تل ابيب /PNN / قالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، إن إسرائيل تتّخذ منذ سنوات سلسلة من الإجراءات لجعل حياة عشرات التجمعات الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية بائسة ومريرة بهدف إجبار سكانها على مغادرة أماكن سكنهم، لتحقيق طموحها بالاستيلاء على الأراضي.
وأضافت "بتسيلم" في تقرير لها، اليوم الإثنين، أنه من أجل هذا الغرض تمنع إسرائيل سكّان هذه التّجمعات من بناء منازل أو مبان للماشية أو مرافق عامّة، ومن ربط مواقع سكنهم بشبكتي المياه والكهرباء، ومن تعبيد الطرقات، وتسارع إلى تهديدهم بهدم منازلهم ومبانيهم وفي بعض الحالات تقوم بهدم ما بنوه رغم كلّ شيء.
وتحدث تقرير المنظمة الإسرائيلية، عن أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون، التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية كأداة لجعل حياة سكان التجمعات أكثر بؤسًا، وقد تفاقمت هذه الأعمال بشكل كبير منذ وصول الحكومة الحالية إلى السلطة، وفي جزء من الأماكن حوّلت أعمال العنف هذه حياة سكان التجمعات إلى كابوس يوميّ، إلى درجة أنّهم حُرموا من أي إمكانية للعيش بكرامة ولو بالحدّ الأدنى منها.
وأكدت أنه وبسبب هذا العنف أصبح السكان يعيشون في رعب إلى درجة شعورهم بالخوف على حياتهم ثم أدركوا أنه ليس هناك مَن يحميهم، ولم يترك أمامهم أيّ خيار آخر فاضطر بعضهم إلى مغادرة منازلهم وأماكن سكنهم والانتقال إلى أماكن أكثر أمانًا، في ظل غياب أي بديل آخر.
وأشار التقرير إلى أن عشرات التجمعات الموزّعة في أنحاء الضفة الغربية تعيش في واقع مماثل، وإذا ما واصلت إسرائيل سياستها هذه، فسيكون سكان هذه التجمعات عرضة للترحيل أيضًا، بهذه الطريقة تحقق اسرائيل هدفها وتستولي على أراضيهم.
خلفية التهجير
تعيش في أنحاء الضفة الغربية العشرات من التجمعات الرعوية، تُعتبر جميعها في نظر إسرائيل "قرى غير معترف بها"، وهي غير مرتبطة بالبنى التحتية لشبكة الكهرباء والمياه والطرق، وإسرائيل تمنع عنها ذلك.
ويشير التقرير إلى أن إسرائيل تعتبر منازل سكان هذه التّجمعات والمرافق العامة وحظائر الأغنام التي بنوها "غير قانونية" وتقوم بإصدار أوامر هدم بحقها.
وبينت أنه أقيم حول هذه التّجمعات عدد من البؤر الاستيطانية والمزارع بمساعدة من الحكومة الاسرائيلية، وازدادت أعمال العنف ضد سكان التجمّعات، حتى وصلت إلى ذروتها خلال فترة ولاية الحكومة الحالية، وتحوّلت إلى روتين مخيف ويومي تشمل طرد الرعاة من المراعي والمزارعين من الحقول التي يملكونها، وتشمل الاعتداء الجسدي على السكان واقتحام منازلهم، وإشعال الحرائق، وإتلاف المحاصيل، والسرقات وقطع الطرقات.
وأفاد السكان بأنّ المستوطنين يقومون بفتح صمامات خزانات المياه الخاصة بهم وبجلب قطعان أغنامهم للشرب من مياه آبار التّجميع الخاصّة بالسكان، وبدأ المستوطنون بفلاحة الأراضي الزراعية التي ظلت فارغة، بينما يقوم الجنود بحمايتهم؛ وفي أماكن أخرى انتقل المستوطنون لرعي قطعان مواشيهم في المراعي التي كان يستخدمها الرعاة الفلسطينيون.
