عجت وسائل الإعلام المحلية والدولية بأخبار مرسوم الرئيس محمود عباس بإحالة اثني عشر محافظا بالجملة إلى التقاعد دون سابق إنذار ودون تسبيب أو تفسير أو تعليق رسمي حوله؛ بهدف معرفة الأسباب الانية الخاصة بالمرسوم وبعيدة المدى سواء أكانت هناك أبعاد سياسية أو تغييرات في بنية النظام السياسي الادارية؟ وهي مسائل مهمة لفهم التغيرات القائمة والتحركات القادمة.
صحيح أن نقاشات جرت في العامين الماضيين في أروقة ودهاليز المؤسسات السياسية الفلسطينية حول تغيير بعض المحافظين إلا أنها لم تفرز إجراءات عملية، وأن هناك ملاحظات متعددة على أداء بعض المحافظين وعدم رضا من قبل المواطنين في أوقات الأزمات الأمنية والاجتماعية، وأن بعض المحافظين تجاوزوا الأربعة عشر عاما في هذا المنصب وآخرين أكثر من عشر سنوات، وبعضهم بقي في ذات المحافظة عشر أعوام.
بغض النظر عن الحاجة لتغيير الوجوه وتجديد الدماء في عروق الإدارة العامة، وإعادة الترتيب في بنية الجهاز الإداري والأمني على مستوى المحافظات، وبغض النظر عن الانتقادات الشعبية لبعض المحافظين وأدائهم إلا أن المرسوم الرئاسي وفقاً لرسالة مستشار الرئيس لشؤون المحافظات الموجهة للمحافظين والمنشورة في بعض وسائل الإعلام التي أشارت إلى إنهاء خدمة المحافظين على الفور وتولي نواب المحافظين تسيير الأعمال تشي أو تُظهر بأن الامر ليس احالة إلى التقاعد بل اقالة من الخدمة.
في ظني أنّ الحكمة في أعمال السياسية تقضي بعدم التخلي بهذه الطريقة عن "الخيول" التي أفنت عمرها في النضال الوطني لتحقيق بعض حلمهم بالدولة، أو قضت أغلب سني عمرها في بناء مؤسسات الدولة، وخصت النظام السياسي على ذاتها وتحملت أعباء المسؤولية عنه.
وفي ظني أيضا أنَّ الحصافة في تسيير دواليب الإدارة تفرض تبني أساليب تدبر تحفظ الكرامة للأشخاص عند انتهاء الخدمة؛ إن لم يكن بتكريمهم على جهودهم السابقة فليكن بمنحهم وقتا كافيا لإنهاء الخدمة، وتسليم العهدة، ووداعٍ من قبل زملائهم الذين خدموا معهم وتحت أمرتهم لسنوات طوال يليق بالمنصب الرفيع في الإدارة العامة وبنية النظام السياسي، وترتيب نقل حياتهم أو تدبر مسالك حياة بعد التقاعد الذي يكون معلوما بمدد زمنية مسبقاً.
وفي ظني أنَّ فن الإدارة يقضي بإتاحة الفرصة لكبار العاملين في الدولة لتقديم استقالتهم في حال رغب النظام السياسي تحميلهم المسؤولية عن أخطاء حدثت في إطار عملهم أو ضعف في أدائهم.
وفي ظني أنّ الإدارة محمولة على تفسير قراراتها وتعليلها بتقديمها للمواطنين بوضوح وشفافية لمنع أي اشاعات هنا أو هناك، أو تأويلات لمآلات هذا القرار أو ذاك، ولمنح المواطنين القدرة على استشراف المستقبل سواء بالتغيرات على البنية الإدارية في النظام السياسي أو أية تحولات سياسية للنظام السياسي، أو التنبؤ بسلوك الإدارة العامة وطرائق عملها في قادم الأيام.