بقلم: سمير عباهرة
الخطاب الذي القاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة اعاد القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث السياسية حيث طالب المجتمع الدولي بتطبيق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتساءل الرئيس الفلسطيني عن الاسباب التي حالت دون قيام دولة فلسطينية مع ان هناك الكثير من الدعوات والمواقف الدولية التي اقرت بوجوب قيام دولة فلسطينية وحمل المسئولية الكاملة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا واللتان تتحملان المسئولية التامة عن تأخر اقامتها بل وأشار الى ان بريطانيا هي المسئولة الاولى عن نكبة فلسطين وبما جاء به وعد بلفور لا وبل بقيت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا تشكل غطاءً لإسرائيل في جرائمها الكبرى ضد الشعب الفلسطيني من خلال سلاح (الفيتو) الذي عادة ما يتم استخدامه من قبل الدولتين اذا كان الامر يتعلق بإسرائيل وإدانتها ومحاسبتها. وهنا من حق المتابعين والمراقبين السياسيين ايضا ان يتوجهوا بسؤال الى الذين نادوا وينادون بإقامة دولة فلسطينية ولماذا بقي ذلك في اطاره النظري دون تنفيذ ولماذا لا تعترفون عمليا بدولة فلسطين.
هذه الدول التي تقر نظريا باعترافها بحل الدولتين وبالحقوق الفلسطينية وتحديدا الدول الكبرى النافذة في السياسة الدولية فما دام الاعتراف موجود لماذا لا يتم اجبار اسرائيل على تنفيذه ولكن على ما يبدو ان قرارات الاعتراف بحل الدولتين كانت في الغالب قرارات رمزية وغير ملزمة للحكومات بسبب ان المعادلة السياسية لا تسمح بطرح قرارات ملزمة لكن وفي عملية تراكمية فان غالبية دول العالم تريد دولة للشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل والتي تتربع على عرش السياسة الدولية وتمتلك كافة الحلول لإنهاء هذا الملف والتي كانت لها اليد الاولى في اطلاقه ابقت على انهاء الصراع بيد اسرائيل من خلال المفاوضات وهي تدرك جيدا ويدركه العالم اجمع بأن اسرائيل لن تستجيب للمطالب الفلسطينية حيث جرت مفاوضات ماراثونية وعلى مدار سنوات طويلة دون تحقيق اية نتائج وهنا تتضح اهداف المنادون بدولة فلسطينية بان اعترافهم بها يمر من خلال الاعتراف الاسرائيلي.
ازاء هذه المعطيات كان التصور الفلسطيني انه إذا استمرت الولايات المتحدة في سياساتها التي أصبحت قريبة من المواقف الإسرائيلية فعلى القيادة الفلسطينية إعلان موقفا رسميا بالتوجه إلى تدويل القضية الفلسطينية والتوجه المباشر للأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وعقد مؤتمر دولي ليتحمل العالم مسئولياته في انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وحصول الفلسطينيين على حقوقهم وحقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعلى القيادة الفلسطينية استثمار التوجه الدولي الذي أكد على ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه من خلال التواصل الدائم مع الأسرة الدولية ومطالبتها بترجمة أقوالها في الجمعية العامة إلى أفعال.
تدويل القضية الفلسطينية وانعقاد المؤتمر الدولي يجب ان يرتكز على عدد من الوقائع والأحداث بحكم بعض التغيرات التي طرأت على المعادلة الدولية والاختلال الذي اصاب موازين مع ان هذا يمكن ان يكون لصالح القصية الفلسطينية لكن لم تتضح بعد ملامح التوازنات ومحاور الاقطاب فلا زالت الولايات المتحدة تمسك بأوراق السياسة الدولية في ظل انشغال روسيا في حربها مع اوكرانيا وكذلك الصين المنشغلة ايضا بما يجري في جنوب شرقي اسيا من تصعيد هناك وهذا يعني ان انعقاد المؤتمر في هذه الظروف سيكون في مصلحة اسرائيل بحكم ان الدول الداعمة لها لا زالت تتربع على مقاليد السياسة الدولية.
مسألة اخرى يجب الاشارة اليها وهو انه يجب ان يكون هناك موقف عربي صلب يمكن ان يترك بصمة واضحة في دعمه ومساندته للمشروع الفلسطيني وللقضية الفلسطينية وخاصة بعد التغيرات التي حصلت على المعادلة الدولية وعمليات الاصطفاف وراء التوازنات الدولية كما ان عودة التضامن والتكامل إلى الجسم العربي يمكن ان يفرض وجوده على الساحة السياسة الدولية وكفيل بتحقيق كافة الحقوق العربية لكن في الوطن العربي حاولت بعض الدول إتباع سياسة فتح النوافذ مع كل الأطراف الا ان المرحلة لم تسمح بذلك لان سياسة " إن لم تكن معي فأنت ضدي" كانت هي السائدة والسبب في ذلك أن التبعية جاءت من قيود التسلح والاتفاقيات التجارية والاقتصادية ومظلة الحماية من الخصم المقابل فبقي الوطن العربي أسيراً لسياسات بعض الدول وبقي عاجزا عن الـتأثير في السياسة الدولية مما جعل المصالح العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية عرضة للتحكم بها من قبل ما عرف بالنظام العالمي الجديد ورغم انخراط الأمة العربية في عملية السلام سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر أو في دعمهم للتوجهات الفلسطينية في عملية التسوية ألا أن غياب الدور العربي الضاغط
ترك الفلسطينيون يواجهون مصيرهم بأنفسهم وأصبحت الولايات المتحدة تتحكم منفردة بحل القضية الفلسطينية رغم دخول بعض الأطراف الدولية على المعادلة مثل روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وهو ما عرف بالرباعية إلا ان دورهم بقي مقتصرا على دور المراقب دون تأثير.
كما ان غياب دور الأعضاء في اللجنة الرباعية فتح المجال للولايات المتحدة للتفرد بعملية السلام وتمرير اجندتها التي خيل لنا للوهلة الأولى بان الولايات المحتدة جادة في التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وقد بدا ذلك واضحا من خلال المواقف الأمريكية التي كانت تنادي بحل الدولتين على أساس إقامة دولة فلسطينية ورغم الوعود التي قطعتها الولايات المتحدة على نفسها إلا أن مواقفها اتسمت بالتناقض والتراجع وتراجعت عن حل الدولتين وتبنت المواقف الإسرائيلية وبذلك تحولت الولايات المتحدة من راع لعملية السلام إلى طرف في النزاع العربي الإسرائيلي الذي كانت قد اعنت حياديتها المباشرة سابقا فيه هذه المعطيات الجديدة في عملية التسوية تفرض البحث عن بدائل وإخراج عملية التسوية من تحت المظلة الأمريكية والعمل على تدويلها بالتوجه إلى الأمم المتحدة ومنظماتها لكن يجب ان تنضج ظروف دولية تسمح بذلك فيما اذا تغيرت المعادلة الدولية وشكل التوازنات الدولية القادمة المتعلقة بنظام عالمي متعدد الاقطاب لان ذلك حتما سيحد من هيمنة السياسة الامريكية الدولية.