وأكدت "بتسيلم" أن للحكومة الإسرائيلية الحالية يدٌ في حصول هذا كلّه، من خلال فرض القيود على البناء، وهدم المنازل واستخدام عنف المستوطنين من أجل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وتعطي شرعية كاملة لأعمال العنف ضد الفلسطينيين، من خلال تشجيعها ودعمها بالتصريحات العلنيّة، وهناك أعضاء بالحكومة قادوا بأنفسهم أعمال العنف، هم الذين يقررون السياسة وهم الذين يخصصون الميزانيات التي تموّل العنف وهم المسؤولون عن تطبيق القانون على المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين.
التجمّعات التي هُجِّرت
وبينت أنه خلال العامين الماضيين تمّ تهجير سكان ستة تجمّعات في الضفّة الغربية من منازلهم، وفي المنطقة الواقعة شرق وشمال- شرق رام الله تم تهجير أربعة تجمّعات رعوية قسرًا، جزءٌ منهم كانوا يعيشون على أراضٍ تابعة لفلسطينيين يسكنون في المنطقة وبموافقتهم، بعد طردهم من أماكن أخرى، وأقيمت عدّة بؤر استيطانية ومزارع من حولهم، بمساعدة من الحكومة، كانت أوّلها "مزرعة ميخا" في العام 2018، على غرار البؤر الاستيطانية الأخرى في بقيّة أنحاء الضفة الغربية، يتمّ ربط هذه البؤر أيضًا بالبنى التحتيّة للمياه والكهرباء وشبكة الطرق، بشكل فوري تقريبًا، وهي تتمتع بحصانة من عمليات الهدم ويعمل سكانها بتنسيق وتعاون تامّين مع الجيش الذي يوفّر لهم الحماية.
ولفتت إلى أنه بعض هذه البؤر الاستيطانية أقيمت على أراضٍ تعرّفها إسرائيل بأنّها "مناطق إطلاق نار"، وهي مناطق ممنوع أن تقام فيها مستوطنات بشكل رسميّ، لكنّ الحكومة دعمت إقامتها فيها رغم ذلك.
وأوضحت أن التجمعات الأربعة التي تمّ تهجيرها هي: راس التين في العام الماضي، وعدد ساكنيها نحو 120 فردًا – نصفهم من القاصرين تقريبًا، وأُقيم التّجمع في هذا المكان في نهاية الستّينات، وكانت إسرائيل قد طردتهم قبل ذلك من منطقة جنوب تلال الخليل، وهو أقيم على أراضٍ خاصة ومنظّمة يمتلكها سكان قريتي كفر مالك والمغير.
والتجمع الثاني عين سامية الذي تسكنه 28 عائلة وصل عدد أفرادها إلى نحو مائتي فرد، كانوا قد سكنوا فيه بعد أن استأجروا أراضيه من سكان قرية كفر مالك العام 1980، بعد أن طردتهم إسرائيل من أماكن أخرى عدة مرات، وتجمع البقعة تم هدمه أوأخر شهر تموز المنصرم، وتم تهجير 33 شخصا، بينهم 21 قاصرًا، وسبق التّهجير اعتداءات يومية من قبل المستوطنين الذين أقاموا "مزرعة" على بعد نحو خمسين مترًا عن منازل التّجمع ونصبوا ألواحًا شمسية وربطوها بالبنية التحتيّة للمياه التابعة للبؤرة الاستيطانية المجاورة "نفي إيرز" وسيطروا على الطريق الذي يصل بين التّجمع والشارع الرئيسيّ.
كما تم تهجير سكان تجمع القابون الذي يضمّ 12 عائلة، 86 فردًا، بينهم 26 قاصرًا – في بداية آب الماضي ويعيشون فيه منذ العام 1996 بعد أن قامت إسرائيل بطردهم من النقب في أوائل الخمسينيّات، وفي شباط من هذا العام أنشأ مستوطنون بؤرة استيطانية قرب التّجمع، في منطقة كانت إسرائيل تعرّفها بأنّها "منطقة إطلاق نار"، وقاموا بالتنكيل بسكان التّجمع الذين أفادوا بأنّ المستوطنين كانوا يتجولون حول منازلهم، بل ويدخلونها، وكانوا يأتون على أحصنة وتراكتورات في ساعات متأخّرة من الليل ويخيفونهم، ثم استولوا على أراضيهم الزراعية ومنعوهم من رعي أغنامهم في المراعي.
