قراءة في مخرجات القمة العربية بقلم اللواء سمير عباهره
القمة العربية في جده جاءت بعكس كل التوقعات حيث كان المتوقع ان تكون المصالح العربية في صلب
مخرجاتها وان تشهد هذه القمة استفاقة عربية تتمثل في تغيير الاستراتيجية العربية والخروج من حالة
التيه والترهل والروتين الذي فرض نفسه على كافة قرارات وبيانات القمم العربية السابقة نتيجة
الاحداث الدولية الجارية والتغيرات التي طرأت على المعادلة الدولية وانطلاقا من نظرية الربح
والخسارة في موازين السياسة الا ان ما حدث كان عكس التوقعات وعكس ما كان يمني به المواطن
العربي النفس بالخروج من حالة الهبوط الى حالة الصعود واستثمار التغيرات والتحولات الجارية
لفرض معادلة عربية جديدة وبدلا من ذلك استمرت حالة الهبوط وبقي البيان الختامي للقمة يحمل نفس
المضامين ونفس القرارات السابقة.
موضوعين اساسيين كان من المفترض ان يتصدرا جدول اعمال القمة والتركيز عليهما والخروج
بنتائج تخدم في محصلتها النهائية المصلحة العربية ويتمثل الموضوع الاول في اعادة القرار العربي
المستقل الى الحاضنة العربية هذا القرار الذي بقي مصادرا لعقود من الزمن والتحلل من كافة
الاشتراطات الدولية والخروج من عباءة التبعية وترسيخ وجود العرب على الخريطة السياسية الدولية
كقوة مستقلة وخاصة ان الارضية السياسية باتت مهيأة لهذا التحول بحكم الاحداث الجارية على الساحة
الدولية وكان المطلوب من القمة العربية استغلال الظروف الدولية وسياسة الاستقطاب بما يخدم الامة
العربية والخروج بنتائج تحتم علينا توجيه البوصلة باتجاه المصالح العربية وإعادة وحدة الصف
العربي.
وكان المفترض ان تختلف مخرجات هذه القمة عن سابقاتها من القمم التي غلب على مضامينها
طابع الروتين والعشوائية فلا الخلافات وئدت ولا التكامل العربي اصبح حقيقة واقعة ولم نطرح حلولا
موضوعية للأحداث الجارية في بعض البلدان العربية بغرض وقف النزيف الحاصل فكان المطلوب ان تكون الامة العربية حاضرة في التوازنات الدولية وبشروطها وتكون جزءً من المعادلة الدولية التي يتم صياغتها من خلال نظام دولي متعدد الاقطاب وبخلاف ذلك فان الجبهة الداخلية العربية ذاهبة نحو من مزيد من التصدع مما يتسبب في استمرار انهيار النظام الرسمي العربي وازدياد الاطماع الخارجية وهذه نتيجة حتمية لتلك المعطيات.
الموضوع الاخر هو القضية الفلسطينية التي كانت حاضرة شكليا فقط وتم ادراجها في البيان الختامي
كباقي البيانات السابقة مع انه كان من المتوقع اعطاء مساحة اوسع لمناقشة القضية الفلسطينية من
مختلف جوانبها والمستجدات الدولية المؤثرة فيها بعد التحولات الجارية وعمليات الاصطفاف
والاستقطاب والتي من خلالها يمكن فرض الشروط العربية ولن يستقيم الموقف العربي إلا بوضع
القضية الفلسطينية ضمن الاجندة العربية وضمن استراتيجية عربية شاملة فعلا وعملا فالسياسة
الدولية تقر وتعترف بأنه لن يكون هناك استقرار في منطقة الشرق الاوسط طالما بقيت القضية
الفلسطينية دون حل ودون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه
وكان المفترض زيادة الضغوط على اسرائيل من خلال موقف عربي موحد فإسرائيل تعيش هاجس نهاية النظام الدولي احادي القطب الذي تزعمه الولايات المتحدة والذي يوفر لها حماية دولية في كافة المحافل الدولية ويوفر لها غطاء لكافة جرائمها وحاليا تنتاب اسرائيل المخاوف من ظهور تكتلات وتحالفات دولية جديدة بكون للعرب دور مؤثر فيها وهو ما يدفع الى اعادة فتح ملف الصراع وهذه المرة لصالح الفلسطينيين وحشر اسرائيل في الزاوية وإرغامها على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية فالدخول في تحالفات جديدة مع الكتل التي تشهد بروزا على الساحةالدولية والإمساك بالقضية الفلسطينية وعدم التنازل عنها وإعادتها الى واجهة الاحداث السياسية العربية ومن ثم الانتقال بها الى واجهة الاحداث السياسية الدولية سيعيد القوة والهيبة للنظام العربي.