفاهيته من ناحية أخرى، ومساعدته على الاستمرار في التعلم والنمو، وتربية ذاته، وتكيفه مع بيئته من ناحية ثالثة.
ومن هنا نلخص التربية عند جون ديوي بأنها تتميز باهتمامها بالطالب ككل من النواحي الجسمية و العقلية و الخلقية و الاجتماعية، كما تعمل جاهدة على توفير كل الفرص الممكنة التي تشبع حاجات الطالب للنمو، و تمكنه من التعبير عن ذاته , وبأنها تؤمن بأن التعليم يكون أكثر فعالية عن طريق العمل، و لذلك فإنه يسمي المدرسة بمدرسة النشاط ، النشاط من جانب المتعلم و ممارسة ما يتعلمه و تطبيقه عمليا، و يسمي هذا الأسلوب منهج الخبرة , حيث ينتقد ديوي بشدة المفهوم التقليدي للمناهج الذي يقوم على تقسيم المنهج إلى مواد منفصلة مرتبة ترتيباً منطقياً لا يتفق مع عقلية التلاميذ ، وليس الهدف الحقيقي للمنهج في نظره هي المواد الدراسية المنفصلة المستقلة بعضها عن بعض، بل الهدف الحقيقي هو نشاطات الطالب الذاتية وخبراته, و الطريقة الناجحة برأي ديوي التي يجب أن تتبع في تنظيم خبرات المنهج وتدريسها هي طريقة المشروع حيث يستطيع التلميذ اكتساب الكثير من الحقائق والخبرات والمهارات , ويرى ديوي أيضا بأنه لابد أن يتعاون في وضع المنهج كل من له اهتمام بالمناهج الدراسية بعد دراسة معمقة بكل ما يفيد الطالب في حياته العملية ، والمنهج المقترح يجب أن يكون مرناً و هادفاً و قابلاً للتغيير وليس مجرد تنظيم معرفي جامد، ويرمي إلى إعطاء الطلاب أكبر عدد ممكن من البدائل لحل المشكلات التي قد تعترض طريقهم في الحياة , فهذا يعطي أهمية تجعل الطالب مركز العملية التربوية وتجعل الطرق والمناهج تدور حوله بدلاً من جعله يدور حول مناهج وطرق وضعت في عزلة عنه, كما تجعل محتويات المنهج ليست مهمة بقدر أهمية الطريقة التي يعالج بها المعلم هذه المحتويات، وتجعل المدرس لا يتقيد بطريقة من الطرق، بل يختار الطريقة المناسبة التي تلائم درسه، ومستوى تلاميذه, وظروفهم النفسية, وتراعي الفروق الفردية بينهم وميولهم ودوافعهم الطبيعية وحسن استثمارها في العملية التربوية، ويكون واجبه كمدرس فقط تنظيم وتوجيه هذه الميول والدوافع وفق خطة مرسومة لتحقيق أهداف تربوية مرغوب فيها , فبذلك يكون أسلوب السعي عند ديوي في حل المشكلات القائمة على حرية المتعلم أكثر إيجابية , وخير من الدروس التقليدية القائمة على محاضرات المعلم التلقينية, وهكذا فإنه لا يتفق مع طريقة توصيل المعلومات عبر خطوات منهجية في عرض الدرس, لأن الطالب سيكون سلبيا فالمعلومات تأتي إليه في الفصل ولا ينجذب إليها, ويرى ديوي أيضا جانب مهم اخر وهو أن الديمقراطية في الحقل التربوي تعني ممارسات اجتماعية تؤكد قيمة الفرد وكرامته، وتجسد شخصيته الإنسانية، وتقوم على أساس مشاركة أعضاء الأسرة والجماعات في إدارة شؤونها ديمقراطياً , حيث تكون المدرسة عنده بيئة ديمقراطية تسعى لإيجاد المواطن الديمقراطي والتربية العملية الدائمة للفرد ليساهم في بناء المجتمع مع مراعاة الفروق الفردية في التدريس ووضع المنهج الدراسي, وأن المعلم موجود في المدرسة كعضو في جماعة ليساعد تلاميذه في اختيار الخبرات المثيرة لدوافعهم وإطلاق طاقاتهم وظهور قدراتهم وتنظيم استجاباتهم لتلك المثيرات والمؤثرات، وليس لفرض سلطته وآرائه عليهم أو لجعلهم يعتادون عادات معينة يريدها , فالمعلم بما له من خبرة أوسع ومعرفة أكبر وحكمة أنضج، يمكنه مساعدة الذين يقوم بتربيتهم وتعليمهم في كيفية فهم الحياة الاجتماعية من حولهم، والاستفادة من المعرفة والخبرات التي يحصلون عليها في تطوير أنفسهم وحل مشكلاتهم وتقدم مجتمعاتهم.
وبعد استعراض الكم الهائل من المعلومات لهذه النماذج العظيمة , لمفكرين تركوا فينا بصمة واضحة وتأثير كبير بأفكارهم التي تجعل من التربية العصرية محط اهتمام واسع , وتواكب تحديات التنمية المستديمة لكل زمان ومكان , فهذا يجعلنا نصل الى بلورة فكرة أنه لم تعد النظرة إلى واقع التعليم تربطه التحديث والتنمية بمفهومها التقليدي، في زمن برزت فيه اختلافات واسعة في نوعية ما يتمّ تعليمه في معظم مدارسنا ، وانما تخلق طلبة تكتسبهم جميع مقومات المواطن المثقف ضمن أسلوب حياة على نحو أعمق من التنوع الاجتماعي والمساواة والارتقاء بآفاق الفرد, لمواجهة الأزمات والتحديات الكبرى داخل المجتمعات , لذلك هنا لا يسعنا الا القول بانه ينبغي للنظم التعليمية العربية أن لا ترفض الاطلاع على فكر وتجارب الآخرين في المجال التربوي, لما له من عائد كبير من الفوائد التي تجعلنا أكثر تلهفا لمتابعة كل جديد لمواكبته والشعور بالاستقرار لفهم الواقع الحالي , والاستعداد للقادم بكل ما ينطوي في ثناياه من مفاجئات , ولكنه هنا من الضروري التأكيد على التربية العربية أنها وليدة المجتمع الموجودة فيه , وأنه لا يمكن استعارة فكر تربوي لاقى نجاحاً في مجتمع ما لتطبيقه في مجتمعها ، فهذا الفكر يكون قد نما في بيئة مغايرة لثقافتنا العربية ، فعلينا أن نستفيد من هذه الفلسفة التربوية بعد تكييفها بما يتناسب مع البلاد العربية مادياً ومعنوياً وبما لا يتعارض مع ثوابتنا الثقافية والدينية، مما يكفل تحقيق التطور والتقدم للأنظمة التعليمية العربية.