وفي منطقة جنوب تلال الخليل، تم تهجير على الأقل تجمعين قسرًا: التّجمع الأوّل هو تجمع خربة سيمري، الذي سكنته عائلتا شقيقين المكوّنتان من عشرين شخصًا، ثمانية منهم قاصرون. في عام 1998 أقيمت البؤرة الاستيطانية "متسبيه يائير" على قمة التلة التي كانوا يسكنون عليها، ومنذ ذلك الحين ازدادت أعمال العنف ضدهم. قام المستوطنون بالتنكيل بأبناء العائلة، هدّدوهم ودخلوا إلى منازلهم ومنعوهم من رعي أغنامهم واقتحموا منازلهم. وفي تموز العام الماضي قرّر السكان مغادرة المكان.
التّجمع الثاني هو تجمّع ودادي التحتا الذي يبلغ عدد سكّانه 20 شخصًا، بينهم 12 قاصرًا، سكنوا هناك نحو خمسين عامًا. قبل نحو سنتين أقام مستوطنون بؤرة استيطانية على بعد 500 متر تقريبًا عن بيوت التّجمع، حاول المستوطنون مرارًا وتكرارًا منع السكان من رعي أغنامهم في المراعي التي تحيط بمنازلهم، واستخدموا مروحية رباعية لترويع القطيع في المرعى وتشتيته، وكانوا يدخلون في جميع ساعات النهار، وهم مسلّحون، إلى منازل السكان – وفي بعض المرات مع كلب، وكانوا يهاجمون ويضربون سكان التّجمع ويهددونهم بالسلاح.
وشددت منظمة بتسيلم على أن قرار سكان التجمعات مغادرة مكان إقامتهم لم يأت من فراغ، وإنّما هو نتيجة مباشرة للسياسة الإسرائيلية التي لطالما كانت غايتها تحقيق هذه النتيجة تمامًا: طرد الفلسطينيين وتقليص المساحات التي يعيشون عليها، من أجل نقل الأرض إلى أيدٍ يهودية، تعتمد هذه السياسة على سلسلة طويلة من القيود والمضايقات وممارسات التنكيل من جانب الدولة ومبعوثيها، وهي بدرجات متفاوتة من الخطورة، بعضها رسميّ وبعضها الآخر غير رسميّ.
وتضيف: تحظر إسرائيل بشكل شبه تامّ أي أعمال بناء أو تطوير للفلسطينيين في المنطقة (ج). تشكّل هذه المنطقة حوالي %60 من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها ما بين 200 إلى 300 ألف فلسطينيّ، يتوزّع الآلافُ منهم على عشرات التّجمعات التي تكسب لقمة عيشها من رعي الماشية والزراعة، ولتمنع الفلسطينيين من البناء في هذه المنطقة، عرّفت إسرائيل نحو %60 من المنطقة (ج) بأنّها مساحات يحظر على الفلسطينيين البناء فيها، من خلال وضع تعريفات قانونية مختلفة لمناطق واسعة (تتداخل أحيانًا مع بعضها البعض): "أراضي دولة" – نحو %35 من المنطقة (ج)، مناطق تدريبات عسكريّة (مناطق إطلاق نار) – نحو %30 من المنطقة (ج)، محميات طبيعية وحدائق وطنية – نحو %14 من المنطقة (ج)، أو مناطق نفوذ تابعة للمستوطنات – نحو %16 من المنطقة (ج). وتشنّ إسرائيل حربًا متواصلة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق، يتمّ طردهم من أراضيهم تحت ذرائع كاذبة مثل القيام بـ "تدريبات عسكرية"، كما تقوم بهدم بيوتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم.
