هناك حكمة قديمة تقول “ ان الوفاء للاسلاف لا يعني الحفاظ على رمادهم ،إنما حفظ اللهب الذي اشعلوه وتوريثه مشتعلا و متقدا وبكل قوة الى الأجيال المتلاحقة "
في مثل هذا اليوم 23 حزيران من عام 1996 ، توقفت دقات قلب والدنا المرحوم فتحي البلعاوي في احدى مشافي عمان ليوارى الثرى لاحقا في مسقط راسه في قرية بلعا ، شمال الضفة الفلسطينية .
توقفت دقات هذا القلب الكبير بعد معاناة كبيرة شهدت عليها مشافي الدوحة وتونس وعمان وغزة ، انه القلب الذي احب بلعا التي ولد وترعرع بها، كما احب غزة ومخيماتها التي بدأ حياته المهنية بها مدرسا في مخيم البريج و كان أول نقيب لنقابة المعلمين الفلسطينين في غزة والتي ساهمت بشكل كبير في تشكيل الوعي الوطني الفلسطيني والتي اسقطت ايضا احدى اخطر مخططات تصفية القضية الفلسيطنية بمشروع التوطين الفلسطينين في صحراء سيناء في منتصف الخمسينات ,
هذا القلب الواسع الذي احب قاهرة المعز لدين الله حيث تعلم في جامعة الازهر، منارة الوطن العربي والعالم الاسلامي وعاش في حي رواق الشوام ليساهم مع زملاء معه في تاسيس رابطة الطلاب الفلسطينين في القاهرة ، وكان اول امين سر لها ، وقد تاسست هذة الرابطة مباشرة بعد وقوع كارثة النكبة لتكون الاطار الفلسطيني الاول المنظم و الذي عبر عن طموح طليعة الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة من خلال استنهاض طاقات الجماهير الفلسطينية في مخيمات اللجوء وعواصم الشتات لتشكل بذلك ارهاصات العمل الثوري الفلسطيني و الذي أنتج منظمات العمل الفدائي وفي مقدمتها حركة فتح .
هذا القلب الطيب الذي اخلص للدوحة والتي اتى اليها مدرسا عام 1962 ليساهم في وضع اللبنات الاولى للنظام التربوي في دولة قطر وقبل ان تحصل على استقلالها، وليشكل مع اخوة وزملاء، منهم من قضى نحبه ومنهم من يبنتظر، احدى المجموعات المؤسسة لحركة فتح والتي التقت جميعها لاحقا على ارض الكويت لتشكل الحركة الرائدة للشعب الفلسطيني، و قد ظل يحفط المودة لهذه المدينة رغم ابعاده عنها ظلما في اغسطس عام 1990 .
هذا القلب الجريء الذي اشعل روح الحماس والتضحية في معسكرات الفدائين في الاردن وسوريا ولبنان حيث كان مفوضا سياسيا في مصانع الابطال في مواقهم المتقدمة والذي كان يؤمن ان الكلمة الصادقة هي شقيقة الرصاصة الشجاعة
انه القلب الكبير الذي عشق دمشق وبيروت ولاحقا تونس واللواتي احتضن الثورة الفلسطينية وقيادتها وكوادرها ونسج مع اهلها اطيب العلاقات الانسانية القومية الصادقة ، وهو الذي احب عواصم الاقطار العربية ومدنها التي زارها او عرف احد من ابنائها خلال مسيرته الطلابية والتعليمية.
كما انه القلب المنفتح على ثقافات العالم والذي احب باريس وراي فيها عاصمة الثقافة والنور كما احب عديد من عواصم العالم التي زارها في اطار مهمات عمل وطنية أو زيارات شخصية
هذا القلب الحنون الذي احب اسرته وابنته وابنائه واصدقائه وابناء شعبه من طلاب ومدرسين وزملاء ورفاق درب في مسيرة طويلة من الكفاح والعطاء .
في مثل هذا اليوم من 27 عاما ،غيب الموت جسد والدنا الحبيب فتحي البلعاوي ، ابو غسان ، ابو الوطنية ، كما كان يطلق عليه اصدقائه، ولكن ذكراه وروحة الطيبة ما زالت حية فينا في قلوبنا في ضمائرنا ، نحن ابنائه ، وتلاميذه وزملائه ومحبيه واصدقائه ، مازالت كلامته الصادقة الشجاعة في احلك الظروف ترن في اذاننا ، و ما زالت قيم الاخلاق والوفاء والاخلاص وحب الوطن والناس تستوقفنا دائما في كل محطة وسؤال صعب وهي التي تشكل بوصلتنا في الحياة ، و هي الارث العظيم الذي تركه لنا والذي لا يقدر بثمن .
نم يا والدي الحبيب قرير العين في جنات النعيم عند مليك مقتدر مع الانبياء و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا ،
سلام عليك في الخالدين .