بقلم: عيسى قراقع
كل شيء كذب ولا يصدق ، المشهد غير صحيح ، الحقيقة مختلفة ، مدينة جنين ومخيمها وأهلها وتاريخها وعبقها البطولي لا يمكن أن تعتدي على رمز من رموز الشعب الفلسطيني محمود العالول أبو جهاد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، جنين أكبر من هذه التصرفات الخارجة عن تقاليدها وعاداتها ووطنيتها التي تفوقت على كافة الوطنيات في العصر الحديث.
هناك من أراد أن يضخم سلوكا فرديا شاذا ليطمر الصورة الكبرى ، صورة جنين القسام ، ويتسلل الى تشويه وعينا ، ويطمس الجريمة المنظمة وإرهاب دولة الاحتلال الرسمي الذي ارتكب في مخيم جنين ، وكأنه أراد ان يعطي هذا المحتل صورة نصر لم يجدها في ازقة وحارات مخيم جنين ، انسحب يجر فشله وعرباته العسكرية المدمرة وجيشه الجرار الذي شن حربا عالمية على مخيم لاجئين مكتظ بالسكان ولا تزيد مساحته عن كيلو متر واحد.
هناك من يسعى أن يطفئ عين الكاميرا عن شهداء عظماء تصدوا لهذا الجيش الغاصب الذي يلقب بأنه جيش لا يقهر ، المخيم وابطاله وأهله قاتلوا بكل ما ملكوا من ارادة وشرف وكبرياء ، استعادوا القيمة الوطنية الاستراتيجية لمفهوم المقاومة ،وحطموا كل مفاهيم اليأس والاستسلام والخذلان ،هنا شعب يموت الف مرة من أجل حريته وحقوقه وكرامته وعزته الإنسانية.
شهداء جنين في زفتهم الوردية يوم 5\7\2013 رحبوا بمحمود العالول ، عانقوه ليعانقوا في روحه المقاتل والفدائي ووالد الشهيد ، عانقوه وصافحوه لان قبضة يديه تعرف تماما كيف تمسك زناد البندقية ، عانقوه لأنه ابن الخندق والاشتباك ،ولانه من مدينة جبل النار رفيق الشهداء علي ابو طوق ونايف ابو شرخ وربحي حداد وأحمد طبوق وابراهيم الراعي والسنفور وإبراهيم النابلسي ، والكثيرون الكثيرون ممن عانقوا بدمهم الأرض والسماء.
لا تصدقوا الاخبار والاشاعات ، انظروا الى الدماء النازفة وإلى الأمهات الثكالى والى البيوت المدمرة والى الشوارع المحروثة تحت جنازير المصفحات ، انشغلوا أكثر بعد قراءة الفاتحة على ارواح شهدائنا في ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب الاسرائيليين وقادتهم الذين يستبيحون حياتنا ليل نهار ، واستفيدوا مما أحدثته هزات جنين ، لغة جديدة ، سياسة مختلفة ونفوس كبيرة ، برنامج يعيد التوازن الوطني والتحرري وإعادة تعريف المرحلة ، ترميم الهشاشة العقلية.
في جنازة الشهداء العظماء رحبت جنين بمحمود العالول، اول أسير فلسطيني يتمكن من الهرب من سجون الاحتلال بعد هزيمة عام 67 ، هزم السجن والقضبان وانطلق بروحه المحررة الى كل الميادين، ومنذ تلك اللحظة بدأ درس العالول ، لا السجن ولا الجدران ولا الزنازين ولا المنافي تستطيع ان تسلب روح المناضل وتقوض ارادته الحرة، ومنذ تلك اللحظة علمنا العالول كيف نقفز عن الاسوار والأسلاك الشائكة ، ونحفر الاسمنت باصابعنا و أظافرنا ونهدم السجن ونحطم القيود.
الدرس التاريخي لمحمود العالول يقول: إن السجن كوسيلة للسيطرة على الشعب الفلسطيني يمكن ان يتحطم ويتزعزع ، لا شيء مستحيل في زمن الفلسطينيين الذين ابدعوا في الحياة الدنيا والاخرة، ومن هذا الدرس استطاع المئات من الأسرى الفلسطينيين التحرر من السجن والخروج من زمنه المظلم والتحليق في سماء فلسطين.
