تحت عنوان المقال تنعقد قمة بريكس الـ ١٥ لمدة ثلاثة أيام، في مدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا. بدأت القمة أعمالها يوم الثلاثاء الماضي وتنتهي اليوم، وسط اهتمام دولي بالتجمع، الذي تأسس في العام ٢٠٠٩، وبات يُنظر إليه كقائد لتوجه عالمي جديد متعدد الأقطاب وأكثر توازناً، بديلاً عن الهيمنة الأميركية الغربية المتفردة. وتضم مجموعة بريكس خمسة اقتصاديات ناشئة، وتأخذ اسمَها من الأحرف الأولى لأعضائها وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويمثل التجمع حالياً ٤٢ في المائة من سكان العالم، و٣٠ في المائة من مساحة اليابسة، و٢٤ في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، و١٨ في المائة من التجارة الدولية. وتنعقد هذه القمة وجاهياً، لأول مرة منذ العام ٢٠١٩، بمشاركة عشرات من رؤساء الدول، على رأسهم رئيس الدولة المضيفة سيريل رامافوزا ورؤساء البرازيل والصين ورئيس وزراء الهند، بينما ألقى الرئيس الروسي كلمته عن بعد. كما يشارك في هذه القمة أكثر من ٣٠ رئيساً إفريقياً، ورؤساء ومسؤولون آخرون جاؤوا من ٦٩ دولة من دول الجنوب.
ومن عنوان هذه القمة «بريكس وإفريقيا» يظهر الهدف الرئيس لها بانفتاح المجموعة على القارة الإفريقية، والذي يأتي ضمن أهداف أخرى مهمة تتمثل بتقوية المجموعة والعمل على توسعها إلى بريكس+، وزيادة استخدام العملات المحلية في التجارة بين أعضائها، للتخلص من هيمنة الدولار. ولا يحظى توسيع التجمع بدعم من جميع أعضاء المجموعة، اذ ترغب حوالي ٤٠ دولة في الانضمام للمجموعة، من بينها الجزائر ومصر وإثيوبيا وإيران. وتسعى الصين، صاحبة أكبر اقتصاد في المجموعة، لتوسيعها، لتنافس بها مجموعة الـ ٧ الكبار، كما تدعم روسيا وجنوب إفريقيا ذلك التوسع. في حين تعارض الهند والبرازيل تلك الفكرة، وإن خفتت شدة تلك المعارضة، مع اقتراح فرض شروط للانضمام، بناء على معايير يتم الاتفاق عليها.
ويضع التجمع في هذه القمة على جدول أعماله تعزيز التجارة بالعملات الوطنية بين أعضائه، لتقليص هيمنة الدولار. ورغم أن تلك القضية قد طرحت في قمم سابقة، الا أنها باتت ضرورة مع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع قيمة الفائدة الأميركية، والعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، وهو ما أضر بالدول النامية ودول الجنوب عموماً وبأعضاء بريكس بشكل خاص. وازداد عدد الاتفاقيات التجارية بين الدول الأعضاء في بريكس بنسبة ٥٦ في المائة خلال السنوات الخمس الماضية. وبدأت دول في المجموعة في تنفيذ الاتفاقيات التجارية الثنائية بالعملات المحلية. وتتطلع المجموعة لانضمام دول مهمة لعضويتها. فقد يعد انضمام دولة مثل المملكة العربية السعودية إلى المجموعة إضافة اقتصادية، خصوصاً وأن المملكة أكبر منتج للنفط في العالم، الأمر الذي يتيح إمكانية تسعير النفط بعملات دول المجموعة. وأشارت البرازيل وروسيا إلى إمكانية تبني عملة مشتركة للتكتل، الا أن ذلك ليس مطروحاً على جدول الأعمال هذه القمة، اذ يعد ذلك أمراً معقداً الآن. وتتطلب عملة مدعومة من بريكس مصرفاً مركزياً واحداً، يفترض أن تهيمن عليه الصين، بحكم موقعها في بريكس، وهو ما سيواجه بمعارضة هندية.
تتطلع بريكس بشكل خاص لإفريقيا، اذ يكمن فيها المستقبل اليافع، في ظل غنى القارة بالموارد الإنتاجية الأولية، والطاقة البشرية، فهي موطن لحوالي ١٨ في المائة من سكان العالم، وحوالى ٣٠ في المائة من موارده المعدنية. وستمتلك هذه القارة خلال السنوات القادمة، أكبر عدد من الشباب مقارنة بالقارات الأخرى. وبات العمل مع دول القارة وفي إطارها، في ظل تطورات النظام العالمي الجديد، أولوية لأعضاء البريكس، في ظل اهتمام الصين وروسيا بدول القارة منذ سنوات، وابتعاد الولايات المتحدة عنها، وعدم ثقة دول القارة بالمنظومة الغربية عموماً وتعاملاتها معها. وتعد إفريقيا القارة الأفقر، ومن بين الدول الـ ٤٦ التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها أقل البلدان نمواً، ٣٥ منها إفريقية. وتعاني دول القارة الإفريقية من أزمة تفاقم الديون، فحسب تقديرات البنك الدولي فإن ديون بلدان القارة السمراء قُدرت بنحو تريليون دولار في ٢٠٢٢، وتعاني ٢٢ دولة إفريقية من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، حسب صندوق النقد الدولي.