أمّا الـ %40 المتبقّية من مساحة المنطقة (ج)، فإنّ إسرائيل – التي تتحكّم بشكل حصريّ بأنظمة التخطيط في الضفة الغربية – تفرض قيودًا مشدّدة على أي بناء أو تطوير فيها، واحتمال حصول شخص فلسطيني على رخصة للبناء – حتى عند الحديث عن بناء على أرض بملكيّته الخاصة – هو احتمال يؤول إلى الصفر، وما بين 2009 حتّى 2018، تمّت الموافقة على 98 رخصة بناء لأغراض السكن ولأغراض صناعية وزراعية وخدمات بنى تحتية فقط من أصل 4,422 طلبًا تمّ تقديمها (أي %2). وبحسب معطيات مقدّمة إلى منظمة "بمكوم"، بين عامي 2016 و 2020، فقد تمّ تقديم 2,550 طلبًا وصودق على 24 منها فقط (أقلّ من %1). لا تعكس هذه المعطيات احتياجات الفلسطينيين بشكل حقيقيّ، إذ إنّ غالبيتهم لا يجدون فائدة أصلًا في عناء تقديم طلبات للحصول على رخص بناء، لأنّهم يعلمون مسبقًا بأنّه سيتمّ رفضها في جميع الأحوال.
ويضطرّ الفلسطينيون إلى تطوير بلداتهم وبناء منازلهم من دون رخص بناء، وهم لا يفعلون ذلك لأنّهم مخالفون للقانون وإنّما لأنهم لا يحصلون على أية إمكانية للبناء بشكل قانونيّ. تصدر الإدارة المدنية بحقهم أوامر هدم، وتقوم بتنفيذها في بعض الحالات. بحسب معطيات "بتسيلم"، منذ عام 2006 حتّى 31.7.23 هدمت إسرائيل في أنحاء الضفة الغربيّة 2,123 مبنىً سكنيّاً. 8,580 شخصًا فقدوا منزلهم، بينهم 4,324 قاصرًا، إضافة إلى ذلك، وفي الفترة ذاتها، هدمت إسرائيل 3,387 مبنى غير سكنيّ.
هكذا بدأ التّهجير وهكذا يستمر
تعمل إسرائيل على جعل حياة سكان التجمعات الذين يعيشون في المناطق التي تطمع هي فيها حياة بائسة ومريرة، حتّى يقولوا هم "كفى" ويغادروا منازلهم وأراضيهم، تاركين كل شيء خلفهم. يتم تنفيذ هذه السياسة بطريقتين متوازيتين: الطريقة الأولى – التي تُصنع بواسطة الأوامر العسكرية والمستشارين القانونيين ومحكمة العدل العليا – تقوم الدولة ذاتها بطرد الفلسطينيين من أراضيهم. والطريقة الثانية الموازية للأولى – يمارس المستوطنون العنف ضدّ الفلسطينيين، بحيث تسمح قوّات الدولة بذلك وتساعد فيه، بل وتشارك فيه أيضًا. وقد أدّت هذه السياسة إلى تهجير سبعة تجمّعات بشكل قسريّ، ولكن تجمّعات كثيرة أخرى في أنحاء الضفة الغربية لا تزال تعيش في هذا الواقع العنيف ذاته، وتتعرّض حاليًّا لخطر الترحيل الفوريّ.
هذه السياسة هي سياسةٌ غير قانونية، وإسرائيل مسؤولة بسببها عن ارتكاب جريمة حرب - والتي هي الترحيل القسريّ. بموجب القانون الدولي، الذي على إسرائيل العمل بموجبه، بل تعهّدت بالالتزام به، ممنوع عليها - مهما كانت الظروف - طرد سكّان أراضٍ محتلة من منازلهم. وحقيقة أنّ الترحيل لا يتم بواسطة حضور الجنود إلى منازل السّكان وطردهم منها بأنفسهم، لا تغيّر من الواقع شيئًا، إذ يكفي أن إسرائيل هي التي تخلق بيئة قمعيّة ولا تترك للسكان أي خيار آخر سوى الرحيل.
ترحيل سكان التّجمعات ليس كارثة جلبتها عليهم الطبيعة وليس قدرًا لا مناص لهم سوى القبول به، إنما هو خيار قرّره نظام الأبرتهايد من أجل تحقيق طموحه في الحفاظ على السيادة على كامل الأراضي الواقعة بين النهر والبحر، ولذلك يتم استخدامه لتطوير وتوسيع المستوطنات القائمة ولإنشاء مستوطنات جديدة لهذه المجموعة السكانية فقط.