من السجن إلى الخندق الى جنين ، هي خطوات قائد فدائي يعرف اين يكون ، هي ثلاثية الحالمين بالحرية و المدركين كيف يستحيل الحلم الى واقع تحت اقدام الحالمين ، انه محمود العالول ، فلسطيني قبل ان يكون حاملا اي لقب او منصب ، جنرال في الساحة والشارع، جذبته روح جنين ، مخيم ينتصر على دولة مدججة بكل أنواع الاسلحة ، مخيم اوقف حكومة تل أبيب على اقدامها ، مخيم لا يخشى الصواريخ والقذائف ، مخيم ينهض من الرماد مرة تلو المرة ويبتسم للبحر ونابلس وعكا والجليل.
جنين لم تخذل محمود العالول، فتحت له ابوابها وصدرها، قرأت كبسولاته واشاراته وانتظمت في خلاياه العسكرية الكثيرة عندما أشرف على القطاع الغربي في الأراضي المحتلة مع المرحوم الشهيد القائد خليل الوزير ، اسألوا مخيم بلاطة والبلدة القديمة في نابلس، اسألو مخيم الدهيشة وابو جندل وام عسكر ، اسألو ناصر البوز وعبدالله علاونة ، اسماء عديدة للشخوص والأمكنة ، راسخة في الهواء والتراب ودفاتر الاطفال.
شهداء جنين وأسراها رحبوا بمحمود العالول ، استقبله زكريا الزبيدي وهو يحفر نفق سجن جلبوع ليصل الى الناصرة ويستحم في عين العذراء كما استحم اليسوع ،وكان زكريا يردد تلك القصيدة التي رددها العالول في السجون: نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا، لهذا لا تصدقوا اصحاب الفتنة وأعداء الوحدة الوطنية التي تجسدت على أرض جنين بالدماء وبالارواح، جنين لا تعتدي على الرموز والشرعيات النضالية والمرجعيات السياسية ، جنين كبيرة وعميقة وبحجم امبراطورية ممتدة تاريخا وحضارة وثقافة وانتماء.
وصل محمود العالول جنين ليوجه التحية للمدينة والمخيم وللمقاتلين الأحياء والشهداء الذين لم يتصدوا فقط لجيش الاحتلال بكل بسالة وشجاعة ، بل تصدوا لكل المفاهيم والأراجيف ومخططات تفتيت وتجزئة وحدتنا الوطنية والاجتماعية والنضالية ، وجه تحية وفاء إلى جنين التي أعادت البوصلة الى القدس عاصمة دولة فلسطين بعد ان استعادت هيبة الروح الانسانية وفوتت الفرصة على أصحاب النظريات الحربية والنفسية الذين اعتقدوا أنهم نجحوا في كي وعي الفلسطينيين وزجهم في الانقسامات والفرديات والتوهان .
جنين وشهداؤها رحبوا بمحمود العالول ، لا تنجروا أيها الناس وراء وسائل اعلام واخبار اصبحت كأنها مصيدة للأفكار والمدارك والعقول تسعى أن نصاب باللا يقين وعدم الثقة بانفسنا وبطاقاتنا وقدرتنا على قلب المعادلة ، هناك ما هو اخطر من الحرب انها قرصنة الادمغة ،وتحويل الناس إلى سجناء مشتتين الانتباه جسديا و عقليا وسلوكيا ، هناك من يريد أن تبقى اعصابنا متوترة واغراقنا في فيض من الاثارات المخترعة كي تضيع الحقيقة ، هناك من لا يريد ان نشاهد الدم والضحايا والبطولات الخارقة من خلال صور متناقضة ومتنافرة .
جنين احتضنت العالول الذي يعرف قيمة الحرية ، وهو احد المقاتلين الذي شاركوا في اسر جنود اسرائيليين خلال غزو اسرائيل للبنان عام 1982 ،وشهد فرحة الشعب الفلسطيني عندما تحرر الالاف من الاسرى من معسكر انصار ومن مؤبدات سجون الاحتلال القاسيات ، انه والد الاسرى والشهداء، الرجل الذي امضى حياته معهم ، عرف معنى الالم ومعنى الفرح ، وعرف كيف يصبح الحجر في الانتفاضة الأولى ثورة عارمة تحطم عنجهية المحتلين.
جنين رحبت بالعالول ، لا تصدقوا تلك الأخبار وذلك الصدى ، جنين تعرف كيف تستقبل البطل ، فلا تقتلوا البطل فينا هكذا تهتف جنين بصوتها العالي، ولن يموت البطل فينا ، بيتك في جنين يا ابا جهاد ورصاصاتك الاولى ، كوفيتك ، وصوتك المدوي الان وغدا>