ويشكو معظم الدول الإفريقية من غياب للعدالة في تعامل مؤسسات التمويل الدولي معها، وخلال قمة التمويل التي عُقدت في باريس مؤخراً دعت دول أفريقية عديدة لتبني نظام أكثر عدالة للتمويل الدولي. وحصلت أوروبا، على سبيل المثال، على قروض من صندوق النقد أكثر بـ ١٣ ضعفاً مما حصلت عليه إفريقيا.
وفيما يبدو أن هناك ثقة إفريقية متنامية في المنظومة الاقتصادية والسياسية التي تقدمها بريكس، وميل أكثر تجاه أعضائها على رأسها الصين وروسيا، البلدان اللذان أولَيا اهتماماً بالقارة الإفريقية ودولها قبل سنوات. فالكثير من دول إفريقيا باتت أقرب لحسم مواقفها بالابتعاد عن المنظومة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، ويصوت الكثير من دول القارة في الأمم المتحدة على عكس الاتجاه الذي تقوده واشنطن، كما تتوجه دول مثل إريتريا نحو الصين وروسيا دون مواربة، ناهيك عن تطوير دول مثل مصر والجزائر علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية متنامية مع أعضاء في بريكس. ويختصر مقال لوزير الخارجية الروسي نُشر مؤخراً أولويات هذه القمة، حيث أكد على التوجه لزيادة دور العملات الوطنية في التعاملات المتبادلة، وتعزيز بنك التنمية الجديد، وترتيب الاحتياطي الطارئ لمجموعة بريكس، وتشديد روسيا على تعزيز مكانة القارة الإفريقية في النظام العالمي متعدد الأقطاب، للمساهمة في تحقيق نموها الاقتصادي وتعزيز أمنها في الغذاء والطاقة.
وتركز بريكس على التعاون بين دول القارة سواء كان ذلك عبر الانضمام الرسمي، أو ضمن نطاق توسيع التعاون مع المجموعة على صعد اقتصادية وتجارية وسياسية. في العام ٢٠١٤، دشن تجمع بريكس بنكاً للتنمية، يمثل بديلاً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وانضمت إليه اقتصادات نامية وناشئة من خارج التجمع، واتخذ من شنغهاي مقراً له، وتترأس البنك حالياً ديلما روسيف، الرئيسة البرازيلية السابقة. لا يضع بنك التنمية أي شروط سياسية على الدول للحصول على قروض، على أساس احترام سيادة الدول وسياساته الداخلية. ويقرض المصرف حالياً بالعملة الصينية، الا أنه يخطط لبدء الإقراض بعملتي جنوب إفريقيا والبرازيل، ويتوقع أن تكون ثلث عمليات الإقراض بالعملات المحلية بحلول عام ٢٠٢٦. كما يدرس طلبات العضوية من نحو ١٥ دولة جديدة.
أصابت بريكس عندما اختارت إفريقيا لتضعها في خطتها المستقبلية في مواجهتها للغرب، لسببين، الأول لغنى القارة بامكانياتها البشرية ومواردها الطبيعية؛ والثاني لنفور دول القارة من السياسات الغربية، المستغَلة على مدار تاريخ تعاملها معها، والمتعالية والمتجاهلة لشعوب القارة السمراء. ويبدو أن روسيا والصين قد أثبتتا عمق نظرتهما الاستراتيجية المستقبلية، حيث اهتمتا بهذه القارة ودولها، خلال سنوات ماضية، وضمن رؤى وسياسات متعددة ومتباينة، مقارنة برؤية واشنطن قصيرة النظر، والتي قلصت اهتمامها تدريجيا بهذه القارة. ليس من المتوقع أن تنجح محاولات واشنطن والغرب لإعادة التقرب من دول القارة، واكتساب ثقتها، إلا أن المعضلة الحقيقية تبقى في الصراعات والحروب التي تعمها، والمدعومة من قوى قطبية متنافسة، والتي من شأنها تبديد مقدرات هذه القارة، بما يقوض مساعي بريكس في تحقيق أهدافها فيها